خليل علي حيدر يقر بنجاح نجحت جماعات الإسلام السياسي في إحداث تحولات فكرية وحركية شاملة في مجال التحرك البرلمانى النسائي

زاوية الكتاب

كتب 1363 مشاهدات 0



 الوطن
 التحرك البرلماني النسائي.. والتيار الديني

 
كتب , خليل علي حيدر
 
كانت الكويت الحديثة، منذ بروزها بعد عام 1950، بما فيها من حريات وهيئات وامكانيات مالية، وبمن اجتذبت من مفكرين ومن دعاة ميداناً اساسياً لنمو ودعم التيار الديني وجماعات الحزبية، فلم يكن غريباً ان تنطلق حركة هذا التيار بعد تراجع التيار القومي ما بين 1977-1967، وهكذا القت هذه الجماعات الدينية ودعواتها بظلالها على الحياة والحرية الاجتماعية للمرأة، وعلى الحركة النسائية وجمعياتها بما فيها من توجهات تحررية وتحديثية، في معظم بلدان العالم العربي والاسلامي. وفي المجتمع الكويتي، كما في أماكن اخرى، نجحت جماعات الاسلام السياسي، السنية منها والشيعية، في احداث تحولات فكرية وحركية شاملة داخل فلسفة العمل النسائي واهدافه، وفي العالم العربي، بعد فترة من التزمت الشديد والمبالغة العقائدية، دار صراع علني بين الاخوان المسلمين وبين الجماعات السلفية حول بعض قضايا المرأة، ثم انقسم الاخوان ودعاتهم على انفسهم عالمياً بين تقليدي متشدد، ومجتهد في التغيير والاعتدال. وامتد الانقسام تدريجياً، ولا يزال، الى التيار السلفي كذلك، فكان ابرز احداثه الخلاف بين الشيخ الألباني والشيخ التويجري، حول شرعية كشف وجه المرأة. واجازت فتاوى د. الترابي والشيخ محمد الغزالي والشيخ القرضاوي حقوقاً كانت مثار جدل ونزاع لدى الاسلاميين، وافتى د. القرضاوي بجواز تولي المرأة المناصب القيادية عدا الامامة، فـ «يمكن ان تكون وزيرة، ويمكن ان تكون قاضية».
وعبر كذلك عن استيائه من هيمنة الرجال في هذا المجال قائلاً: «مشكلة العمل الاسلامي النسوي ان الرجال هم الذين يقودونه ويوجهونه ويحرصون على ان يظل زمامه بأيديهم». [د. القرضاوي، الفتوى بين الانضباط والتسيب، بيروت 1995 ص68، وجريدة الأنباء الكويتي، 1997/2/23)].
وانفرد الشيخ الغزالي بفتوى، ناقض بها اجماع الفقهاء من قبله وتيار الاخوان المسلمين وفقه الثورة الايرانية نفسها فيما بعد فأعلن معارضته لأن تكون «دية المرأة» على النصف من دية الرجل، «فالدية في القرآن واحدة للرجل والمرأة والزعم بأن دم المرأة أرخص، وحظها أهون زعم كاذب». [السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، القاهرة 1989، ص19].
نعود الآن لنكمل قراءة دراسة د. هيلة المكيمي عن صعود المرأة الكويتية الى البرلمان، وتعامل الحركة النسائية مع تنامي التيار الاسلامي، وتلاحظ الدراسة ان مطالبات الجمعيات النسائية في السبعينيات كانت من اسباب بروز التيار الديني، حيث تبنى هذا التيار عدداً من الجمعيات النسائية الرافضة لمشاركة المرأة السياسية. «وكان ظهور «جمعية بيادر السلام» الصوفية، دافعاً للاخوان المسلمين لتأسيس «اللجنة النسائية» التابعة لجمعية الاصلاح في يونيو 1983، كما انشئت جمعية نسائية دينية في عام 1982 عرفت بجمعية «الرعاية الاسلامية»، من اجل توفير عدد من البدائل للجمعيات الدينية النسائية، وهو دور غير مفهوم لهذه الجمعية من خلال الدراسة، وبحاجة الى بعض الشرح، من قبل الباحثة فكيف يكون «انشاء جمعية نسائية دينية»، بديلا عن الجمعيات الدينية النسائية؟!
