#رأينا_الآن لو تم ضرب الرؤوس الكبيرة الفاسدة لما قام الصغار بالتزوير

محليات وبرلمان

#جريدة_الآن

الآن 678 مشاهدات 0


افتتاحية جريدة ((الآن)

هناك قاعدة في الادارة العامة وهي أن تزايد حالات التزوير داخل مؤسسات دولة ما يعني أن هذه الدولة تعاني بشكل كبير من عدم الانضباط والفوضى.

وتكثر حالات التزوير في الدول التي تعاني من الحروب مثل سوريا واليمن وأفغانستان حيث يحوّل كل مسؤول حكومي قطاعه الذي يديره إلى إقطاعية خاصة به فيصبح استخراج أي ورقة حكومية يحتاجها المواطن بمقابل مادي , ويصبح تمرير المعاملة لدى الحكومة يتم مقابل رشوة محددة ,  وتغدو الجهة الحكومية بمثابة مصلحة تجارية للمسؤول الحكومي يكتسب من خلالها النفوذ والأموال.

وبسبب هذا التزوير والتلاعب بالمستندات الرسمية تفقد المؤسسات احترامها , وفي حالة فقدان المؤسسات الرسمية لاحترامها فإن الدولة بوزارتها ومؤسساتها تفقد الاحترام أمام العالم لأنها تصبح شبيهة بحي سكني تنتشر فيه العصابات , أو تتحول من دولة مؤسسات إلى أشبه ما تكون بمضارب قبيلة في زمن غابر حيث تكون السيادة فيها للأقوى وللأكثر خداعاً.

ما دعانا في  لكتابة هذه المقدمة الطويلة – نوعاً ما – هو جواب وزارة الداخلية على أسئلة تقدم بها النائب رياض العدساني حول قضايا التزوير في الكويت وحول عددها وأنواعها ، وكان الجواب مخيفاً وصادماً ويدق نواقيس الخطر، لا ناقوساً واحداً فحسب.

لقد أعلنت وزارة الداخلية أن عدد قضايا التزوير المسجلة لديها من كل الجهات الحكومية في الخمس سنوات الأخيرة بلغ أكثر من خمسة آلاف قضية ، نعم لم نزد صفراً على الرقم، خمسة آلاف قضية تزوير وردت من الجهات الحكومية لوزارة الداخلية خلال هذه السنوات، أي أنه توجد في السنة الواحدة أكثر من ألف قضية تزوير تتعلق بمحررات وأوراق رسمية تخص العمل الحكومي وهي جريمة كبرى واستهتار لا حد له بقوة الدولة ومؤسساتها.

وزارة التعليم العالي لديها111 قضية تزوير شهادات دراسية – وهذا كله قبل فضيحة الشهادات الأخيرة التي كشفت مئات الشهادات المزورة في عدد من الأماكن الحكومية- أما وزارة الكهرباء والماء فلديها ٣٤ قضية من بينها قضايا تزوير بصمة و حضور وانصراف وغيرها.

فيما تملك جهات حكومية أخرى أعداداً مماثلة من قضايا التزوير تتعلق أغلبها ببصمات الحضور والانصراف وتزوير بطاقة اللياقة الصحية ومحاولة بعض ضعاف النفوس الحصول على إقامات أكثر لجلب العمالة وبيع الإقامات عليهم ومن ثم رميهم في شوارع الكويت ليصبحوا عمالة سائبة تنشر الفوضى في البلد، إضافة إلى تزوير لا حصر له في هيئة الإعاقة , وفي والهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية في محاولة للاستيلاء على قدر أكبر من المال والمزايا.

إنها لكارثة كبيرة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وكي نستوعب هذه الكارثة المخيفة يجب علينا أن نعود إلى أسبابها وجذورها، فالسبب الأول والرئيسي  هو ضعف الثقة بمؤسسات الدولة من قبل بعض المواطنين حيث تحولت معه الدولة من بنيان عتيد له تاريخ راسخ ومؤسسات عريقة إلى مجرد مغارة لكسب الأموال السريعة وكنزها وتخزينها، أو تبذيرها حول العالم في مدن أوروبا خلال فصل الصيف أو شراء السلع الفارهة بثمن المال الحرام الذي تقاضوه هؤلاء بناء على تزويرهم، لكن مهلاً، فالذنب لا يقع كله على المواطن، فالذنب الحقيقي يقع على الحكومة.

