#رأينا_الآن مواجهة الأخطار الإقليمية تكون عبر الإيمان بالدولة الحقيقية التي يحدد فيها المواطن القرارات الكبرى

محليات وبرلمان

الآن - خاص 691 مشاهدات 0



افتتاحية الآن

استفاق العالم مذهولاً على وقع صدمة قصف طائرات مسيرة وصواريخ "كروز" لمنشآت نفطية في شرق الشقيقة السعودية وتحديداً في مناطق بقيق وخريص، وأشارت المعلومات الأولية إلى أن هذه الصواريخ الغادرة انطلقت من إيران نحو المملكة العربية السعودية في محاولة لجر العالم نحو حرب طاحنة لا يستفيد منها إلا دعاة الحرب والدم ، وهو بالطبع في هذه المعادلة النظام الإيراني الذي مد نفوذه على أنقاض الشعوب العربية في العراق واليمن ولبنان وسوريا.

ولم تؤد هذه الضربات الجوية إلى خسائر مالية كبيرة فحسب، بل زعزعت فينا الثقة بالحليف الأمريكي الذي قطع على نفسه عهداَ - أو كان يزعم أنه قد قطع عهداً – بحماية المصالح الخليجية في المنطقة، ووقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المعروف بتقلباته ومواقفه التي لا نفع من ورائها ولا طائل، وقف موقف المتفرج وهو يشاهد الصواريخ الإيرانية تتطاير في سماء الخليج غدراً وخيانة.
وبدأ السؤال الملح يدور في أذهان شعوب الخليج، بما فيها الشعب الكويتي بتكوينه الواعي ومعرفته السياسية، والسؤال هو : ماذا أعددنا لهذه الحرب؟ وما الذي كنا نفعله لسنوات طويلة؟ ولماذا وصلنا إلى هذه الحال المزرية التي جعلت الشعوب الخليجية توجه أنظارها إلى "البيت الأبيض" منتظرة منه "فزعة" ومكرمة بالدفاع عنا.

إن الجواب عن هذا السؤال الذي بات على لسان الجميع من سياسيين ومفكرين ومثقفين وأناس بسطاء عاديين لا ناقة لهم في السياسة ولا جمل ، يتطلب منا فحصاً لجذور المشكلة وقراءة سريعة للتاريخ.

لقد حبا الله الخليج العربي بنعمة عظيمة وهي نعمة النفط، هذه النعمة التي أغدقت على بلاد الخليج خيراتها ، فصار جزء كبير من مواطنيها أغنى أهل الأرض وتحولت المؤسسات الحكومية فيها إلى مطمع لكل مستشار أجنبي ليتوظف فيها، وجاء الوافدون من شتى بقاع الأرض زرافات ووحداناً ليعملوا فيها بداية من تنظيف الطرق والشوارع وانتهاء بإدارة بعض المؤسسات والشركات، وأصبح العالم يتجه مع كل أزمة اقتصادية أو كارثة طبيعية أو صراع مسلح إلى الخليج ليحاول الحصول على "الكاش" الذي يسيّر الحياة ويعيد الأمور إلى نصابها كما هو الحال مع عبدالناصر بعد نكسة عام ١٩٦٧ وحسني مبارك بعد عام ١٩٩٠ وغيرهم الكثير.

لكن تراكم الثروة في الخليج أنسانا شيئًا مهماً وهو بناء الانسان ، وهو البناء الحقيقي للوطن التي تحكم مؤسساته وتديرها وتحافظ على ثرواته وممتلكاته ، ويسأل فيه المواطن عن مصدر ثروة الثري وعن سبب فقر الفقير، ويشارك في كل شيء من صناعة الإبرة إلى بناء البرج وناطحة السحاب.
وبدلاً من ذلك، لم نصل رغم مرور 70 عاماً على استقلالنا إلى ما يمكننا أن نطلق عليه مجموعة دول قوية قائمة على اقتصاد حقيقي وسياسة ثابتة وقوة عسكرية لا تقهر.

فعلى الصعيد الاقتصادي، تسبب الفساد والعمل غير المؤسساتي في دول الخليج، ومنها الكويت بطبيعة الحال، بظهور طبقة كبيرة من التجار الطفيليين الذين يقتاتون على أملاك الدولة ولا يدفعون أي ضريبة حقيقية، وبينما يدفع تجار الأرض قاطبة نسبة معلومة من الضرائب للدول التي تحتضن مؤسساتهم وشركاتهم ، فإن تجار الخليج يحصلون على تسهيلات لا يحلم بها أحد من الناس، وليت أن الأمر توقف على امتصاصهم لهذه الثروات بل تعداه إلى محاربتهم للصناعات الوطنية في سبيل الحفاظ على احتياج السوق لمنتجاتهم المستوردة من مصانعهم في الخارج.