ركزت غالبية هذه الجمعيات تقول الباحثة على العمل الاجتماعي واستمر ذلك حتى ما بعد اقرار الحقوق السياسية فرئيسة «اللجنة النسائية» في جمعية الاصلاح، السيدة سعاد الجار الله، تؤكد ان «اهتمام اللجنة ينصب حول قضايا المرأة والاسرة والطفل، وان المرأة من خلال ادوارها الاكاديمية والاقتصادية والاجتماعية تستطيع التأثير على القرار وليس شرطا ان يكون ذلك من خلال حقها السياسي». كما اكدت السيدة الجارالله في نفس هذه المقابلة مع د.المكيمي «استقلالية اللجنة عن جمعية الاصلاح. وترى الباحثة، «ان افتقار العمل النسائي الاسلامي الى روح المبادرة في المشاركة السياسية يرجع الى فقدانه لاستقلالية القرار المهيمن عليه من قبل الرجال الناشطين في الجمعات الاسلامية»، اي عكس ما ترى «الجارالله» ان هيمنة الرجال على العمل النسائي الاسلامي تتكرر باستمرار رغم الشكوى من ذلك، فعندما اسس «الاخوان المسلمون في الاسماعيلية بمصر سنة 1933 «فرقة الاخوات المسلمات»، جاء في مذكرات المرشد حسن البنا بخصوص نظام الفرقة، «رئيس الغرفة هو المرشد العام لجمعيات الاخوان المسلمين، وتتصل بأعضائها وكيلة عنه تكون صلة بينهن وبينه» (الاخوات المسلمات، محمود الجوهري، 1980، ص433).
وفي الكويت، تقول د.المكيمي، سعت الجماعات الاسلامية «الى محاصرة جميع الانشطة الرامية الى تمكين المرأة سياسيا». ومن اعمال هذه الجماعات في هذا المجال قيام اكثر من الف امرأة عام 1982 بتوقيع عريضة تشكر فيها مجلس الامة، على رفضه مشروع قانون تقدم به النائب «احمد الطخيم»، يعطي المرأة حق التصويت.
وتقول السيدة نورية السداني، ان النائب «حمد الرومي» هو الذي جمع هذه التواقيع.
وفي عام 1992 اي بعد عشر سنوات من تقديم تلك العريضة، وبعد تحرير الكويت من الاحتلال بعام، قُدمت عريضة مماثلة الى مجلس الامة موقعة من قبل 300 امرأة تؤكد ان اعطاء المرأة حقوقها السياسية «مخالفة للشريعة الاسلامية، وسوف يفتح باب الشرور والفساد»، كما تم تقديم عريضة الى مجلس الامة موقعة باسم «رائدات مسجد العلبان» يؤكدن رفضهن للحقوق السياسية للمرأة، وبعد صدور المرسوم الاميري في عام 1999 لاقرار حقوق المرأة وبروز نشاط القوى المؤيدة للمرسوم، خرجت في المقابل متظاهرات من كلية الشريعة، لرفض اقرار تلك الحقوق. وحينما عقدت جلسة 7 مارس 2005 لمناقشة تعديلات قانون الانتخاب، نظمت مجموعة من السيدات اعتصاماً امام مبنى البرلمان تأييداً للحقوق، الا ان النائب «خالد السلطان»، رئيس التجمع السلفي، هدد باغراق «شارع الخليج العربي» حيث يقع المجلس بالمعترضين على حقوق المرأة اذا ماسمحت الحكومة مرة اخرى باعتصام مؤيد للحقوق (القبس 2006/3/6).
تمتد «الفترة الثانية» من جهود الحركة النسائية لاقرار حقوق المرأة السياسية، كما تعرضها ورقة د. هيلة المكيمي، مابين 1990 – 2005. وتقول ان «الجمعية الثقافية النسائية»، رغم ظروف المنافسة والخصومة مع «جمعية النهضة»، أخذت منذ مطلع الثمانينيات على عاتقها قضية حقوق المرأة السياسية، فخلال الحملات الانتخابية لمجلس الامة عام 1981، سعت مجموعة من عضوات الجمعية للاستماع الى الندوات الانتخابية التي تبث على موجات المذياع FM وهن في سياراتهن خارج المراكز الانتخابية. مما يعد بحق اسلوباً مبتكراً من وسائل العمل السياسي واستغلال تكنولوجية ماقبل التلفونات النقالة والانترنت! وبعد رفض مشروع قانون 1982، الذي اشرنا اليه للتو، قدمت عضوات الجمعية عرائض شكوى برلمانية، وحرصن على حضور الجلسة المخصصة لمناقشة تلك العرائض، كما شاركت مجموعة من العضوات في اول محاولة نسائية جرت في عام 1985 للتسجيل في جداول القيد، عندما توجهت مجموعة من النساء الى مختار الشامية، وقوبل طلبهن بالرفض. وقد شهدت تلك الانتخابات زيادة عدد المراكز الانتخابية التي تبث مايدور داخل المقار الانتخابية عبر شاشات تلفزيونية، في اماكن خصصت للنساء. وهكذا تم تقليص الفجوة السياسية بين اهتمام الرجال واهتمام النساء بالحياة البرلمانية الى حد كبير، واكتشفت قطاعات اوسع من النساء دورهن السياسي كما «كان للمرأة كذلك اسهام وحضور في تجمعات الاثنين الاحتجاجية، والمطالبة بعودة الحياة البرلمانية اثر حل مجلس الامة لعام 1986». (ص 24).
