د.خالد القحص يناشد الحكومة ألا تسمح لبعض وسائل الإعلام بالفجور في الخصومة، وبالمبالغة والتهويل (وأحياناً الكذب)

زاوية الكتاب

كتب 960 مشاهدات 0



 


عقل العقل!

 
كتب , د.خالد القحص
 
2010/12/14    10:53 م


 
العقل أداة التفكير، وآلة التحليل، ولا يمكن لأي مجتمع أن ينهض بدون أعمال العقل، واشاعة ثقافة التفكير، ولقد حضنا القرآن الكريم بممارسة التفكير، والنظر في السموات والأرض، فجاءت كلمات مثل (أفلا تعْقِلُون)، (أفلا ينْظُرُون)، (لعلّكُمْ تعْقِلُون)، (لعلّكُمْ تتفكّرُون)، (أولمْ ينْظُرُوا)، (أولمْ يتفكّرُوا)، (لآياتٍ لِقوْمٍ يعْقِلُون)، (لآياتٍ لِقوْمٍ يتفكّرُون)، وغيرها كثير، كما جاء في الأثر «لكل شيء دليل ودليل العاقل التفكر».
لكن بعض الأشخاص يقومون بعقل (ربط) عقولهم، وحرمان أنفسهم ومجتمعهم من التفكير، والنظر في عواقب الأمور، مما يستلزم حصول الضرر ليس على الفرد فحسب، بل على المجتمع ككل، لأن العقل جرى عقله وتحييده، وأصبح الناس فوضى لا عقل لهم، يقنعهم أي تصرف، ويصدقون أي كلمة، ويؤمنون بأي شيء. ما الفائدة من العقل حين نعقله ونربطه ونقيده، أو (و هذا هو الأسوأ) حين نلغيه؟ ما الحكمة من وجود العقل حين لا نحكمه فيما نرى ونسمع ونقرأ ونشاهد؟ بعضنا استمرأ عقل عقله، والغاء حسه النقدي، وأراح تفكيره وأخذ ينظر للأمور بطريقة فيها تسطيح، وتحمل في طياتها سذاجة الهواة.
من المهم أن نعي ان المجتمع – أي مجتمع- يحتاج الى ما يسمى في الأدبيات السياسية والاجتماعية بقوة التوزان. هناك حاجة وضرورة لوجود معارضة فاعلة في كل الأشياء للحد من تطرف الحكومة - أي حكومة. يجب أن نخشى جيداً من حكومة لا تخشى المحاسبة، ولا تخاف المساءلة، وحتى لو كانت في دولة ديموقراطية، لأنها حينئذ تنتقل من دولة ديموقراطية الى دولة دكتاتورية وشمولية لأنه لا توجد معارضة، ولا توجد قوة متوازنة. ليس من صالح الحكومة (بل الوطن) أن يكون المجلس مهادناً للحكومة، بل لا أبالغ ان قلت أنه ينبغي على الحكومة (هذا اذا كانت تبغي مصلحة الوطن) ان تحرص على وجود معارضة فاعلة وقوية في البرلمان، لأنه بغير هذا فسيصبح الأمر نكتة سمجة، وتشويه للديموقراطية، أو إلغائها.
إن ما جرى في منطقة الصليبيخات ستظل آثاره، وتبقى ندباته على وجه الوطن الجميل، ما لم نتدارك تبعاته بتعقل وتدبر. ان ادارة الصراع بين الحكومة ومجلس الأمة تحتاج الى بعد نظر، والى عمق في التفكير، يدفعنا الى عدم الحرص على الانتصار في المعارك الصغيرة، في الوقت الذي نفشل فيه ونعجز عن النظر الى الصورة الكبيرة. ليس من صالح الحكومة أي حكومة – أن تخلق بيئة خصبة لكي تصبح قوى المجتمع أكثر استقطاباً وتحفزاً، وتبدأ الأطراف المتصارعة في التفكير في الانتصار السريع في مواقف ومواجهات يمكن تجاوزها بجهد يسير من التعقل والحكمة. لا يمكننا خلط الأوراق، بل الوطن نفسه لا يستطيع تحمل تكلفة خلط الأوراق، والأمور حين تنهار، فانها تنهار سريعاً دون ان نشعر، فالنزول من الجبل يكون دائماً أسرع وأخطر. والوطنية ليست قميصاً نلبسه من نشاء ونحرمه عمن نشاء، وحب الوطن ليس صفة نخلعها على من نحب، ونمنعها ممن نختلف معه، فحتى الوطنية لها مواصفات ومعايير يمكن من خلالها الحكم عليها.
من المهم كذلك ألا تنسينا أحداث الصليبيخات أخلاقنا ومبادئنا، بل وآدميتنا، على الحكومة ألا تسمح لبعض وسائل الإعلام بالفجور في الخصومة، وبالمبالغة والتهويل (وأحياناً الكذب) في نقل ما حدث، وفي تفسير ما حدث، وفي التعليق على ما حدث، ولتدرك الحكومة جيداً ان الفضاء مفتوح، وان أسلوب التعتيم على الرأي الآخر لن يجدي نفعاً، هذا إن لم يحدث ضرراً، بل علينا جميعاً الاحتكام الى القانون، والى العمل تحت الشمس، وألا ننقض غزلنا من بعد قوة أنكاثاً، فالذي يتعود على البطش يغدو من سلوكياته، والذي يتعود على الكذب، يصبح من طبيعته، والذي يتعود على أسلوب المنع والتكتيم، يرتاح حين تنطفئ الأنوار، لكن حينها، لا نستطيع الرؤية، وبالتالي سنتعثر بأي شيء، لذا لتكن مهمتنا هي في اشعال الشموع، ولنقترب من جديد، فما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، والحب أقوى دائماً من البغضاء، والصلح خير.

د.خالد القحص
 

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك