طرائف من التاريخ العربي يرويها د.أحمد يوسف الدعيج فى استراحة الجمعة

منوعات

10769 مشاهدات 0


 



طرائف عربية

 
كتب د. أحمد يوسف الدعيج
 
 
 

 
رباطة جأش
عندما كنت صغيرا في السن سمعت والدي يتحدث في الديوانية مع جلسائه عن قصة التاجر الكويتي الذي كان قد أولم لضيوفه وليمة وكان قد أولاهم كل اهتمامه وباشرهم خير مباشرة وفي أثناء ذلك جاءه من أبلغه أن ابنه قد توفي، ولكن لم يبد على التاجر أي فعل قد ينبه ضيوفه الى عظم المصيبة التي حلت به وظل رابط الجأش متماسكا محافظا على هدوئه، ولذلك لم يشعر من كان عنده بأي شيء، وبعد ان فرغ الضيوف من تناول طعامهم واخذوا راحتهم واستعدوا للرحيل اخبرهم بوفاة ابنه، فحزن ضيوفه عند سماعهم هذا الخبر المؤسف وتعجبوا من رباطة جأش هذا الرجل الشهم الذي تحامل على نفسه على الرغم من فداحة مصابه حتى لا يكدر ضيوفه.
في أثناء زيارة لي للصمان، تلقيت يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من مارس 2005 دعوة من الدويش، وهو الشيخ فيصل بن بندر بن فيصل بن سلطان الدويش، بو تركي، وكانت دعوة للغداء في منزله بهجرة الرفيعة، وفي أثناء ذلك التقيت بالعديد من الرجال من كبار السن من قبيلة مطير وكانت جلسة رائعة دونت فيها الكثير من المعلومات التي سمعتها، وطيلة جلوسنا مع الدويش لم نشاهد منه الا كل ترحيب وطلاقة وجه ولم نلاحظ أو نسمع أثناء وجودنا معهم أي حدث يكدر المجلس، وقام الشيخ بواجبه نحونا خير قيام وبعد الغداء، وبعد جلسة طويلة مع هؤلاء الرجال الكرام استأذنا في الرحيل وقام الدويش بالسير معنا الى حيث سياراتنا وودعنا ثم ما لبث الرجل ان ركب سيارته وغادر، ثم أخبرني احد الإخوة الأعزاء ممن كانوا معنا في المجلس بأنه وفي أثناء جلوسنا معهم تلقى الدويش نبأ تعرض حفيده لحادث سيارة مؤسف بالقرب من الهجرة وقد أصيب به اصابة بالغة، ولكن الشيخ الكبير لم يبد عليه أي اضطراب أثناء وجودنا عنده.
***
الصلع
كان أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصلع، وصفه الحافظ بن كثير في كتابه البداية والنهاية قائلا: كان رجلا طوالا أصلع أعسر أيسر أحور العينين، آدم اللون، وقيل كان أبيض شديد البياض تعلوه حمرة، أشنب الأسنان، وكان يصفر لحيته ويرجل رأسه بالحنـّاء، أما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقد وصفه بن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ قائلا: كان آدم شديد الأدمة، ثقيل العينين عظيمهما، ذا بطن، أصلع عظيم اللحية، كثير شعر الصدر، هو الى القصر أقرب، وقيل كان فوق الربعة، وكان ضخم عضلة الذراع دقيق مستدقها، ضخم عضلة الساق دقيق مستدقها، وكان من أحسن الناس وجها، ولا يغيّر شيبه، كثير التبسّم.
لما اشتد الأمر على هانئ بن مسعود الشيباني البكري الوائلي وقومه بسبب اجارته للنعمان بن المنذر الذي يطلبه كسرى طلبا حثيثا، وعندما أدرك ان كسرى سوف يرسل اليه الجيوش لقتاله، أرسل هانئ بن مسعود الى قبائل بكر بن وائل فتوافدت عليه بجموعها لكي تقف الى جانبه، وكانوا كلما رأوا من بعيد جماعة من قبائل بكر بن وائل قادمة قالوا: في هذه سيدنا، فاذا تبينوا من بها قالوا: لا، ثم جاءت لهم جماعة أكبر مما يجيء فقالوا لقد جاء سيدنا، واذا رجل أصلع الشعر عظيم البطن مشرب حمرة، وهو حنظلة بن ثعلبة بن سيّار العجلي البكري الوائلي، وقبل ابتداء المعركة الفاصلة في ذي قار قام حنظلة بن ثعلبة هذا السيد العربي الكبير بقطع وضين (رباط الهودج) راحلة امرأته، فسقط على الأرض ثم اخذ يقطع الوضن فسقطت على الأرض، ثم قال: ليقاتل كل رجل منكم عن حليلته، ثم ضرب قبة على نفسه وقال: لا أفر حتى تفر القبة، ثم لما دارت المعركة كان النصر المؤزر وانتصر العرب على جيش كسرى انتصارا باهرا.
قال بن الأعرابي يصف قوما:
وصلع الرؤوس عظام البطون
جفاة المحز غلاظ القصر
شــداد الـمـقـابـض يــوم الجـلاد
رحاب الشداق طياب الخبر

