عبدالله بشارة: أشواك القمة العربية.. ومهارة الجزائريين

زاوية الكتاب

كتب عبدالله بشاره 280 مشاهدات 0


تنعقد في الجزائر القمة العربية الدورية، التي تأخرت عن موعدها لظروف صحية، وتحتضن العاصمة الجزائرية هذه القمة لأن الجزائر، رغم التبدلات في قيادتها، ما زالت تحن للدبلوماسية الثورية التي رافقتها منذ الاستقلال وتذوقتها القارة الأفريقية، وتعايشت معها الأمم المتحدة، ومنحت الجزائر موقعاً خاصاً داخل أفريقيا وبكل قضاياها، كما تأثرت بها مواقف دول عربية، واستفادت أيضاً الدول النامية في جانبها الاقتصادي، ولذلك أخذت موقعاً غير عادي في ملفات الأمم المتحدة السياسية والاقتصادية، لكنها، ولمسببات كثيرة، تأخرت في الالتفاف إلى التبدلات العالمية، لاسيما وقائع العولمة، وما أفرزته في تشابه الملفات وترابط المصير.

سجلت الدبلوماسية الجزائرية في عهد بومدين وبهندسة بوتفليقة، وزير الخارجية، حصاداً متنوعاً من المكاسب غير المسبوقة، خاصة مع ترؤس الوزير بوتفليقة رئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، فكان المهندس الذي اقتلع النظام العنصري من ملفات الأمم المتحدة، مستفيداً من المعارضة العالمية لذلك النظام، ومجنداً الدول النامية لدعم برنامج بومدين في النظام الاقتصادي العالمي الجديد، الذي طرحه بومدين في مارس 1974، كانت الهمة الثورية تصاحبه وتتجلى في مسار الدبلوماسية الجزائرية.

تبدلت الأحوال وحل الانفتاح، وأبحرت الجزائر نحو الاعتدالية الوسطية التي، بلا شك، ستبرز بوضوح أكثر في مداولات القمة العربية، خاصة أن الدبلوماسية الجزائرية، في العلاقات بين الدول العربية، تدرك ضرورات الواقعية، وستنهض الجزائر، كرئيس للقمة العربية، في معالجة الهفوات التي ظهرت في العلاقات العربية، كما لن تغيب عن اهتمام المسؤولين الجزائريين الحالة التي تعيشها الجامعة العربية منذ قمة القاهرة عام 1990، التي عالجت غزو العراق لدولة الكويت، ومنها سقطت اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وغاب التضامن العربي، وتكاثرت الحساسيات وتعاظم الحذر وتباعدت المواقف وتنوعت الاجتهادات.

ومهما سعينا في تجاوز هذه المصدات، تظل الحالة العربية تستدعي مقاربة جديدة واقعية وعملية قابلة للتنفيذ، وأتصور أن المطلوب قيام عهد جديد يتضمن احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والتزام حق تقرير المصير لكل الشعوب، ومعارضة أي نظام يأتي عبر انقلاب عسكري، وذلك وفاءً للشرعية ودعماً لها، وتجميد عضوية أي عضو يلجأ إلى العنف، مع تعميق مفهوم حل المشكلات بالوسائل السلمية، وأن يكون الوفاء لهذه المبادئ جماعياً لا تتنصل منه دولة أو أكثر، ولم يغب هذا الالتزام البارز عن ميثاق الأمم المتحدة، وهو موجود وبقوة في كل هيئة إقليمية أو عالمية، ومن دونه لن تنفذ أي خطوة يقرر المؤتمر ضمها في ملف العلاقات بين الدول الأعضاء في الجامعة، ولن تتولد الثقة، ولن تفتح أبواب التعاون أو نافذة تحمل صدق الحميمية في الترابط العربي.

فمهما قالت البيانات الختامية، ومهما تصاعدت عذوبة الكلمات، ومهما تحلت بنبرات الأمل في العبور على الحذر والتردد، فلن يصدقها الرأي العام العربي، ولن يقتنع المتابعون بمصداقيتها.

ونكرر، من دون العبور على المشكلات الحالية في الواقع العربي الحالي، ستبقى ملفات التعاون هيكلاً بلا مضمون، وستظل القضايا الأخرى، بما فيها التعاون التجاري والاستثماري، مصحوبة بالحذر وضيق زوايا الثقة بين الدول والمؤسسات.

وأعتقد أن الاتفاق بين القادة العرب على اختيار آلية من أجل صياغة عهد جديد يشكل نجاحاً باهراً لقمة الجزائر، تتضمن هذه الصيغة تجميد عضوية من يتطاول على مبادئ الميثاق، وأبرزها سلامة الدولة الوطنية واحترام حدودها، ليكون هذا الموقف تعبيراً جماعياً عربياً، مع التذكير بأن منظمة الوحدة الأفريقية تبنت هذا المبدأ رغم حداثة وجودها.

