#جريدة_الآن يوسف عبدالرحمن يكتب: الدور غير الحكومي للمساعدات الخارجية الكويتية!

زاوية الكتاب

كتب يوسف عبد الرحمن 629 مشاهدات 0


الأنباء

على مدى ساعتين بعد صلاة الفجر استمتعت بقراءة مؤلف ابني أوس عيسى الشاهين وعنوانه «سياسة المساعدات الخارجية الكويتية: أي دور للشق غير الحكومي؟»، وقد أشرف عليه كل من:

ـ بروفيسورة د.كارولاين هيوغز ـ (عميد الدراسات العليا في كلية العلوم الإنسانية في جامعة برافورد سابقا).

ـ د.سوزان الخضير ـ نقلته الى العربية.

وقدم النسخة العربية د.إبراهيم الهدبان ـ أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت.

وصدر عن دار آفاق للنشر، والكتاب في أصله رسالة علمية حاز فيها المؤلف والكاتب درجة الماجستير في السياسة الدولية الأمنية، واستطاع من خلالها تقديم تجربة الكويت الفريدة الرسمية والأهلية في العمل الإنساني الذي صار يزاحم النفط في ربط صورة ذهنية رائعة للكويت والكويتيين.

لقد وجدت في قراءتي للكتاب انه (مرجع مهم جدا) لصناع القرار وكل الجهات الخيرية الحكومية والشعبية العربية والإسلامية والعالمية ولكل مهتم بقضية المساعدات الحكومية والشعبية.

يقول أستاذنا د.إبراهيم الهدبان ـ أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت في تقريظه وتقديمه للكتاب:

نجح الكاتب الشاب والتلميذ السابق أوس عيسى الشاهين في استعراض أصالة وعراقة العمل الخيري في دولة الكويت وعودته في التاريخ الى بدايات القرن العشرين قبل حوالي 50 عاما من قيام الكويت كدولة مستقلة.

كما نجح الكاتب في عرض تداخل وتعاون المؤسسات الرسمية الحكومية وغير الرسمية الشعبية منذ البداية في مجال العمل الخيري بحيث كان ولايزال من أكثر النشاطات العربية والعالمية نجاحا وشفافية، ولقد نجح الكاتب في إظهار وتوضيح العلاقة بين كل من العمل الخيري الكويتي والسياسة الخارجية الكويتية، حيث ان النجاح الذي أظهره العمل الخيري بشقيه الحكومي والشعبي كان له بالغ الأثر في رفع اسم الكويت عاليا مشرفا في المحافل الدولية.

تحمل المسؤولية الوطنية

أعجبني ما كتبه المستشار الأستاذ أحمد عوض أحمد ـ مدرب التطوير المؤسسي المتخصص في منظمات المجتمع المدني وشؤون الشباب وقضايا التنمية والذي عمل طوال أكثر من 15 عاما في العديد من الدول العربية وفي أروقة المنظمات الدولية ذات الشأن المتخصص بالمساعدات، حيث يقول: بداية الطريق.. وحسن البدايات تؤدي لحسن النهايات، استمتعت بكتاب (سياسة المساعدات الخارجية الكويتية: أي دور للشق غير الحكومي؟)، محاولة لرصد وتأريخ العلم الإغاثي بدولة الكويت، ويبدأ بعملية تأصيل وتفرد ويرصد الأشياء وبدايتها، ويعكس الاستفادات التي طرأت على المنطقة من النفط وأثرها على الحداثة والتحديث على مستوى المنطقة.

طل الكاتب كما لو كان من خارج السياق بالرغم من تعمقه وغوصه، فأصبحت قيمة الموضوعية والحيادية والمنهجية العلمية الأصيلة حاضرة من البداية للنهاية. يذكر ان الكاتب شريك مؤسس ومدير تنفيذي لأول شركة استشارات خيرية إنسانية مرخصة في دولة الكويت (سنبلة).

الكتاب مهم للمهتمين وصناع ومتخذي القرار في وضع ركائز وخطط التنمية، وبداية للتفكير في أهمية وضع سياسة وطنية لدولة الكويت في مجال المساعدات الخارجية وتوضيح الفاعلين والداعمين.

