الباحث في شؤون الطاقة دكتور مصلح العتيبي يكتب عن عبقرية المبادرة المصرية في السيطرة على انتاج الغاز في البحر المتوسط

الاقتصاد الآن

الآن 830 مشاهدات 0


دكتور مصلح العتيبي 

في عام 1538 ميلادي، أستدعي السلطان العثماني، سليمان القانوني، وزير بحريته آنذاك، خير الدين بربروسا (ذا اللحية الحمراء)، للاطلاع على استعداداته للحرب البحرية القادمة، معركة بروزه، و التي من نتائجها أن أرست السيادة العثمانية المطلقة علي البحر الأبيض المتوسط لنصف قرن حتي كانوا يشيرون اليه بالبحيرة التركية!

و اليوم، أصبحت أمواج البحر الأبيض المتوسط ترتطم بشواطئ دول أكثر عددا، أكثر تنافسا و أكثر نزاعا علي حدودها البحرية و ما يدخل في المياه الإقليمية. إلا أن حدة النزاع زادت في الآونة الأخيرة نظرا للمؤشرات الإيجابية للمسوح الزلزالية و التي تؤكد وجود كميات تجارية كبيرة من حقول الغاز تقبع تحت أعماق البحر، و خصوصا في المربع الأول و التي تطل عليه الدول التالية: مصر، قطاع غزة، إسرائيل، لبنان، سوريا و قبرص.

ما نشير اليه من كنوز البحر المتوسط، و خصوصا قبالة السواحل المصرية، جاء في تقرير هيئة المسح الجيولوجي الأمريكي لسنة 2010. فقد قدرت الهيئة ان هناك تقديرا أوليا لكميات غاز طبيعي تقدر ب 345 تريليون قدم مكعب جاهزة لتصبح كميات تجارية حالما يتم تطوير الحقول و يبدأ الإنتاج. قسمت تلك الحقول تحت مظلتي حوض دلتا النيــــــــل و الحوض الكبيــــــر تباعا، كالتالي:

  • دلتا النيل: 223 تريليون قدم مكعب، 6 مليار مكثفات و 7 مليار برميل نفط خفيف ممتاز الجودة. حقل (ظهر) هو أحد الحقول المكتشفة في عام 2015 بعقول مصرية و تشغيل شركة إيني الإيطالية، و يقدر مخزونه ب 30 تريليون قدم مكعب من الغاز و الذي بدأ إنتاجه فعليا في 2017 و قد يصل الإنتاج الي 2.0 مليار في أي وقت من الان.
  • الحوض الكبير: 122 تريليون قدم مكعب، و المنطقة هذه تسمي حوض المشرق و تقع قبالة شواطئ قبرص، لبنان و سوريا، و تركيا. غير أن إسرائيل و السلطة الفلسطينية يستحوذان بالنسبة الأكبر من تلك الجائزة، حيث أن الكميات التجارية قبالة سواحلهما تقدر ب36 تريليون قدم مكعب!

أما ما هو مقابل السواحل التركية مباشرة، و تغطي منطقة بحر ايجة و البحر الايوني و جنوب جزيرة كريت اليونانية، فتقدر الكميات التجارية ب124 تريليون قدم مكعب. غير أن السلطات التركية رأت ما هو أكبر من تحت متناولها، فامتدت الذراع التركية الي ليبيا حيث يوجد حقل بحر السلام قبالة الشواطئ الليبية! قامت أنقرة أيضا بأدلجة قبرص الشمالية و ما هو قبالة سواحلها من حقول مكتشفه في السنوات الثلاث الماضية! فأوعز الرئيس التركي الي السفينة المقاتلة (خيرالدين بربروسا) لكي تعترض بعض السفن النفطية الإيطالية، و التي تعمل علي تطوير حقول الغاز هناك مما أثار حفيظة السلطات السياسية الإيطالية، و لازال النزاع قائما دون حل جذري للتسوية!

في خطوة تنم عن عبقرية المبادرة المصرية، قامت القاهرة بتشكيــــــل (منتدي غاز البحر المتوسط) في شهر يناير 2019، ليضم مصر، اليونان، إيطاليا، اليونان، إسرائيل، الأردن و السلطة الفلسطينية. و استبعدت تركيا و سوريا و لبنان! أهداف المنتدي الرئيسية هي التنسيق بين الدول الأعضاء في توحيد الجهود لإنتاج الغاز، تصدير الغاز المشترك بين ثلاث أعضاء هي مصر، قبرص و إسرائيل و ذلك بعد تسييله في الأراضي المصرية. أيضا من الأهداف الاستراتيجية للمنتدي هو مد خط انابيب تصدير الي أوروبا، (إيست-ميد هو أحد الانابيب المزمع تشغيله خلال السنتين القادمتين، يصل الي اليونان و من ثم الي الأسواق الأوروبية).

أتت خطوة تشكيل المنتدي لعدة عوامل قوية أهمها أن مصر أصبحت لها اليد العليا في نادي مصدري الغاز حول العالم و ذلك لعدة أسباب منها:

  • تمتلك مصر أكبر متوسط احتياطي للغاز يقدر ب30 تريليون قدم مكعب.
  • تمتلك محطتين لتسييل الغاز أعطتها ميزة إقليمية بطاقة استيعابية للمحطتين تقدر ب13 مليار متر مكعب.
  • تحكم كامل بسبعة حقول غاز رئيسية اخري: تمتلكها مصر و تديرها و تشغلها.
  • حجم الإنتاج اليومي يقدر ب8 مليار قدم مكعب مما جعل مصر تصل الي الاكتفاء الذاتي من الغاز.

كل ذلك جعل من مصر مؤهلة باستحقاق جدير بالثقة أن تكون مركزا إقليميا قادما للغاز في الشرق الأوسط. و نحن هنا في الختام، عزيزي القارئ، نود التذكير بأن ما هو موضوع البحث هنا نراه إقتصادي-فني من الدرجة الاولي! الكنوز في البحر الأبيض المتوسط ذات وفره كثيرة، و تعمل عليها عدة شركات عالمية. من هذه الشركات هناك من يعمل في ليبيا منذ زمن طويل و أيضا له تواجد ملموس في مصر. إستثمار هذه العلاقات التجارية لبحث سبل توافق هي لوحدها كفيــــــلة بحل ما هو شائك علي طاولة الساسة! أضف الي ذلك، القارة الأوروبية، كمستهلك للغاز، هي أقرب لليونان العضو في الاتحاد الأوروبي كما أن القارة القديمة لا تتحمل مخاطرة مصدر وحيد للغاز و الذي يأتي من روسيا!


تعليقات

اكتب تعليقك