د.محمد المقاطع: التسابق البرلماني

زاوية الكتاب

كتب د. محمد المقاطع 1335 مشاهدات 0


منذ انتخاب مجلس الأمة في 29 سبتمبر الماضي، والناس تعيش حالة تفاؤل واستبشار بأنّ مجلس الأمة الحالي سيطوي صفحات الماضي، وسيطوي الصورة السيئة لأحوال مجالس الأمة السابقة، فقد سادت عدة مظاهر مرَضية وسلبيّة، ألحقت بالعمل البرلماني انتقادات ومثالبَ وممارسات سيئة، كانت محلّ انتقاد واسع وجدل كبير بين الكويتيين، حتى طالب بعضهم بوقف الحياة البرلمانية وعدم جدوى وجود برلمان لأنّ أعضاءه إنّما يسعون لتحقيق مصالح ضيقة لهم ولأقاربهم أو أصدقائهم، ومن ثمّ أصبح البرلمان مصدراً رئيسياً من مصادر الفساد الذي تعانيه البلاد.
وفي ضوء ذلك وضع الكويتيون أياديهم على قلوبهم وهو يذهبون إلى التصويت في انتخابات 29 سبتمبر، على أمل أن يتمّ تغيير الصورة وتتبدل الأحوال ويصحح المسار بنمط جديد من الممارسات من خلال أعضاء غايتهم الصالح العام، ولا تحرّكهم أية مصالح شخصية.



واليوم، وبعد أن عُقدت أول جلسة لمجلس الأمة في 18 أكتوبر الماضي المكملة لجلسة 16 منه، وأدّى الأعضاء القسم المقرر بالمادة 91 من الدستور، بدأت الظواهر السلبية والممارسات السيئة السابقة، فقد شهدنا تسابقاً محموماً لتقديم مشروعات القوانين، حتى بلغت بعض مشاريع بعض الأعضاء ما يفوق الـ 20 مشروعاً، وهو وضع محزن يؤدي إلى تراكم التشريعات، فإذا أخذنا في الاعتبار أن كلّ عضو قدّم 10 اقتراحات وجدنا أنه سيكون لدينا 250 مقترحاً بقانون من الأعضاء، وهو ما يعني أننا وصلنا منذ البداية إلى نقطة العجز عن إقرار هذه التشريعات، وسنعود إلى الارتجال التشريعي بسبب كثرتها وتضارُبها وتعارُضها وتناقضها، الأمر الذي يجعل إقرارها، ضرباً من ضروب المستحيل.

وقد كنّا نأمل أن نرى أداء برلمانياً مختلفاً، تسوده الحكمة والتأني والتفاهم الذي يقوم على ترشيد المقترحات بقوانين التي تقدّم، فلا تزيد في مجموعها على 30 أو 40 اقتراحاً بقانون تلمس أولويات المواطنين والمجتمع الكويتي، وإعادة الاعتبار إلى مؤسساته المختلفة، وإصلاح أحوال البلاد فيما يتصل باحتياجات المواطنين والمجتمع، لكن يبدو أن هذا التوقّع لم يكن في محله، فقد شهدنا هذا التسابق المحموم، وهو ما يعني بالضرورة أنها سترتفع بعد فترة قصيرة لأضعاف عددها، ومع الأسف لا يكون تقديمها لتصحيح الأوضاع والمشهد السياسي بقدر أن كل نائب يريد أن يبرز أمام ناخبيه أنّه تقدّم بمشاريع كثيرة حتى يأخذ صيتاً وسمعة وشعبية من خلال اقتراحات بقوانين لن ترى النور، أو ربّما تؤدي إلى ارتجال تشريعي يأتي بتشريعات لم يتم فحصها ودراستها بصورة كافية. ولعلّ جلسة يوم الثلاثاء الماضي 25 أكتوبر، تعطي نبذة عن ذلك، ففيها تحدّث معظم النواب عن الميزانية العامة، وكان جلّ كلامهم تكراراً لذات الأفكار وذات المعاني التي تلوم الحكومة على أنها تقدمت بميزانية لم ترتبط ببرنامج، ولم تقم بدراستها بصورة كافية، ولم يُتَح لهم الوقت الكافي لدراستها، ومن ثم طلب سحبها، وكان يمكن الاكتفاء بمناقشة بعض الأعضاء، وينتهي الأمر بطلب مقرر لجنة الميزانيات سحب التقرير، لكنّ الرغبة في الظهور أمام الناخبين، وكل يريد أن يبيّن أنه تحدث بالموضوع هو ما دفع الجميع إلى الحديث، حتى وإن كان حديثاً مكرراً ومُعاداً في معانيه وفي طلباته، وهذا هو مكمن الممارسة المتكررة السيئة في عمل مجلس الأمة.

ومن المفارقات أن الأعضاء عادوا إلى مناقشة الميزانية في جلسة 1 نوفمبر (أمس)، وقد تم إقرار هذه الميزانيات بعد نقاشها، بالرغم من أن الحكومة أيضاً لم تقدّم برنامجها وفقاً للمادة 98 من الدستور، وهو أيضاً ما يبيّن عدم جدية النقاش، فالأعضاء يهمهم ويشغلهم أن يتمّ استرضاء المواطنين بإصدار قانون الميزانية وفيه بند خاص بشراء الإجازات، وما دام هذا الأمر قد تمّ، فهو كافٍ لهم لإقرار الميزانية العامة بما يمكن أن يكون فيها من علّات وما عليها من إشكاليات، وهو أمر يدعو إلى القلق والحزن، بأن النهج السابق في أعمال المجالس لم يتغيّر حتى الآن، وهنا سنجد أيضاً سباقاً محموماً آخر سيدخل إلى الساحة بين النواب في تقديم العديد من التشريعات التي تحاول أن تشتري ولاءات الناخبين بين عطايا مالية يتم منحها لهم بمثل هذه القوانين، وهو أمر يدعونا إلى أن يسرع المجلس بمراجعة هذا النهج وتصحيحه قبل فوات الأوان ويشيع عدم الرضا بين الناس.

تعليقات

اكتب تعليقك