لك أن تتخيل ان إجمالي الإنفاق الإنساني للعشرين منظمة خيرية الكبرى عالميا عام 2014 تتعدى 7.7 مليارات دولار أميركي، ولو اجتمعت المنظمات غير الحكومية لتكوين دولة، فستكون سابع أكبر اقتصاد في العالم.

مسلكيات البحث

استخدام الباحث للمنهج الكيفي واعتماده على الملاحظة بالمشاركة، والمقابلة الكيفية، وبحوث سيرة الحياة، وطريقة المحادثة الفردية/ الجماعية، والمنهج الوثائقي، حيث يرى في الموضوع وتاريخه كتابا مفتوحا، يتعلم منه، لا يعلمه، ويستخلص المعرفة مباشرة من المعاصرين وعالم حياته، ويفسر التغيرات النوعية في الموضوع المعقد، لمداخل نظرية ومنهجية مختلفة جدا الى الواقع الاجتماعي.

كان الهدف دائما هو تكوين الفرضيات، وعدم وجود متغيرات محددة، فكل ما يريده الباحث هو الاستكشاف، واعتمد في المقام الأول على المشاركين «المبحوثين» والتركيز على فهم العمل الإغاثي من منظور المشاركين، فاستخدام العينات اتسم بالقصد والعمدية او الثلجية ومقابلة 16 من خبراء العمل الاجتماعي والإغاثي وأصحاب الاختصاص، وتجميع البيانات عبر أسئلة مفتوحة النهاية، استخدام «أسلوب دلفاي»، كوسيلة اتصال، للتعرف على الواقع الحالي، واقتراح حلول مناسبة لتطوير وتحديث العمل الإغاثي، ولجمع المعلومات وتبادل الآراء وطرح الخيارات والبدائل وترتيب الأولويات وتحديد الأهداف ورسم السياسات لاستشراف المستقبل.

ارتكز الباحث على الصدق والموضوعية، واستقطاب الآراء في وجهات نظر متقابلة تكون بمثابة بدائل او خيارات للسياسات لكيفية تنمية وتطوير العمل الإنساني، والتعرف على دور الحكومة.

في ذلك ملاءمة المنهج للموضوع، والتأمل النقدي للباحث في فعله ومشاعره بوصفه عنصرا أساسيا من المعرفة، ميزة وركيزة أساسية من نقاط تميز الموضوع.

الإجابات وما تحصل عليها من معلومات

تقوم الدراسة واضعة بعين الاعتبار الكثير من التفاعلات/ المتغيرات في ميدان العمل الخيري والإنساني، وتحاول توصيف/ توضيح حجم المساعدات الكويتية، وتشرح/ تقارن مكان/ مكانة دولة الكويت من أنماط ونماذج المانحين الدوليين. فتبدأ بتوضيح ومدخل لدولة الكويت والخليج العربي، ومن ثم تشرح بدايات العمل الخيري من عام 1913 من خلال اللجان الشعبية، والمجهودات الحكومية، وسياسة دولة الكويت الخارجية، وديناميكية المساعدات، وتثير مجموعة من الأسئلة:

٭ الأسباب والمبررات لتقديم المساعدات الخارجية؟ ومقارنة المنظمات الكويتية بالمنظمات الدولية؟ وكيف تتشكل العلاقات بين اللاعبين الأساسيين في عملية المساعدات الدولية وعلامَ تبنى؟

٭ دور المنظمات غير الحكومية في التأثير على سياسة المساعدات الكويتية.

٭ محفزات كل من المساعدات الكويتية والسياسة الخارجية للبلاد، وما مبادئ وحدود كل منهما؟ وأهدافهما وأولوياتهما.

٭ الأحداث والعوامل التي شكلت واقع العمل الخيري والإنساني.

