عمار تقي يهاجم السفارة الأمريكية في الكويت
زاوية الكتابكتب يونيو 8, 2007, 2:20 ص 684 مشاهدات 0
السفارة الأميركية في الكويت... ابتزاز رخيص!
لا يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية قد اكتفت بتحقيقها الرقم القياسي بين الدول
الأكثر إثارة للسخط والغضب بين شعوب العديد من البلدان العربية والإسلامية بسبب
سياستها الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وإنما نجدها تمضي قدماً في تكريس هذا
النهج الاستفزازي الفج الذي لم يجن لها سوى كسب المزيد من العداء والسخط!
وقد لعبت العديد من سفارات الولايات المتحدة المنتشرة في أصقاع المعمورة دوراً
رئيساً في تكريس هذه السياسة الاستفزازية من خلال ابتعادها عن أصول العمل
الديبلوماسي المتعارف عليه دولياً وعن البروتوكولات الخاصة بتنظيم عمل السفارات،
وهو ما عمل على زيادة حدة التوتر بينها وبين شعوب العديد من دول المنطقة! فقد كان
الأجدر بالإدارة الأميركية أن تستغل عمل سفاراتها لتعميق أواصر العلاقات الثنائية
بين إدارتها (المثيرة للجدل) وبقية دول المنطقة، لا أن تسعى عبر بعض سفاراتها إلى
تكريس سياسة الاستفزاز من خلال تدخلها المتكرر في الشؤون الداخلية لتلك البلدان
التي تتواجد على أرضها!
فتارة نرى السفارات الأميركية وهي تقوم بإصدار الأوامر والاعتراضات على السياسات
الداخلية والخارجية للبلد المضيف لهم! وتارة أخرى عبر توجيه الانتقادات الحادة إلى
كل من يعارض سياستهم في تلك الدول! وأخرى عبر التدخل في قضايا تمس هيبة وسيادة
الدولة المضيفة! والأمثلة على التدخل السافر من قبل السفارات الأميركية في شؤون دول
المنطقة كثيرة، وهي لا تعد ولا تحصى، نذكر منها على سبيل المثال: السفارة الأميركية
في الرباط التي تعرضت إلى سلسلة طويلة من الانتقادات بسبب تدخلها المستمر في الشؤون
الداخلية للدولة المغربية (حادثة تغيير المناهج، ومحاولة السفارة منع خطباء صلاة
الجمعة من انتقاد السياسات الأميركية)، السفارة الأميركية في بيروت التي لا تزال
تلعب دوراً تحريضياً سافراً في تأليب الأحزاب اللبنانية بعضها على بعض! أضف إلى ذلك
مواقف وتصريحات السفارة الأميركية في البحرين والقاهرة، والتي أشعلت سجالاً واسعاً
في الشارع المصري (الهجوم الذي تعرضت إليه صحيفة الجمهورية المصرية من قبل السفارة،
حادثة فرض آراء معينة على رؤساء تحرير الصحف اليومية بخصوص استخدام مصطلح العمليات
الاستشهادية، وقضية مركز ابن خلدون)!
ولم تقتصر مواقف السفارات الأميركية المثيرة للجدل على تلك الدول العربية، بل إنه
حتى السفارة الأميركية في الكويت كان لها نصيب كبير من هذه السياسة الاستفزازية،
كنا قد تطرقنا لسلسة منها في مقالات سابقة!
أما حديثنا اليوم فينصب عن «آخر» موقف استفزازي من قبل السفارة الأميركية في
الكويت، والذي جاء عبر إحدى المدارس الأميركية الخاصة، عندما قامت السفارة
الأميركية بتقديم مذكرة احتجاج واستنكار لوزارة الخارجية الكويتية بسبب «الزيارة»
التي قام بها مجموعة من موظفي وزارة التربية لإحدى المدارس الخاصة، في موقف غير
مسبوق لا يمكن اعتباره إلا انتهاكاً صارخاً وسافراً لسيادة وهيبة الدولة!
نعم، هكذا وبكل صلف وعجرفة، قامت السفارة الأميركية من دون أدنى اعتبار للأعراف
الديبلوماسية الخاصة بعمل السفارات، برفع مذكرة احتجاج على عمل موظفي الدولة في
حادثة تتعلق بإحدى المدارس الخاصة التي تعمل تحت مظلة إدارة التعليم الخاص التابعة
لوزارة التربية، وليس تحت إشراف السفارة الأميركية!
فقد جاء في الخبر الذي نشرته إحدى الصحف المحلية بتاريخ 30/5/2007 أن «السفارة
الأميركية وجهت مذكرة إلى وزارة الخارجية الكويتية ادعت فيها قيام مجموعة من موظفي
وزارة التربية بالدخول إلى مدرسة الكويت الأميركية، حيث تصرفوا بشكل غير لائق أمام
الطلبة وهيئة التدريس»!
