‫محمد الرميحي: تبين أن جائحة الوباء كانت كاشفة للاختلالات التنموية في دول مجلس التعاون وقد أصبح لزاماً أن تعالج تلك الاختلالات بحكمة كما أن تأثيرها في العالم ثورات ومجاعات وصراع دولي‬

زاوية الكتاب

كتب د. محمد الرميحي 548 مشاهدات 0


بعد أسابيع من اليوم سوف يدخل الخلاف الخليجي - الخليجي سنته الرابعة، واخترت أن أسميه «الصدع»؛ لأن هناك الكثير من التسميات التي أعطيت له، وكثير منها محمل بشحنات عاطفية تقرر توجه التوصيف إلى ذلك الشعار أو هذا. من المعيب أن تدأب كثير من مؤسسات البحث العالمية بالعودة لهذا الملف وتقديم تصورات حوله كما تراها من وجهة نظرها من دون أن يساهم في مناقشته «أهل مكة» الذين هم أدرى بشعابها، وأقصد المهتمين من أبناء الخليج الذين تتجدد أوجاعهم من تذكر الحدث. 

من العبث الدخول في خلفيات «الصدع»، فهي معروفة ومنشورة على نطاق واسع وتدرجت من خلاف إلى قطيعة، إلا أن متغيرين رئيسين دخلا على الملف مؤخراً؛ الأول هو جائحة «كورونا» وتأثيرها الاجتماعي والاقتصادي الطويل المدى على الإقليم وعلى دول مجلس التعاون، والآخر تراجع أسعار النفط والغاز، كلاهما سوف يكون له تأثير كبير في المديين المتوسط والطويل على أبناء هذه المنطقة ومستقبلها وعلى حياتهم وطريقة عيشهم، كما أن العامليْن (الوباء والأسعار) سوف يؤثران على العلاقات الدولية الاقتصادية والسياسية في المستقبل؛ مما يُسمع بدوره في السياسات المتخذة تجاه منطقة الخليج، وأيضاً مسيرة العلاقات البينية.

 الملاحظ أن بعض «العلاقات» بين دول مجلس التعاون ما زالت قائمة رغم الصدع، كمثل اجتماعات المتخصصين، سواء العسكريين أو المدنيين في شؤون لها علاقة بمهامهم، كما أن الملاحظ أن هناك محاولات لتجنب الأسوأ، واحتواء ما أمكن من «تنمر» يصدر من الخواص، أصحاب الأجندات المختلفة، وهو تنمر مستنكر من كل العقلاء على ضفتي الصدع. 

هناك العديد من المتغيرات الجذرية الحاصلة التي تفرض إعادة فتح الملف، على رأسها كما قلت وباء «كورونا» وتأثيراته من جهة، وتراجع أسعار الطاقة، حيث سوف يعاد النظر حتماً في نوعية سياسات التنمية حتى الآن، كما أن هناك العديد من المتغيرات الدولية خلال الأشهر الستة المقبلة؛ أولها النتائج المحتملة للانتخابات الأميركية وتأثيرها على مجمل السياسات في المنطقة. 

في الكليات لا مجال إلى تجاهل كل من العوامل التاريخية والجغرافية والمصالح المشتركة وروابط القربى التي تشد دول وأبناء المنطقة لبعضها؛ فالمملكة العربية السعودية بحجمها الجغرافي والسكاني والاقتصادي من الطبيعي أن تكون الساحة الخلفية والعمق الاستراتيجي للإقليم الخليجي العربي في السراء والضراء، فهي لازمة لتأمين الحد الأدنى من الأمن الجماعي كما ثبت في أكثر من أزمة، كما أن هناك احتياجاً لتأمين الحد الأقصى للأمن الوطني لكل دولة خليجية.. على هاتين القاعدتين يمكن أن يبنى تصور بدايات رأب الصدع إن توفرت الإرادة وتقدم التصميم، لأن أضرار الصدع قد ظهرت جلية نسبياً حتى الآن، وقد تتفاقم مع تزامن جائحة «كورونا» وانخفاض أسعار الطاقة مقرونة بمتغيرات دولية أو إقليمية. 

على النطاق الإقليمي الجارتان (تركيا وإيران) سوف تواجهان أزمة اقتصادية وسياسية جراء عوامل مختلفة، ومنها الجائحة الوبائية، وقد يصبح تهديد الأمن الخليجي الجماعي أكبر وأكثر جدية لأن احتمال «تفريغ» تلك الأزمة في حوض الخليج محتمل! انخفاض أسعار النفط يعني ضغوطاً على ميزانيات الدولة الخليجية، كل بدرجة ملاءتها المالية، كما أن دخول الاقتصاد العالمي في كساد كبير، كما هو متوقع، يعني تراجعاً في رأسمال الصناديق السيادية لمن له مثل تلك الصناديق، وتعافياً على مدى طويل لاقتصاديات مجلس التعاون. 