٭ مصادر تمويل المنظمات غير الحكومية الكويتية، وعوامل تنميتها، وأسباب تطورها، وهل يمكن ان تتطور أكثر من المؤسسات الحكومية؟ وما الإشكالية في عملية تطورها أكثر من المؤسسات الحكومية، وما أشكال التعاون بين المنظمات غير الحكومية والحكومية والخاصة؟

٭ ما يميز المنظمات غير الحكومية كجزء من القطاع الثالث داخل دولة الكويت، وما الخدمات التي تقدمها المنظمات غير الحكومية ولا تقدمها الحكومة؟ داخل الكويت وخارجها، وإلى اي مدى الجمعيات الخيرية أداة وسفير للنوايا الحسنة؟

كنت أفكر ماذا سيكون اسم الكتاب إذا أتيحت لي فرصة اختيار الاسم، هل سيكون (سفراء بلا سفارة)؟، (القوى الناعمة)؟

الباحث أوضح لنا خلفية الجمعيات الإغاثية والمرجعية التي تستند اليها وقوة ذلك في النظرة للأشياء وتحريك الأمور، ولكنه لم يبرز الجانب الآخر من هيمنة «رجال الدين» في بعض الأحيان.

العلاقات البينية

يعرج الكتاب على العلاقة بين المجتمع المدني والحكومة متخذا القطاع الخيري والإنساني نموذجا، لا نستطيع توضيح العلاقة بشكلها العام بين المنظمات غير الحكومية والحكومة دون تحديد مجموعة من الموضوعات: الأهداف وطبيعة الدور ومكان العمل وتوقيت العمل ووضع بعض المتغيرات الأخرى مثل الأزمات التي تمر بها الدول، التبرعات، شكل ومكان العمل، وهذا يوضح لنا تنوع سمات العلاقة بين (التعاون، المجابهة، التكامل، السيطرة، الإيقاف).

خصائص المنظمات الخيرية في الكويت تخضع لتأثير الحكومة، ولكن المنظمات الخيرية/ الإنسانية هي الأقوى ضمن المجتمع المدني وتملك الوزن الاجتماعي الأثقل فيه، وشعبيتها في تصاعد، بينما علاقاتها ضعيفة مع باقي منظمات المجتمعات المدنية كالنقابات التجارية والجمعيات التخصصية.

ومن أسباب قوة الجمعيات الخيرية هي الجذور الدينية التي تمكنها من الانتشار في المجتمع وكسب التعاطف وتدفق التبرعات، التنوع في البرامج المتبناة التي تلامس نواحي كثيرة في حياة الناس، ترؤس أحد أفراد النخبة لتلك الجمعيات والكيانات، بالإضافة الى المدخر المالي الكبير. إنشاء نقابة للمنظمات والجمعيات الخيرية للمدافعة عن الحقوق والمطالب، هي آلية من آليات دعم المجتمع المدني بصورته الأوسع.

بحثت عن أنواع المجتمع المدني الموجودة بالكويت، وظننت أنني سأجدها في المرافق من جمعيات تعاونية، ونقابية، ومهنية، شركات أهلية.. إلخ، وعن القرارات الوزارية الصادرة من وزارات الأوقاف أو الخارجية او الشؤون ولم أجدها.. وهي تساعد في توثيق وتأريخ العمل المرحلي.

في الوقت الذي يمكن اقتناص الفرص وتحويلها لاستثمارات بشكل متتابع، يتعرض العمل الخيري لتهديدات، ويطلب منه دائما تبرير أفعاله وأنشطته. أحداث الحادي عشر من سبتمبر ألقت بظلالها على كل أشكال التعامل والتفاعل اليومي المعيش، وهذا ما يؤكد على أهمية رؤية الفرص من داخل التهديد، واستثمارها لأبعد مدى.

دور وزارة الخارجية في إدارة العمل الخيري خارج الكويت من المهم الانتباه له، وقرار مجلس الوزراء بتفويضها بالقيام بذلك يؤكد على علامة انفتاح وصراحة وقدرة على التعامل بشكل محترف، والتعاون من خلال الجمعيات والمنظمات الخيرية مع وزارة الخارجية يرجع لخبرة الخارجية في إدارة الأمور وحسن تيسير الأعمال.

الأهم ان الوزارة كانت داعمة بقوة لموقف الجمعيات في العمل. وهذا ما يدفع بأهمية الاستفادة من دور وزارة الخارجية بالداخل.

