بعد تشكيل «7» حكومات في 6 سنوات، شهدت «4» انتخابات لمجلس الأمة، وتقدم بـ «24» طلب استجواب.. الكاتب القطري جابر الحرمي يقول 'نريد من «أم الديموقراطية» الكويت الحبيبة أن تكون ديموقراطيتها رسالة تبشير لا رسالة تنفير'
زاوية الكتابكتب ديسمبر 11, 2009, منتصف الليل 1407 مشاهدات 0
ديموقراطية الكويت محل تساؤلات
جابر الحرمي
للكويت مكانة خاصة في قطر تحديدا، وفي كل الخليج عموما، وينظر إليها على أنها صاحبة تجارب إثرائية، خاصة في المجال الديموقراطي والدستوري والعمل الشعبي، فهي الواحة الديموقراطية الأطول عمرا في الخليج، ويكفي أن البرلمان التشريعي التأسيسي الأول لمجلس الأمة كان في عام 1938، فيما كان أول استجواب في مجلس الأمة يعود الى أكثر من 46 سنة، وتحديدا في عام 1963.
هذا التاريخ الطويل من العمل النيابي، وهذه التجربة الديموقراطية «العتيدة»، أصبحت اليوم محل تساؤلات أهل الخليج جميعهم عما اذا كانت تقدم وجها محمودا، ويتطلع اليها أبناء الخليج، أم أنها باتت تشوه تاريخ التجربة الديموقراطية في الكويت؟
خلال السنوات القليلة الماضية كانت هناك علامات استفهام كثيرة على ما يحدث في الكويت الشقيقة بين الحكومة ومجلس الأمة المنتخب، فلا تكاد حكومة تُشكل، أو برلمان «مجلس الأمة» يُنتخب، حتى يعلن بعد أشهر قليلة اما عن استقالة الحكومة، أو حل المجلس.
وبقراءة بسيطة يتضح أن الكويت منذ آخر قمة خليجية وهي القمة «24» في عام 2003، وحتى القمة التي ستنعقد الاثنين المقبل، وهي القمة الـ «30»، أي خلال 6 سنوات شهدت تشكيل «7» حكومات، أي أن الحكومة لا تستمر عاما، وشهدت «4» انتخابات لمجلس الأمة، كان من المفترض حدوثها خلال «16» عاما، كون كل فصل تشريعي محدداً بـ «4» سنوات في وضعه الطبيعي، وخلال السنوات الـ «6» شهد مجلس الأمة التقدم بـ «24» طلب استجواب، فهل يعقل ذلك ؟!
لا أطعن أبدا في نوايا أعضاء مجلس الأمة، أو أشكك في نوايا الحكومة، لكن.. هل تمثل الأرقام أعلاه ظاهرة صحية، أو ممارسة ديموقراطية «عقلانية» ؟!
أجزم أن البلد خلال السنوات الست الماضية «شلت» الحركة فيه، و«تجمدت» كل المشاريع التي من الممكن أن تُحدث نقلة نوعية سواء على صعيد الدولة أو المواطن الكويتي، الذي من المؤكد أنه يبحث عن تنفيذ المزيد من المشاريع ذات العلاقة بحياته اليومية.
لا نقلل أبدا من الانجازات التي تحققت في الكويت الشقيقة، لكن كان بالامكان في بلد يمتلك امكانات كبيرة، وكوادر بشرية مؤهلة، تحقيق مكاسب وانجازات أكبر بكثير مما تحقق، لو أن «الاحتقان» بين الحكومة ومجلس الأمة لم يكن موجودا، أو لم تكن موجودة تلك «السجالات» السياسية العقيمة في كثير من الأوقات، وفي كثير من جوانبها.
اليوم أي وزير في الكويت يتم تعيينه لا أعتقد أن بامكانه التعرف إلى الطاقم الذي يعمل معه، لأن الاستجوابات تسبق ذلك، فقبل أن يفكر في طرح استراتيجية، أو رسم سياسة لوزارته، فان «سيف» الاستجواب مسلط على «رقبته»، وبالتالي لا يستطيع حتى التفكير في ما يمكن القيام به، فهو يخطو خطوة، وربما يتراجع خطوتين.