وقال غيره:
بنـى الـمـجـد سـادات لـنا سلفوا
صلع الرؤوس وسيما السادة الصلع

وقال بن كريمة متذمراً من الصلع:
هب المشيب يداوي فرط منظره
فمن له بدواء يذهب الصلعا

وكان ملك فرنسا القوي لويس الرابع عشر، الملك الشمس، الذي حكم لمدة اثنين وسبعين عاما (من الرابع عشر من مايو 1643 الى الفاتح من سبتمبر 1715) أصلع الرأس قصير القامة ويقال بأنه أول من اتخذ الباروكة غطاء للرأس حتى يخفي صلعته وأول من لبس الكعب العالي حتى يخفي قصر قامته وكان ارتفاع كعب حذائه عشرة سنتيمترات.
***
النقاب
قبائل بكيل من قبائل همدان الكبرى، وكلمة بكيل تعني الزعيم، ومن قبائل بكيل قبيلة بنو أرحب، منهم الوفيّان، اللذان عرفا بوفيّا همدان، وهما عمرو وذؤاب ابنا سليل بن الأعلم بن الحارث الأرحبي، يقول الهمداني في كتابه: أصابا في بعض حروب همدان ومذحج اثنتي عشرة امرأة سبية، فأخذاهن الى أخواتهما، واجتنبا زيارة أخواتهما من أجل السبايا، وأوصيا أخواتهما بالاحسان الي السبايا في معايشهن حتى تم فداؤهن، فردّاهن جميعا كما كن ما كشف لواحدة منهن قناع، فأعظمت العرب مروءتهما فسميا الوفيين.
وفي حرب داحس والغبراء عندما أمر حذيفة بن بدر الفزاري أخاه حمل بن بدر في جماعة من الخيل بقتل مالك بن زهير العبسي، غضب الربيع بن زياد العبسي وهو من سادة بني عبس وكان مجاورا لبني فزارة، وقال قصيدته الرائعة التي نذكر بعضا من أبياتها:
نام الخـلـيّ ومــا أغمض حـــارٍ
من سيئ النبأ الجليل الساري
من مثله تمسي النساء حواســـــرا
وتقـوم معـولـة مـع الأسحار
من كـان مـسرورا بمقتل مـالــــك
فـلـيـأت نـسـوتنا بنصف نهار
قــد كــن يـخـبـأن الـوجوه تـسـترا
فـالـيـوم حـيـن بـدون لـلـنظـار
يخمشن حرات الوجوه على امرئ
سهـل الـخـلـيـقة طيب الأخبار
أفـبـعـد مـقـتـل مـالـك بـن زهـيــر
تـرجـو النساء عواقب الأطهار

وقال ذو الرمّة، غيلان بن عقبة العدوي الربابي، وهو من شعراء العصر الأموي متغزلا بمحبوبته خرقاء
تمام الحج ان تقف المطايا
على خرقاء واضعة اللثام

