بدر خالد البحر: هيبة انسحاب الحكومة.. ولعنة انهيار التعليم

زاوية الكتاب

كتب بدر خالد البحر 1336 مشاهدات 0


لا بد أن نعترف بأن درجة الانعطاف نحو تصحيح المسار جاءت حادة جداً، بنوايا إصلاح جادة، مما أصابنا بالصدمة ووضعنا بموقف محرج لإعادة توجيه عجلات معارضتنا الفطرية للحكومة، بعد أن أوفت القيادة بوعودها التي قطعتها على نفسها في يونيو من هذا العام، وهو ما جعل مجلس الأمة الحلقة الأضعف في المشهد السياسي والذي عليه الآن من خلال أعضائه، كما جاء بالخطاب السامي، «مسؤولية القيام بأداء واجبهم الوطني وأن يبروا بالوعود والعهود والشعارات التي قطعوها على انفسهم»، وحتى يتحقق ذلك فيبدو أننا لن نجد سوى مجلس الأمة كي نعارضه إذا ما استمر بعض الأعضاء في تجاوزاتهم والانكفاء نحو مصالحهم، كما عارضناهم وتصادمنا معهم بالسابق متخذين من توجيهات النطق السامي بافتتاحية مجلس الأمة سنداً لنا، والذي أعاد فيه سمو ولي العهد تأكيد مفهوم سلطة الشعب وألقى علينا مسؤولية جسيمة وصفها «أمانة الله في أعناقكم»، فقال: «فعليكم أبناء وطني العزيز بعد اختياركم لنوابكم مسؤولية متابعة ومساءلة ومحاسبة النواب في حال التقصير في الأداء».

لقد أوجدت لنا القيادة مسؤولية أداة لم نسمع عنها قط بل ولم تخطر على بالنا أو حتى في أعنف أحلامنا، حين وجَّهت الجهاز الإعلامي للحكومة باعتباره ملكاً للشعب، لعقد ندوات ملتقى شعبي لاستعراض مشاريع وقرارات مجلس الأمة والحكومة وما وصلت إليه من إنجازات، ومعرفة أوجه القصور وتحديد من تقع عليه مسؤولية تأخيرها وعدم تنفيذها بهدف جعلنا كمواطنين نشارك بمتابعة ومراقبة أعمال مجلس الأمة والحكومة وشركاء في عملية تصحيح المسار. إنه في تلك الأثناء وخلال لحظات إلقاء خطاب سمو ولي العهد على مسامعنا، لا ندري إن كنا نعيش حلماً وردياً أم هي الحقيقة نحو واقع التغيير لدولة القانون؛ لأننا لا ننفك نجتر في أذهاننا تجاربنا السابقة والمريرة مع الفساد وبراثنه، ولكن القيادة السياسية كي تؤكد التزامها هذا ترجمت وعودها على أرض الواقع في منظر اقشعرت له الأبدان لحظة نهوض أعضاء الحكومة من مقاعدهم للخروج من قاعة مجلس الأمة، فكان مشهداً عبرت فيه عن إصرارها بعدم التدخل وفاء للنطق السامي فكانت لها الهيبة عند انسحاب الحكومة.

***
لقد قدمت القيادة مبادرات لإرساء مبدأ متابعة ومحاسبة السلطة التنفيذية وهما «المراجع الخفي والمبلِّغ السري» لتؤكد جديتها بتحسين أداء الجهاز الحكومي، وقد شد انتباهنا واستثار قائمة أولوياتنا كوننا ابتلينا كغيرنا بالدفاع عن جودة التعليم، ما أكده سموه في خطابه للسلطتين على «تفعيل دور الشباب وتحفيز مبادراتهم ليكونوا معكم صناعاً في بناء كويت الغد»، وهنا نتوقف لنؤكد أن تحقيق هذه الغاية السامية لا يمكن إلا من خلال شباب متعلم وفق مناهج عالية الجودة وعلى أيدي معلمين أكفاء، ومن خلال مؤسسات ترتكز على معايير تربوية وأكاديمية عالية التصنيف، وليس على ما نحن فيه من تجاوزات وانكفاء ينخر التعليم والكثير من مؤسساته وأغلب أعضاء هيئته التدريسية وقوانينه ولوائحه وإجراءاته، ويجرفنا معاً للهاوية بسبب انحراف بعض المسؤولين عن المسار، وبسبب أطماع بعض أعضاء مجلس الأمة ممن تمرَّسوا في هدم أسس التحصيل العلمي، وحفزوا على الغش ودافعوا عن أسوأ الجامعات إرضاء لمطالب شعبوية رخيصة.

وهنا نوجه خطابنا لوزير التربية والتعليم العالي الجديد ليضع نصب عينيه ما أشرنا إليه أعلاه، والذي يتمتع بخلق رفيع وتواضع جم، والذي كان تعيينه في الحقيقة مفاجأة لنا وللمجتمع الأكاديمي والتربوي، نظراً لأدائه في آخر منصب حكومي بالجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي، مقارنة ببعض الترشيحات التي طرحت للوزارة، وعلى أي حال فنحن نلتمس له شيئاً من العذر وذلك لعدم استقلالية الجهاز وخضوعه لأهواء وزراء التربية المتعاقبين، حيث كانت لنا تجارب سابقة مع الوزير بهذا الشأن، لنؤكد له ضرورة استقلالية الجهاز على شكل هيئة اعتماد أكاديمي لا تخضع للوزارة، كما جاء بقانون تقدمت به الجمعية الكويتية لجودة التعليم عام 2016، أسوة بدول الخليج التي أخذ بعضها منا فكرة إنشاء الهيئة عندما زارنا بمقر الجمعية آنذاك، مكتب الشبكة الخليجية لضمان جودة التعليم العالي بدول مجلس التعاون لنسلمهم مشروع القانون.

نقول للوزير الجديد إن هناك أولويات يجب إنجازها، وقد أشارت القبس الغراء الأسبوع الماضي لبعضها كملفات شائكة نؤكد أهميتها وما طرحناه من قضايا وقوانين لسنوات ومن تعديلات لقرارات واجبة النفاذ.

إن موضوع شغل الوظائف القيادية الشاغرة والمقاربة على الانتهاء يجب أن يكون على رأس الأولويات كالوكلاء المساعدين بالتربية، وبالأخص القانونية والتعليم العام والتعليم الخاص والبحوث التربوية والمناهج، وكذلك التعليم العالي ومدير التطبيقي والأمين العام للجامعات الخاصة والمدير العام لمعهد الابحاث، وهنا نؤكد أمراً غاية في الأهمية والحساسية بأن اختيار الكفاءات لهذه المناصب يجب ألا يكون وفق أهواء شخصية ولا لجان صورية، بل لجان متخصصة فائقة المهنية لا يسمح بالتدخل بقراراتها كالذي أنجزته جامعة الكويت، وعليه فنحن نمد يد التعاون لتحقيق هذه الإنجازات، بيد أن اليد الأخرى، كما أعطانا النطق السامي الصلاحيات، ستكون يد المحاسبة والمواجهة الحادة عند ارتكاب الأخطاء، فلنتعاون جميعاً لإعادة الهيكلة ولنجتث بأيدينا معاً لعنة انهيار التعليم.

إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي.

تعليقات

اكتب تعليقك