قد يقول قائل ما  وما هو ذنب الحكومة فيما يقترفه المواطن من خطايا؟  الجواب أن "المال السايب يعلّم السرقة" كما يقول المثل ، فإذا كان موظفو الحكومة الذين يتقاضون مكافآت "الأعمال الممتازة" سنوياً يتقاعسون عن أداء عملهم بصدق وإخلاص وبحث وتأني قبل تمرير المعاملات فهذا يعني أن الكثير سيستهل عملية "السرقة" من أموال الدولة ومقدرات الشعب إما عبر تزوير الشهادات الدراسية لرفع الرواتب أو تزوير كشوفات الحضور والغياب؟ فموظف الدولة المتقاعس عن كشف جريمة التزوير هو مشارك فيها، والحكومة التي لا تعاقب موظفيها المتقاعسين وهم ويا للمفارقة العجيبة"ذوي الأعمال الممتازة" هي مشاركة في جرائم موظفيها أيضاً.

 هذا ليس كل شيء، فكل ما ذكرناه لا يعتبر شيئًا كبيرًا أمام حقيقة أكثر حزناً وإيلاماً وهي أن بعض المواطنين إذا شاهدوا "كبار المسؤولين" يسرقون بشكل علني وفاضح و يفلتون بعد ذلك من هذه السرقات إما بحيل قانونية أو عبر هروبهم خارج البلاد وفي ظل عدم مطالبة الدولة بهم فسيقول المواطن لنفسه "لقد فلت هذا الذي سرق ملايين الدنانير فلم لا أفلت إن سرقت مئات الدنانير"؟

لقد حذرنا مراراً وتكرارًا في أكثر من افتتاحية لنا في "الآن" وقلنا إن التساهل في التعامل مع سراق المال العام الكبار يُفقد الناس الثقة في مؤسسات الدولة وفي جدواها ، وبالتالي سيتسبب هذا التساهل في فقدان حس الانتماء والولاء للدولة ، لذلك فإن أول خطوات حل كارثة التزوير لا تكون بملاحقة صغار المزورين ، بل ضرب كبار سراق المال العام بيد من حديد ,وفضحهم وتبيان أسمائهم واسترداد كافة الأموال المسروقة منهم بعد أن يلقوا جزاءهم العادل، فهنا وهنا فقط  سيشعر الجميع أنهم أمام دولة قانون، وأن الجميع متساوون أمام القانون إذا كان الأمر يتعلق بمقدرات الشعب وأمواله ومستقبل أجياله القادمة.

ورغم أن الحكومة قالت إنها بصدد وضع حلول وتشديد العقوبات على المزورين في قطاعات الدولة كافة فإن ذلك لن يكون كافياً، فلو لاحظنا قضايا التزوير سنجد أن جزءاً كبيراً منها يتعلق بالوظائف الحكومية ومحاولة بعض ضعاف النفوس الحصول على ترقيات عبر جلب الشهادات المزورة أو التهرب وقت العمل.

إن المشكلة الحقيقية هي في نظام العمل داخل القطاع الحكومي، فهذا النظام بات غير فعال وحوّل الموظفين من أشخاص يفترض بهم تسيير العمل إلى أشخاص يعطلون العمل لعدم فعاليتهم، حيث يشترط على الموظف أن يعمل لوقت محدد من دون النظر إلى كمية العمل المكلف به أو آليته أو نوعيته، وبالطبع الحكومة العتيدة لم تسمع أبداً عن أسلوب الادارة بالأهداف !

كذلك فإن مسألة ربط الشهادة بالارتقاء في سلم العمل من دون النظر إلى الكفاءة جعل الكثير من هؤلاء "الطفيلين المزورين" يقوم بالحصول على شهادة غير حقيقية من أجل الترقية في عمله لأنه يعلم أن معيار الكفاءة والجودة والإتقان غير موجود تقريباً عند الجهات الحكومية، ونكاد نجزم أننا الدولة الوحيدة في العالم التي لا تنظر لكفاءة الموظف ساعة ترقيته بل إلى شهادته.

في النهاية، لا بد لنا من القول إن التزوير يعتبر مشكلة تتعلق بثقافة وبالقانون وبالدولة، فمشكلة ثقافة بعض الذين يرون أن الدولة صيد سهل ومكان لجمع الأموال السريعة، ومشكلة القانون الذي لم يكن في يوم من الأيام صارماً بما فيه الكفاية تجاه المفسدين، ومشكلة الدولة التي تسببت بالمشكلتين الأوليتين!

تعليقات

اكتب تعليقك