وجاءت هذه الصيحة الأفريقية لتأمين الاستقرار بعد اتساع التبدلات في الأنظمة الأفريقية عبر تدخل الجيوش في السياسة، والاستيلاء على السلطة في تدمير لكل برامج التنمية والتطوير، وانتكاسات لآمال الشعوب.

وحالة الأنظمة العربية لا تختلف عن الحالة الأفريقية في الاستيلاء على الحكم بواسطة انقلابات تسيدت العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال، فقضت على مجالات التطور واستذوقت الاعتماد على دبلوماسية القوة لحل المعلقات بين الدول، ورغم كل ذلك، فقد فلت النظام العراقي البائد من السخط العربي الجماعي، وتمتع بدعم بارز من البعض وصامت من البعض الآخر، وهناك من جاهر برفض الجريمة، وهناك من صمت، والأغلبية دانت والتحقت بركاب الحق.

ورغم مرور السنوات على عملية الغزو، تبقى الدروس التي حصدناها متجذرة في خطوط حياتنا حالياً ومستقبلاً.

ونتمنى أن يصدر البيان الختامي للقمة مركزاً على العلاقات التجارية والثقافية، وأن تكون التمنيات السياسية في العلاقات العربية بعيداً عن تضخم المفردات ومن دون تحليقات تتشدق بثمار الوحدة، ونتمنى حصر الآمال في الواقعية ووضع الطموحات بما يتفق مع القدرة على التنفيذ.

ستوفر قمة الجزائر مجالاً واسعاً للمشاورات بين الدول العربية الأعضاء في الأوبك حول الدبلوماسية النفطية، التي ترسمها المنظمة مع إبراز مخاطر غياب التزام القرارات، مع دراسة واقع الدول النامية وقدرتها على هضم التبدلات في الأسعار.

وتبقى مخاطر استمرار الوضع في الضفة الغربية وغزة وإسقاطاته على دول الجوار، وعلى مستقبل الشعب الفلسطيني، فالمطلوب التوصل إلى اتفاق مقبول يسرع التوصل إلى حل الدولتين، في خطوة تساعد الشعب الفلسطيني لإقامة دولته، لاسيما أن الجزائر في مسعاها لبناء الأجواء الصافية للقمة، نجحت في جمع كل التجمعات الفلسطينية المتعارضة وتدبير اتفاق قبلته هذه المنظمات لتحقيق الوحدة الفلسطينية، ونأمل أن يكون حصاد هذا الاتفاق عاملاً في نجاح القمة.

وآخر ما يمكن مناقشته احتمالات تصاعد الإرهاب، لاسيما من جانب داعش الموجود في مناطق سوريا وشمال العراق، والموجود في أفغانستان وفي أفريقيا وفي مواقع متعددة، فلا توجد حصانة من بلاوي الإرهاب مهما كانت الاحتياطات.

ومن التمنيات الملحة أن تتخذ جميع الدول العربية موقفاً من المستجدات التي تشكل تهديداً لأمن الأسرة العالمية، واحتمالات المواجهة بين قوى نووية وجدت في فضاء الصدام المسلح بين روسيا وأوكرانيا، مع تبني حلف الأطلسي تسليح ودعم الجانب الأوكراني، وذلك لإفشال المشروع الروسي الذي هندسه الرئيس بوتين، ووظف فيه دبلوماسية القوة مهدداً بضم أجزاء من الأراضي الأوكرانية، وراسماً خريطة جديدة للتراب الروسي، متناقضاً مع مسؤولية روسيا كدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن تتحمل مسؤولية كبرى لتأمين السلام العالمي، وبلا شك بأن هذا الموقف العربي الجماعي رسالة واضحة معبرة عن التزام الدول العربية النظام، الذي تجسده الأمم المتحدة الرافض للجوء إلى القوة بين الدول، وسيكون وقع هذه الرسالة على الدول النامية الملتزمة مبادئ الميثاق إيجابياً دبلوماسياً ومنعشاً معنوياً.

يبقى الأمل قائماً في نجاح الجزائر في شحن الهمة العربية بالثقة في المستقبل العربي، واستحضار صوت الدبلوماسية العربية الجماعية، داعياً لسلام عالمي تتسيده التنمية والسكينة.. ولهذا سيراقب التاريخ تأثير الدبلوماسية الجزائرية الحاضرة في توفير بيئة عربية صحية تنبعث من مناخها دروب التعاون العربي الصادق.

تعليقات

اكتب تعليقك