حـدثـنـي أحـد كـبار السن ممن توفاهم الله بأن احدى النساء من ذوات المكانة الاجتماعية الكبيرة في الكويت ' كانوا يحطون لها بسط ومساند في دروازة عبدالرزاق ويأتي جوهر اللنقاوي بفرقته ويطقـّون لها العرضة وهي جالسة تشاهدهم واضعة اللثام ومعها مرافقاتها '.
جاء في العهد القديم من الكتاب المقدس في سفر التكوين في الفصل الرابع والعشرين ما معناه أن ابراهيم (عليه السلام) بعدما كبر في السن وشاخ، أوصى كبير خدم بيته ووكيل جميع أملاكه بأن لا يأخذ لابنه اسحق (عليه السلام) زوجة من بنات الكنعانيين الذين انا مقيم بينهم، واذهب الى أرضي وعشيرتي وأحضر زوجة لابني، وفي أحداث يطول شرحها ذهب الرجل الى أرام النهرين حيث مدينة ناحور، ووفقه الله سبحانه في اختيار رِفقة بنت بَتوئيل بن مِلـْكـَة، وملكة هي زوجة ناحور أخي ابراهيم (عليه السلام)، ووافق أهل رفقة على زواجها من اسحق بن ابراهيم (عليهما السلام) وقامت رفقة وجواريها فركبن الجمال وتبعن الرجل، وكان اسحق (عليه السلام) مقيما بأرض النقب وبينما هو راجع من طريق بئر الحيّ في المساء رفع عينيه ونظر فرأى جمالا مقبلة نحوه، ورفعت رفقة عينيها، فلما رأت اسحق (عليه السلام) نزلت عن الجمل وسألت الخادم من هذا الرجل الماشي في البرية للقائنا؟ فأجابها هو سيدي، فأخذت رفقة البرقع وسترت وجهها.
في كتابه مجمع الأمثال أورد الميداني هذا المثل ' ذكرني فوك حماريّ أهلي ' وقال: ان رجلا خرج يطلب حمارين ضلّا له، فرأى امرأة منتقبة فأعجبته حتى نسي الحمارين فلم يزل يطلب اليها حتى سفرت له فاذا هي فوهاء، فحين رأى أسنانها ذكر الحمارين فقال: ذكرني فوك حماريّ أهلي وأنشأ يقول:
ليت النقاب على النساء محرم كي
لا تغر قبيحة انسانا
***

مات الملك، يحيا الملك
الخلافة عند المسلمين الملتزمين بدينهم، وليس عند المسلمين العلمانيين أو الليبراليين، أمر عظيم لأن في الخلافة قوة للاسلام والمسلمين، ولكن الخلفاء لا يختلفون عن غيرهم من الملوك وتحدث عندهم من الأمور ما لا يمكن في بعض الأحيان تصوره لولا أن كتب التاريخ ذكرته لنا، يحكون أن الخليفة العباسي التاسع، الواثق بالله بن المعتصم (ولد في 196هـ، وتولى الخلافة في 227هـ وتوفي في 232هـ) لما توفي أغلقوا عليه الباب واشتغلوا عن تجهيزه للدفن بالبيعة لخليفته المتوكل على الله بن المعتصم، وأوكلوا بالبيت حارسا يحرسه، يقول الحارس فسمعت حركة من داخل البيت فدخلت فاذا بجرذ قد أكل عينيه (الخليفة) وما كان حولها من الخدّين، ولقد وصف الحافظ بن كثير في كتابه البداية والنهاية الخليفة الواثق فقال: وكان أبيض اللون مشربا حمرة جميل المنظر خبيث القلب حسن الجسم سيئ الطوية قاتم العين اليسرى، فيها نكتة بيضاء.
أما الخليفة العباسي الثامن عشر، المقتدر بالله بن المعتضد (ولد في 282هـ، وتولى الخلافة في 295هـ وقتل في 320هـ) فقد خرج عليه القائد مؤنس الخادم وكان مؤنس قد اعتصم بالموصل التي زحف منها على بغداد فخرج اليه الخليفة الضعيف برجاله الفاسدين والتقوا في شوال من سنة 320هـ ولكنهم هزموا الخليفة وقبضوا عليه وقتلوه وقطعوا رأسه ونصبوه على رمح وسلبوه كل شيء حتى ملابسه وتركوه مكشوف العورة، فمر به أحد المسلمين فما وجد الا حشائش الأرض يغطي بها عورة خليفة المسلمين، ثم دفنوه في موضعه. قولوا الحمد لله على نعمة الاسلام والأمن والأمان.
أما العجب العجاب فهو ما حدث من السلطان العثماني محمد الثالث بن مراد الثالث، خليفة المسلمين، وكان قد تولى السلطنة بعد وفاة والده في يناير 1595م (1003هـ) وكان أول عمل قام به هو قتل اخوته التسعة عشر (من جواري مختلفات) وذلك قبل دفن أبيه حتى لا ينافسه احد على الملك مقتديا بأبيه السلطان مراد الثالث الذي قتل اخوته الخمسة. لا بالله خوش خلافة.
***