نحن مع رقابة قانونية، ومحاسبة لأي مسؤول اذا ما قصر أو حدثت تجاوزات في وزارته أو المؤسسة التي يتولى رئاستها، لكن أن تتحول الرقابة الى «تصيّد» للأخطاء، وبحث عن العثرات، وتحول من رقابة موضوعية، ومساءلة من أجل مصلحة البلد، الى مساءلة من اجل ابراز «بطولات»، او تحويل الخلاف والاختلاف الى «شخصنة»، فان هذا هو المرفوض وغير المقبول، وهو الذي يدفع نحو «اغراق» البلد في سجال وجدال غير مجديين، ولا يقدم بل يؤخر البلد ويعيده سنوات إلى الوراء. اليوم.. المنصب الوزاري في الكويت طارد للكفاءات والاشخاص المخلصين الذين يرغبون بالفعل في خدمة الوطن، وجلست شخصيا مع عدد من الشخصيات الوطنية المخلصة، ذات الكفاءة المهنية والفكرية العالية، وطرحت عليها سؤالا عما اذا كانت ستوافق على تولي منصب وزاري اذا ما عرض عليها؟ فكان الرد بالرفض، والبعض منهم أكد لي أنه بالفعل عُرضت عليه مناصب وزارية لكنه رفضها، والسبب هو ما يحدث على الساحة، وبالتالي فان الكويت هي التي تخسر كفاءات كان يمكنها أن تقدم الكثير من العطاء للبلد، سواء تلك التي تولت مناصب لكن لم تتح لها الفرصة لترجمة طموحاتها وأفكارها على أرض الواقع، نظرا للمدة القصيرة التي تولوا فيها المنصب، ثم استقالة الحكومة، أو الكفاءات التي ترفض دخول الوزارة أصلا. وان كان البعض يقول ان الشعب الكويتي بعد سنوات سيكون جميعه من أصحاب السعادة، نتيجة كثرة التغييرات الوزارية.
ان الصدام الدائر والمستمر اليوم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية المتضرر الاول والاخير منه هو الدولة والمواطن الكويتي، الذي يبحث عمن يتبنى قضاياه ومشاكله الحقيقية، بعيدا عن أصحاب المصالح، الذين البعض بالطبع منهم يتفننون في خلق «الازمات» بين السلطتين، بسبب ومن دون سبب.
نعم هناك حق دستوري يكفله الدستور الكويتي لكل عضو في مجلس الامة في استجواب الوزراء او رئيس الوزراء، لكن أعتقد أن هناك نوعا من التعسف في استخدام هذا الحق، فالبعض حاول استخدام هذا الحق لغايات أخرى، وهناك استجوابات حق لكن يراد بها باطل.
لست معنيا بالدفاع عن الحكومة الكويتية، ولا عن رئيسها، وليست لي مصلحة في ذلك، لكن يعز عليّ وعلى كثيرين من محبي الكويت أن نرى «جمودا» يسود الساحة الكويتية، أقصد جمودا في التنمية، وفي القضايا المتعلقة بالحياة العامة، فهناك مشاكل تنشرها الصحف الكويتية يوميا، ويتحدث بها المواطن البسيط، سواء كان ذلك في قطاع الكهرباء أو المياه أو التعليم أو الصحة أو الرياضة أو الشؤون الاجتماعية...، هذه المشاكل اعتقد أنها الأولى بأن يتم التركيز عليها، والبحث عن حلول من خلال تكامل السلطتين، وليس تنافرهما وتصادمهما الدائمين. «6 » سنوات بين قمتي مجلس التعاون الخليجي، ما الذي تغير في المشهد الكويتي في جوانبه النهضوية والعمرانية والاقتصادية والاستثمارية والتنموية؟
سؤال ليس فيه تقليل من شأن الكويت الشقيقة أو شعبها العزيز علينا، انما من حرصنا وحبنا العميق لهذه الدولة، التي لديها من الامكانات المادية والبشرية ما يفوق دولا خليجية أخرى.
اعتقد أنه آن الأوان لترشيد قضية الاستجوابات في مجلس الامة، صحيح أن هذه الاستجوابات تمثل حالة صحية، فللمرة الأولى مثلا نرى رئيس وزراء في العالم العربي يقف على منصة المساءلة، وهذا يُحسب للكويت ولديموقراطيتها الرائدة، التي تقدم دروسا، كما أنه يحسب لرئيس وزرائها، الذي اعتلى المنصة، وتعامل حضاريا مع الاستجواب. لكن لا نريد أن تكون «دوامة» الاستجوابات هي الأساس، وهي السمة في التعامل بين السلطتين، فالسنوات الـ «6» كما أشرت شهدت » 24 » استجوابا، واعتقد أن هذا رقم كبير، خاصة اذا ما حسبنا فترات غياب المجلس وتشكيل الحكومة.
لا خلاف على حق استخدام الأدوات الدستورية، ولا خلاف على أن الدستور يكفل ذلك لأعضاء مجلس الأمة، ولا خلاف على أهمية المحاسبة، ولا خلاف على ضرورة الرقابة على المال العام من قبل المجلس، ولا خلاف.. ولا خلاف...، لكن أليس من المؤسف أن يظل البلد يدور في «دوامة» حل مجلس الأمة وتشكيل حكومة جديدة؟!
لا نريد للشعوب الخليجية أن «تكره» الديموقراطية، ولا نريد للدول الخليجية أن تتردد في بعث هذه الديموقراطية في مجتمعاتها بسبب بعض الممارسات غير العقلانية التي نراها على الساحة الكويتية، نريد من «أم الديموقراطية» الكويت الحبيبة أن تكون ديموقراطيتها رسالة تبشير لا رسالة تنفير.
تعليقات