من جهة أخرى فإن الأعباء التي ترتبت على الاقتصاد جراء الجائحة والتي يمكن أن تستمر لفترة سوف تؤثر في كل من القدرات المالية المتاحة ومشاريع التنمية المخطط لها، وتفرض إعادة نظر في الكثير من السياسات. 

المتغيرات الأخرى أن هناك أميناً عاماً جديداً (كويتياً) لأمانة مجلس التعاون يستطيع أن يتحرك بمساحة أكبر مما قدر لسابقه والذي عطلت قدرته معنوياً في خضم تصاعد الشق في السنوات السابقة، كما أن هناك قيادة جديدة في عُمان واضح أنها تتحرك بمسؤولين للبحث عن تقارب في المنطقة؛ فهي واعية أن ذلك يصب في مصالحها الوطنية العليا، كما أن التفاهم الأخوي قادر على حل بعض الملفات، كما تم قبل أشهر بين الكويت والسعودية في ملف المنطقة المقسومة والتي أثبتت قدرة القيادتين على تجاوز الاختلاف بالتوافق. 

«كورونا» وأسعار النفط أحدثا دينامية ما في وسط الرباعية على الجانب الآخر من الصدع، فكان هناك بعض الاختلاف في السياسات تجاه اليد العاملة وسرعة أو عدم سرعة استقبالها في وطنها مما ترك بعض العتب الضمني من بعض دول المنظومة الخليجية. 

من الصعب تجاهل ارتفاع مؤشر المخاطر على كل المنظومة الخليجية نتاج ثنائية «كورونا – الاقتصاد»، ومن التهوين عدم قرع الجرس والتنادي لمواجهة تلك المخاطر جماعياً؛ فنمط التنمية ذو الكثافة في اليد العاملة بالتأكيد سوف يتغير إلى كثافة في التقنية ورأس المال، كما أن نمط وأسلوب التعليم سوف تعاد زيارته من أجل كفاءة أكثر ومردودية أكبر لتأهيل اليد العاملة المحلية وتسهيل انتقالها بين فائض في العرض في مكان وارتفاع الطلب في مكان آخر. أكثر من ذلك على المستوى المتغير الإقليمي والدولي. 

على المستوى العالمي لا يستطيع عاقل أن يتجاهل الابتعاد التدريجي المنظم للولايات المتحدة عن مشكلات الشرق الأوسط، وهي سياسة إن صح التعبير لها علاقة بالدولة العميقة في الولايات المتحدة وليست فقط مقتصرة على إدارة ما أكانت ديمقراطية أو جمهورية، والشواهد على ذلك كثيرة وموثقة. 

على مستوى النخب في الخليج هناك شعور بأن استمرار الصدع الخليجي يؤثر سلباً على الأمن، ويزيد من تصاعد المخاطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن تلك المخاطر أكبر من أن تتجاهل بسبب تزامن الأزمتين (الصحية والاقتصادية) وأن أفضل استراتيجية لمواجهة تلك الأزمة الثنائية هي المواجهة الجماعية المنظمة، فجزء من الحوكمة الرشيدة هي الاعتراف المنطقي بالمخاطر والمحاولة الجادة لتخفيف العوامل المؤدية لها. 

مخطئ من يعتقد أن تأثير الأزمة الثنائية على دول الخليج سوف يكون عابراً في التأثير أو قصيراً في الزمن فسوف تواكبنا تأثيراتها لفترة زمنية قد تطول، أساسها التغير الذي سوف يحدث في العالم سياسياً واقتصادياً وما يتبعه بالضرورة من تغير في الإقليم والدخول في مفاوضات صعبة لتشكيل عالم ما بعد «كورونا».

 السؤال هو هل هناك فرصة أو فرص للتوافق؟ في الغالب الإجابة نعم إن أخذنا بعاملي الجغرافيا والتاريخ واللحمة الإنسانية والمصالح مضافاً إليها التحليل العقلاني لمسارات القوة والضعف للعناصر التي تمتلكها القوى المختلفة المشاركة في الصدع الخليجي، نجد أن هناك مصلحة كبرى في لمّ الشمل لمواجهة متسقة مع التحديات القادمة وهي عظيمة.


آخر الكلام:
تبين أن جائحة الوباء كانت كاشفة للاختلالات التنموية في دول مجلس التعاون، وقد أصبح لزاماً أن تعالج تلك الاختلالات بحكمة، كما أن تأثيرها في العالم ثورات ومجاعات وصراع دولي.

تعليقات

اكتب تعليقك