ولم يتوقف الأمر عند فتح المجال أمام التجار الطفيليين للسيطرة على أملاك الدولة بأثمان بخسة، بل تعداه إلى جعلهم يقررون السياسة العسكرية للبلاد عبر تدخلهم في صفقات السلاح وحصولهم على عمولات ضخمة وصل بعضها إلى "نصف مليار دينار"! دون أدنى جهد منهم، بل على العكس قاموا بالدفع نحو   توقيع صفقات لأسلحة لا تحتاجها الدولة ولكن "جيوبهم" تحتاج لعمولاتها.

لكن النقطة الأساسية في الجانب الاقتصادي هو عدم اعتمادنا على مصدر دخل بديل يُغني عن النفط الذي يمثل 90٪ من دخلنا السنوي، وكل هذا عائد لانعدام إرادة بناء الدولة الحقيقية لدينا ، وبعث روح الحماس في الأمة ، وبالتالي فإن أي استهداف لمصافينا النفطية يعد استهداف لـ"كامل" دخلنا الوطني.
أما على الصعيد العسكري فإننا لم نقم بإعداد شيء حقيقي، ففي الكويت ورغم تعرضنا لغزو غاشم من قبل العراق عام 1990 وتهديدات عراقية بغزو آخر في منتصف التسعينات، لم نقم ببناء مؤسسة عسكرية حقيقية، ولا زلنا نكرر نفس الأخطاء العسكرية التي توصل إليها تقرير لجنة تقصي الحقائق بعد الغزو العراقي للبلاد من تسيب في الجيش وعدم تدريب وانضباط واستخدام للآليات العسكرية والأسلحة، وعدم وجود عقيدة قتالية محترمة يمكن للمقاتل الكويتي أن يتبناها إذا ما تعرضت بلادنا لحرب لا سمح الله .

أما الجانب السياسي، فحدث ولا حرج، ففي أرشيف "الآن" من مقالات وأخبار وتقارير ما يغنيك عن وصف الحال السياسي، ولأننا في وضع دولي حرج فإن "الماء" الذي في فمنا يمنعنا من الإشارة لكافة مواطن الخلل و للأخطاء الكبرى في عالم السياسة والتي جعلت بعض المواطنين "يكفر" بفكرة الدولة ولا يرى جدواها، بل يستهتر بعمل المؤسسات و يتحين الفرصة والأخرى للحصول على "إجازة طبية" يتغيب فيها عن عمله الذي لا يعرف ماهيته ولا أدواره.

إننا ومع الأسف الشديد، وبعد 70 عاماً من الاستقلال والحصول على كامل حقنا في ثرواتنا النفطية، لم نستطع بناء جيوش حقيقية تملك مقدرة على الدفاع عن نفسها، وبدلاً من أن نؤمن بشعوبنا كحامٍ حقيقي لأوطاننا، آمنا بالولايات المتحدة الأمريكية كحامٍ وحيد لها.

ولا نشكك في قوة الولايات المتحدة الأمريكية ولا بمكانتها كحليف أساسي، لكن كافة الخبراء السياسيين والعسكريين يرون أن مكانة الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى أساسية في العالم بدأت بالاضمحلال كما هو الحال مع بريطانيا العظمى في منتصف القرن الماضي، ولا يُعقل بأي حال من الأحوال أن تضع الشعوب الخليجية كل "بيضها" في سلة الولايات المتحدة، بل يجب عليها أن تعمل على تحويل هذا البيض الهش القابل للانكسار إلى صخرة جلمود تتحطم عليها كل القوى الشريرة التي تحاول العبث بأمنها ونشر أيدولوجياتها الخاصة فيها.

لقد حان الوقت لأن نؤمن بالدولة الحقيقية، دولة المؤسسات التي يشارك الشعب في إدارة سياستها وصناعة اقتصادها وقيادة جيشها، وتكون له الكلمة المسموعة في كل القرارات فإذا أراد أن يدخل حرب فإنه هو من يحدد وقت دخولها ، وإذا أراد السلام فلا صوت يعلو على صوته وإذا أراد أن يبني وطنه فلا يحق لأحد أن يعترض عليه.

تعليقات

اكتب تعليقك