أ. د عبداللطيف بن نخي: الصدّامية من دون صدّام

زاوية الكتاب

كتب د. عبد اللطيف بن نخي 1257 مشاهدات 0


في بداية الشهر الجاري، قضت المحكمة الاتحادية العليا في العراق بعدم دستورية قانون المصادقة على اتفاقية الملاحة البحرية في خور عبدالله مع الكويت، لمخالفة حكم البند (رابعاً) من المادة (61) من الدستور العراقي، الذي ينص على أن «تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب».
منذ ذلك اليوم وحتى وقت كتابة هذا المقال، عقدت القنوات الفضائية العديد من اللقاءات الحوارية حول تبعات حكم المحكمة، كانت معظمها بمشاركة ضيف كويتي وآخر عراقي، طرفي الاتفاقية. وتفاوتت مشاركات الضيوف الكويتيين بين احتوائية بنّاءة وبين استفزازية هدّامة.
المشاركات الاحتوائية البنّاءة، نجحت في احتواء أو كشف وتشنيع محاولات الضيوف العراقيين أو مديري الحوارات استثارة الشعب العراقي أو الكويتي، وأفلحت بالتأكيد على محورية وحيوية علاقات حسن الجوار والشراكة الاقتصادية بين الكويت والعراق في توفير الرفاه للشعبين الشقيقين.
وقد تكون أفضل الأمثلة على المشاركات الاحتوائية البنّاءة هي مشاركة وزير الإعلام الأسبق سامي النصف. الذي أكّد في مداخلته الأولى ثقته بحكمة الحكومة العراقية، ودعاها إلى المساهمة في ترسيخ سلام دائم في المنطقة والتفرّغ لخدمة الشعب والقضايا العراقية. ثم حذّر في مداخلته الثانية من خطورة فكرة إلغاء اتفاقيه خور عبدالله – من جانب واحد – على مصالح العراق الإستراتيجية في اتفاقيّات أخرى، كمعاهدة «لوزان الثانية» التي بموجبها انتقلت تبعية الموصل من تركيا إلى العراق. ثم في مداخلته الثالثة، التي جاءت بعد أن طالب الضيف العراقي إلغاء الاتفاقية كلّيا ونهائياً واتهم فيها الكويت بالسعي لمعاقبة العراق على أفعال النظام الشمولي السابق؛ قلب النصف السحر على الساحر العراقي، ووصف أطروحة الضيف العراقي بـ«الصدّامية من دون صدّام»، لتطابقه مع النهج الذي مزّق في 1980 اتفاقية وقعتها العراق مع إيران في 1975، ثم عاد بعد حرب كارثية إلى الإقرار بالاتفاقية ذاتها.
وبالنسبة للمشاركات الكويتية الاستفزازية للشعب العراقي الشقيق، الهدّامة لرؤية الكويت 2035 ورؤية 2040، فكانت معظمها نتيجة لضعف أهلية المشارك الكويتي، إما بسبب ترسّبات نفسية وإما لعدم الإلمام بحيثيات الاتفاقية البحرية وحكم المحكمة العراقية وقواعد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة.
فعلى سبيل المثال، في لقاء حواري عبر قناة فضائية واسعة الانتشار، قال الضيف الكويتي في مداخلته الأولى «هذه القضية وصفتها في لقاء سابق... بأنها مسلسل بحلقات، مرّة تهديدات من ما يسمى بالحشد الشعبي، ميليشيا مسلحة مدعومة من الخارج، ومرّة تجاوز من صيادين ودخول في خور عبدالله»، وهنا قاطعته المحاورة مشكورة.
رعونة هذا التصريح تنكشف أكثر عندما نعرف أنه صدر بعد المداخلة الأولى للضيف العراقي التي جاء فيها «أنا أتصور وجود محاولات من قبل بعض الأطراف (العراقية) التي تمتلك أجندات داخلية وخارجية للضغط على دولة الكويت، خصوصاً أن العلاقة بين بغداد والكويت في أعلى مستوياتها». كما أن الضيف العراقي أشار في مداخلته الأولى إلى جزئية مفصلية تخدم الموقف الكويتي، وهي أن حكم المحكمة بني على خطأ في إجراءات مصادقة البرلمان العراقي على الاتفاقية وليس لإشكالية في مواد الاتفاقية.
المشاركات الكويتية في اللقاءات الحوارية حول تبعات حكم المحكمة العراقية، أظهرت وجود حاجة عاجلة مستدامة لتأهيل شخصيات كويتية، لها حضور في القنوات الفضائية، ولا تشغل منصباً حكومياً، وقادرة على تمثيل الرأي الشعبي وحماية المصالح الوطنية العليا إعلامياً في الأزمات الخارجية.
لذلك أدعو وزارة الخارجية الكويتية إلى تبني مشروع التأهيل، واستنساخ إعلاميين بجدارة النصف، من خلال برامج يقدّمها معهد سعود الناصر الصباح الديبلوماسي الكويتي، ومن خلال مشاريع ومؤسّسات أخرى حكومية وغير حكومية... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

تعليقات

اكتب تعليقك