لماذا نخاف الموت؟!
وفياتديسمبر 3, 2010, 4:26 ص 5069 مشاهدات 0
قال الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله في سورة آل عمران (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) هي سنة الحياة ومصير كل مخلوقا بهذا الكون وإخبار منه سبحانه بأن جميع المخلوقات ميتة لا محالة، فهو الواحد الأحد الحي الذي لا يموت.
ولابد أخي المسلم أن تستقر هذه الحقيقة بالنفس وأن نؤمن بها حقيقة الإيمان وأن يعلم الإنسان بهذا الكون أن حقيقة الكون لابد له من نهاية ونهاية الإنسان هي الموت، فقد أفلح من مات وهو مؤمن عابد لله سبحانه وقد خاب وخسر من مات على معصية أو كفرا بالله، فلتعلم اخي المسلم أن الموت للصالحين والطالحين للكبير وصغير للمرأة والرجل للطفل والهرم، فهي حقيقة مرة نصاب به ونفجع عندما نسمع عن قريب قد مات أو حبيب قد تركنا أو عزيز قد غادر الحياة، حياة الدنيا.
أما السعيد فإنه يرى ملك الموت في صورة حسنة ويرى ملائكة الرحمة بيض الوجوه، معهم أكفان من الجنة وحنوط من الجنة، يجلسون منه مد البصر، ثم يأتي ملك الموت فيجلس عند رأسه فيقول أبشر برضا الله عليك، فيرى منزلته في الجنة ويقول ملك الموت (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) سورة الفجر.
وأما الشقي فإنه يرى ملك الموت في صورة أخرى، ويرى ملائكة العذاب سود الوجوه، معهم أكفان من النار، وحنوط من النار، ثم يأتي ملك الموت ويجلس عند رأسه، ويبشره بسخط الله عليه، ويرى منزلته من النا ، ويقول ملك الموت : اخرجي أيتها النفس الخبيثة ، أبشري بسخط من الله وغضب.
هذا هو مصيرنا أيها المسلمون وميعادنا الذي وعدنا الله له لقوله سبحانه وتعالى بسورة الجمعة (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) هذا هو المصير بعد حين وإنذار للغافلين والقبور منازلنا بعد حين وبعد الترف واللين، والقيامة موعدنا تنصب فيها الموازين، وقوله سبحانه في سورة النساء (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً)، انه الموت الذي غفل عنه الغافلون ونسيه الناسون.
هي الحقيقة التي لا جدال فيها وهو الحق المبين حيث قال سبحانه وتعالى في سورة الأعراف (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)، وقال تعالى بسورة لقمان (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، هي الأيام والليالي تسير والعمر ماض والغيب مغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه، ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة، فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب بلا عمل، حتى إذا ما جاء احدهم الموت قال رب ارجعون، لقوله سبحانه وتعالى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) سورة المؤمنون، يوم لا ينفع فيه التفكير ولا الندم، يوما قد قضى الله أمرا كان مفعولا، يوم ارق العلماء واسهر التائبين والمؤمنين، يوم قد اعد ونقضى فطبا للتائبين الراجعين لله وحسرة وندامة على المصرين للعاصين.
انه يوم حق أن يخشاه فالخوف للمذنبين والرهبة للعابدين والخشية للعاملين فهو خوف المذنبين من العقوبات، وخوف العابدين من فوات العبادات، وخوف العالمين التقصير بالطاعة وخوف المحبين فوات الخلوات بالله، حيث اخبرنا سبحانه بسورة ق (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) فإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن فراغك لشغلك ومن حياتك لموت.
وجاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تتنظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك) رواه البخاري.
ويقول الشاعر:
نأسى على الدنيا وما من معشر *** جمعـتهم الدنيـا فلم يتفـرقوا
أين الأكاسـرة الجبابـرة الألى ** كنزوا الكنوز فما بقين ولابقوا
من كل من ضاق الفضاء بجيشه ** حتى ثوى فحـواه لحد ضيق
فالموت آت والنفـوس نفـائس ** والمستغر بما لديه الأحمـق
اللهم آتنا بالدنيا حسنة وبالآخرة حسنة وقنا عذاب النار، نسأل الله الخاتمة الحسنة.
تعليقات