ومرت العلاقة بين الجمعيات الخيرية ووزارة الخارجية بمراحل مختلفة، وما يميزها ان «الخارجية الكويتية» اتخذت أسلوبا توفيقيا كأداة بدلا من وضع القوانين/ الضوابط، بل الحلول المشتركة (رابح ـ رابح)، بل وفي الكثير من الأحيان توفر التعاون والحماية للجمعيات على المستوى الدولي، والاحتواء والاحتضان، ولذا من المهم تفهم وتعزيز مواردها بما يتم تنفيذه من خلال الجمعيات حتى تستوعب عمل الجمعيات وتسرعه.

من الممارسات الجيدة ـ good practices ـ قيام الحكومة بتمويل المشروعات التي تنفذها الجمعيات والهيئات التي تعمل في الخارج وتدعم بعض المشروعات بقوة في بعض القطاعات وخاصة التعليم والصحة والإغاثة، بل ان وزارة الخارجية تقوم بدور الوسيط في عمليات تحويل الأموال دوليا، مما يعكس مزيدا من الشفافية والتعاون، مع وجود منظمات الأمم المتحدة كشريك في بعض الحالات.

من المهم الانطلاق من قناعة ان إدارة المنظمات غير الحكومية، او ما يعرف بالقطاع الثالث، ـ مفهوم وتجربة ـ لها أهمية كبرى، ولديها إمكانيات تنموية عالية تؤهلها للمساهمة الفعالة في إدارة الحاضر ومجابهة التحديات التي تواجهها.

تعكس تجربة دولة الكويت ثراء التجربة بشكلها التطبيقي الميداني، بل وتؤهلها لتكون بيت خبرة في مجالات متعددة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وتمكنها من أن تلعب دورا حاسما في الاستقرار السياسي من خلال تبني وترويج للأفكار كالإيجابية والتعاون والسلام واستيعاب الطاقة البشرية والقوى العاملة ومحاربة التطرف وتعزيز مشروعاتها لتصبح بدلا من مشاريع إغاثة الى مشاريع تنمية طويلة الأجل وتطوير أنظمتها التنظيمية والإدارية.

٭ الخلاصة: من الضروري الانتقال في التعامل من ردود الفعل الى استشراف واستقراء المستقبل، ومن المهم إنشاء إدارة/ قسم/ فرع للأبحاث والدراسات وتوفير البيانات الدورية. وما هذا الكتاب إلا بادرة علها تفتح سبيلا للمزيد من المنتوجات الثقافية والعلمية.

آن الأوان لتبوؤ الكويت مكانة في الساحة الفكرية العربية والعالمية، وتجميع المهتمين الأكاديميين والتطبيقيين في مجال العمل التنموي المستدام، وربطه بمقتضيات التنمية المختلفة وفق موضوعاتها المتعددة (لكل المجالات الثقافية، الاجتماعية، السياسية)، والتعريف بدور منظمات المجتمع المدني الكويتي وتاريخها ومنطلقاتها ومنجزاتها على مستوى الدول والمجالات التي عملت بها، وتكثيف النقاشات والأبحاث والدراسات حول الإمكانيات للمنظمات التنموية المعاصرة في التنمية المعاصرة، واستثمار المشروعات التي يتم تنفيذها وتحويلها الى أبحاث استقرائية واستشرافية، وإنتاج العديد من الدراسات التي توضح الحالة التي يتم العمل فيها، وعرضها بشكل علمي بين المتخصصين ما يسمح بديناميكية بين الباحثين والمنظمات ويحقق الربط المنشود لعملية التطور بين الفكر والتطبيق.

٭ ومضة: مو غريبة ان ينجح هذا الشاب، فابن الوز عوام، ومن يعرف محضنه وعائلته يعرف سر نجاح هذا الشاب، وأقول له: إلى نجاح قادم مع مؤلَّف جديد.

٭ آخر الكلام: كتاب مرجع للعاملين في القطاعين الخيري الحكومي والشعبي وتحتاجه القيادات ذات القرار لمرجعيته وحصره للأدوار الخيرية الحكومية والأهلية خاصة بعد بروز الكويت عالميا.

٭ زبدة الحچي: الأكاديميون والميدانيون الخيرون بحاجة الى هذا المؤلف الثري بمعلوماته لاستشراف واستقراء المستقبل.. شكرا يا ابني أوس كتابك رائع وأنت الأروع دائما.

في أمان الله.

تعليقات

اكتب تعليقك