والسؤال هنا: ما هو التصرف «غير لائق» الذي قام به موظفو وزارة التربية والذي أثار
حنق وغضب السفارة الأميركية وجعلها تخاطب الخارجية الكويتية؟ الجواب نجده في الكتاب
الرسمي الذي رفعه السيد فهد الغيص، وكيل وزارة التربية المساعد للتعليم الخاص، إلى
وكيل وزارة التربية السيد جاسم العمر والذي تضمن حيثيات الواقعة.
يقول الغيص: «تمت زيارة المدرسة بمرافقة الموجه العام للأنشطة ومجموعة من الموجهين
والموجهات الإداريين، ولوحظت بعض الأمور التي تخص المقصف المدرسي، ومنها وجود زاوية
خارجية يباع فيها أحد أنواع الكعك من دون موافقة من الإدارة العامة للتعليم الخاص،
وأن هناك مجموعة من الكاكاو والحلويات والسكاكر الممنوعة من البيع»!
وفي تفصيل الخبر الذي أوردته الصحيفة المحلية، كما جاء في كتاب السيد الغيص: «كنا
في زيارة لإحدى المدارس الخاصة، فاتصل صاحب المدرسة بمنطقة حولي معترضاً على أسلوب
الزيارة المفاجئ من قبل توجيه الأنشطة للمدرسة محتجاً على طريقتهم وأسلوبهم في
التعامل وتكرار زياراتهم والتركيز على المقصف المدرسي، ونظراً إلى قربنا من المدرسة
توجهنا إليها»! وأضاف الغيص في كتابه: «عند وصولنا استقبلنا المدير الإداري والمالي
في المدرسة وكان منفعلاً فتمت مناقشته وتهدئته وتوجهنا معاً إلى المقصف لمقابلة
فريق التوجيه، وظل المدير منفعلاً ذاكراً أن تصرفات الفريق ستؤثر على السفارة
الأميركية»! وتابع الغيص سرد الحادثة في كتابه بالقول: «بعد ذلك خرج المدير من
عندنا وعاد بصورة مستفزة ومتعالية مطالباً الجميع بتسجيل أسمائهم لتقديمها إلى صاحب
المدرسة الذي سيقدمها إلى الوزيرة فتم إنهاء الحوار معه لأسلوبه وطالبت الفريق
بالخروج من المدرسة وإعداد تقرير واف عن الزيارة والمخالفات على المدرسة»!
لن أتطرق إلى ما ورد في الكتاب في ما يتعلق بقضية «الزاوية الخارجية» غير المرخصة!
ولن أتطرق كذلك إلى « مجموعة من الكاكاو والحلويات والسكاكر الممنوعة من البيع»!
ولا إلى اعتراض مدير المدرسة على «الزيارة المفاجئة» لمجموعة من الموجهين والموجهات
التي تندرج ضمن صميم عملهم! ولا إلى الأسلوب الانفعالي و«المتعالي» الذي تحدث فيه
مدير المدرسة مع المسؤولين في وزارة التربية أثناء تأدية واجبهم الوظيفي! ولن أعلق
كذلك على «مغزى» كلام مدير المدرسة الذي ذكر بأن «تصرفات الفريق ستؤثر على السفارة
الأميركية»، بحسب كتاب السيد الغيص!
سؤالي هو: هل تستدعي مثل هذه الحادثة، التي قد تحدث يومياً في العديد من المدارس
الخاصة والحكومية، تدخل السفارة الأميركية وتقديمها احتجاجا رسميا للخارجية
الكويتية؟ وإذا سلمنا جدلاً بحجة السفارة القائلة إن أحد أسباب الاحتجاج يعود إلى
وجود عدد كبير من المواطنين الأميركيين في المدرسة، فهل هذا يعني أن نعتبر المدرسة
فوق القانون بحيث لا تخضع إلى رقابة الوزارة التابعة لها بحجة وجود مواطنين
أميركيين؟
حقيقة لم أجد إلا تفسيراً واحداً للأسلوب الذي اتبعته السفارة الأميركية مع
الخارجية الكويتية ووزارة التربية في قضية المدرسة الأميركية التي كما ذكرنا بأنها
تعمل تحت مظلة قوانين الوزارة، وهو باختصار أن ما حدث من قبل السفارة الأميركية لا
يعبر إلا عن استخفاف واستهتار بسيادة وهيبة الدولة، فنحن لم نسمع في يوم من الأيام
(سواء في الكويت أو خارج الكويت) أن سفارة دولة «ما» قامت بتقديم مذكرة احتجاج على
عمل إحدى وزارات الدولة العاملة على أرضها!
إن ما حصل من قبل السفارة الأميركية لا يمكن اعتباره سوى أنه تدخل وقح وسافر وفج في
شؤون وزارات الدولة، وأن هذا الاستخفاف وهذه الاستهانة بسيادة الدولة من قبل
السفارة الأميركية يتطلبان موقفاً حازماً وحاسماً من قبل نواب الشعب بعد أن بلغ
الأمر حداً لا يمكن السكوت عنه!
الراي
تعليقات