من أخبار المعتمد بن عباد
لما دب الضعف في أوصال الدولة الأموية في الأندلس انقسم المسلمون الى عدة دويلات وابتدأ عصر دويلات الطوائف واشتعلت الفتنة والحروب بين ملوك الطوائف، وكانت مملكة اشبيلية التي أسسها القاضي محمد بن اسماعيل بن عباد اللخمي احدى هذه الدويلات، ولما تولى الحكم ابنه عباد بن محمد، المعتضد بالله، ذهب الى فرديناند الأول ملك قشتالة يطلب منه الصلح ويتعهد بدفع الأموال له وتنفيذ مطالبه، كل ذلك حتى يتفرغ لقتال ملوك دويلات الطوائف المسلمين، ولما توفي في 461هـ خلفه ابنه محمد بن عباد، المعتمد على الله، واستطاع المعتمد أن يضم قرطبة الى دويلته في اشبيلية، وأصبح بلاط المعتمد بن عباد شهيرا بأبهته وفخامته وتوافد الشعراء والأدباء عليه.
وفي مرة تجوّل المعتمد مع وزيره بن عمّار والحاشية بالقرب من النهر فأعجبه منظر الريح وهي تحرك الماء فقال: صنع الريح من الماء زَرَدْ، وطلب من وزيره الشاعر بن عمار أن يكمل شطر البيت ولكن ارتجّ عليه فقالت فتاة مع نسوة كن يغسلن بالقرب من النهر: أي درع لقتال لو جَمَدْ، فتعجب المعتمد من ذكائها وأعجبه حسنها وسألها ان كانت متزوجة فقالت لا، وكان اسمها اعتماد الرميكية، فتزوجها وشغف المعتمد بالرميكية حبا وهام بها وأنجبت له أولاده، وفي مرة رأت الناس يمشون في الطين فاشتهت ان تصنع مثلهم فأمر المعتمد بأن تغطى ساحة القصر بفتات الأطياب المختلفة ثم يصب عليه ماء الورد ويعجن حتى غدا مثل الطين فأتت الرميكية وجواريها ومشين في الساحة وخضن بالطين، ثم حدث بين المعتمد والرميكية ما يحدث بين الرجل وامرأته من خصام، فأقسمت بالله انها لم تر منه خيرا في حياتها معه، فقال لها ولا يوم الطين، فخجلت واعتذرت منه.
وكان بن عمار يحسدها على حظوتها عند المعتمد فقال قصيدة يعرّض بها وقال من ضمن ما قال:
تخيرتها من بنات الهجان
رميكية ما تساوي عقالا

فحرضت عليه المعتمد فضربه على هامته بالطبرزين (فأس) فاستقر في جمجمته ومات لساعته فلما رأته والفأس مستقرة في هامته قالت أصبح بن عمّار مثل الهدهد.
كان الفونسو السادس ملك قشتالة قد استغل تقاتل ملوك الطوائف فيما بينهم واستولى على طليطلة في 478هـ وأخذ يهدد باقي دويلات الطوائف، وكان المعتمد بن عباد يرسل المبلغ المطلوب الى ملك قشتالة في كل عام، و (في رواية) تقول إنه وبسبب انشغاله بغزو ابن صمادح ملك دويلة المرّية المسلمة فقد تأخر المعتمد عن ارسال ' الجزية ' المعتادة الى الفونسو، ولما أرسل المعتمد المال بعد ذلك الى قشتالة، غضب الفونسو وأرسل وزيره اليهودي سفيرا الى المعتمد ليبلغه بمطالبه الجديدة، ووصل السفير ومعه قوة من خمسمائة فارس، وكان الفونسو قد طلب من المعتمد أن يعطيه بعض الحصون اضافة الى ما كان يأخذ منه من أموال، وأن يجعل زوجته الحامل التي قرب وضعها، زوجة الفونسو السادس، تسكن في حي الزهراء بقرطبة حتى تلد في جامع قرطبة وذلك بناء على نصيحة القساوسة الكاثوليك الذين قالوا للفونسو أن كنيسة لها مكانة عظيمة عندهم كانت موجودة في الجانب الغربي بنى عليها المسلمون جامع قرطبة حتى تحصل لزوجته البركة (ألم يقل الأولون ان التاريخ يعيد نفسه؟ فهاهم أحبار اليهود يتباكون على هيكل سليمان الذي يقولون ان المسلمين بنوا مكانه المسجد الأقصى).
لم يجب المعتمد السفير اليهودي الذي يحمل مطالب الفونسو الى ما يريد، وألح اليهودي في الطلب وأغلظ للمعتمد في القول وأسمعه كلاما لم يحتمله الملك اللخمي، فتناول المعتمد محبرة كانت بين يديه وضرب بها اليهودي الخبيث على رأسه فأنزل دماغه في حلقه، وأمر رجاله بصلب اليهودي منكوسا، وقاموا بقتل الفرسان القشتاليين، واستعد الفونسو بقوات كبيرة لقتال المعتمد ولكن الأندلسيين استنجدوا بزعيم المرابطين يوسف بن تاشفين فعبر بقواته من المغرب بالسفن مضيق جبل طارق ثم كانت معركة الزلاقة الشهيرة التي هزم بها الفونسو السادس في رجب من سنة 479هـ.
ولما استمر النزاع بين ملوك الطوائف عبرت جيوش المرابطين مرة أخرى الى الأندلس وسقطت تلك الدول وخضعت الأندلس الاسلامية لسيطرة المرابطين، وتم نفي المعتمد بن عباد الى طنجة ثم الى مدينة أغمات في المغرب، ومات المعتمد في عام 488هـ، وعندما أرادوا الصلاة عليه نادوا بالناس: الصلاة على الغريب، ولم يصل عليه الا القليل من المصلين. سبحان من لا يزول ملكه.
***

الباز الأشهب يسرق البدو
وبمناسبة الكلام عن المعتمد بن عباد، فلقد كان في عهده أحد اللصوص المشاهير يلقبونه بالباز الأشهب، وله كما يقولون حيل عديدة في فنون السرقة وكان يستهدف البدو، ومن حيله الكثيرة في فنون السرقة أنه سرق وهو مصلوب على الخشبة، وكان المعتمد لما قبضوا على الباز الأشهب قد أمر بصلبه في الطريق الذي يمر منه البدو، وبينما هو مصلوب على خشبته و امرأته وبناته يتوجدّن عليه ويبكين مر عليهم بدوي على راحلته المحملة بالثياب والبضائع، فلما رأى الباز الأشهب البدوي ناداه وقال له هل لك في أن تساعدني في اخراج مبلغ مائة دينار من هذه البئر وتتقاسمها معي فلقد ألقيت بها في هذه البئر لما أرادوا القبض علي، وسوف تقوم امرأتي وبناتي بالامساك براحلتك، فوافق البدوي الطمّاع على عرض اللص المحتال.
وأخرج البدوي حبلا وتدلى في البئر على أمل اخراج النقود وتقاسمها مع اللص الظريف، ولما صار في البئر قامت زوجة ' هاب الريح ' بقطع الحبل فبقي البدوي في قاع البئر يصيح لكي ينقذوه وأخذت زوجة اللص وبناتها ما على الراحلة من بضاعة وغادرن المكان مسرعات، ثم أخرجوا البدوي بعد ذلك، ولما وصلت أخبار هذه الحادثة الطريفة الى المعتمد أمر باحضار الباز الأشهب وقال له كيف فعلت ذلك وأنت مصلوب تنتظر الموت فقال له اللص لو عرفت ما في السرقة من متعة لتخليت عما أنت فيه من ملك وتفرغت لها، فضحك المعتمد من منطقه ووبخه وأمر له بمرتب يعينه على ان يترك السرقة، وتعهد اللص للمعتمد بالتوبة. لا شك في أن لصوصنا أظرف من لصوصهم فالباز الأشهب وهو لص ظريف حقيقي أشهر وأظرف من أرسين لوبين اللص الظريف الخيالي الذي ابتدعه الفرنسي موريس لابلان في رواياته البوليسية.
***

أسرع من نكاح أم خارجة
أم خارجة هي عمرة بنت سعد البجلية من شريفات العرب في الجاهلية، وكانت من أجمل النساء، ضرب العرب المثل بها في سرعة النكاح (الزواج) وكثرته قالوا: أسرع من نكاح أم خارجة، يأتيها الرجل خاطبا بقوله: خـُـطـْب فترد موافقة بقولها: نـُكـْح، وتتزوجه، وكانت العصمة عند ذوات القدر والشرف من نساء العرب في أيديهن، ان شاءت بقيت عند الزوج وان شاءت تركته، تزوجت أم خارجة أكثر من أربعين رجلا من أشراف العرب وهي أم للكثير من القبائل العربية، تزوجت في بادئ الأمر من رجل ايادي فخلعها منه ابن اختها، فتزوجت من بكر بن يشكر بن عدوان فولدت له ابنها خارجة الذي تكنى به، وتزوجت عمرو بن ربيعة فولدت له سعد أبو المصطلق (قبيلة المصطلق الخزاعية) وتزوجت من بكر بن عبدمناة بن كنانة فولدت له أولادا، وتزوجت من مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد فولدت له، وتزوجت من جشم بن مالك بن كعب القضاعي فولدت له، ثم من عامر بن عمرو البهراني القضاعي فولدت له، ثم من عمرو بن تميم فولدت له أسيد والهجيم ابنا عمرو. يقول عنها الميداني في كتابه مجمع الأمثال عن المبرد: وكانت ذوّاقة تطلق الرجل اذا جربته وتتزوج غيره. والربع اليوم عندنا يتباكون على حقوق المرأة.

د.أحمد يوسف الدعيج 


 نقلا عن الوطن

فن وثقافة

تعليقات

اكتب تعليقك