نشطت عضوات الجمعية في الفترة مابين 1992 – 1995، في عدة مجالات بما في ذلك محاولات التسجيل في المراكز الانتخابية وتقديم العرائض للمجلس ولوزير الداخلية والحضور في جلسات المجلس، والمشاركة في مظاهرة نسائية امام المقار الانتخابية في عام 1994، ومواصلة طلب تسجيل الاسماء في جداول الناخبين.
وفي عام 1994 اشهر «الاتحاد الكويتي للجمعيات النسائية» الذي تأسس من قبل 25 سيدة منتمية الى جمعيات نفع عام. وقد تبنى الاتحاد وجهة النظر التقليدية لدور المرأة في المجتمع الذي وضع ضمن رؤية المحافظة على احكام الشريعة الاسلامية وعادات المجتمع الكويتي وتقاليده. الا انه في عام 1995 تابعت الجمعية النسائية الثقافية المطالبة بالحقوق السياسية عبر تشكيل «لجنة قضايا المرأة».
وبعد صدور المرسوم الأميري بقانون رقم 9 لعام 1999، تقول الباحثة، شهدت الحركة النسائية من مختلف التيارات نشاطا ملحوظا للضغط باتجاه اقرار الحقوق السياسية، بمن في ذلك ناشطات اسلاميات مثل السيدتين «خولة العتيقي» و«خديجة المحميد». وتعكس مشاركة الاسلاميات في هذه المطالب حجم الخلاف والانقسام داخل التيار الديني حول دور المرأة في الحياة السياسية، وتراجع قوة المحافظين والتقليديين، وبخاصة ان التيارات الدينية والجماعات الاسلامية في دول كثيرة، بما في ذلك الاخوان المسلمون في مصر، لم يروا بأسا في اعطاء المرأة حق الانتخاب والترشيح.
وكانت السيدتان العتيقي والمحميد قد اشتركتا في مجموعة من المقابلات الصحافية التي اجرتها القبس الكويتية مع بعض الناشطات في المجال النسائي ابتداء من 2007/3/18. وقد طالبت المحميد بمعالجة ما يعتبره البعض شللا أو جمودا في العمل النسائي، بينما هو في الحقيقة «اعادة قراءة وتقييم للاحداث والنتائج»، غير انها طالبت بفتح المجال للجيل الجديد، واضافت ان الجمعيات النسائية «تحتاج الى استحداث وتغيير في نظام عملها الاساسي ولوائحها الداخلية وآليات واساليب عملها».
اما السيدة العتيقي فشنت هجوما كاسحا على العمل من اساسه في هذه المرحلة. وقالت ان «الحركة النسائية موسمية آنية مصلحية وقتية، نوم وافاقة ثم نوم وافاقة، لأن الاهتمام بالعمل النسائي ليس نابعا من حاجة المجتمع كله بل من حاجات نخب قليلة مبعثرة هنا وهناك وقلوبها شتى». وقالت ان الحركة النسائية «تفتقر الى القضايا المهمة والى القيادات الجادة». وقالت عن مستقبل العمل النسائي ان الجيل الجديد «لا تهمه الجمعيات النسائية لأنه انفتح على العالم من خلال تكنولوجيا المعلومات». واضافت بأن الجيل الجديد، «تختلف قضاياه عن الجيل القديم لذلك فهو ليس مهتما، ووجود جمعيات نسائية في الوقت الحالي ضرب من تضييع الوقت والجهد».
ونعود الى ورقة د.المكيمي وهي تختتم الحديث عن العامل الاول من العوامل الأربعة التي أسهمت في تعديل قانون الانتخاب عام 2005، فقد رفض مجلس الأمة المرسوم بقانون، بدعوى عدم توافر شرط الضرورة اللازم لإصدار المراسيم بقوانين وفقاً للمادة 71 من الدستور، وبعد سقوط المرسوم الأميري شكلت الجمعية النسائية لجنة متابعة الحق السياسي، وكان أعضاؤها من الجنسين، كما لجأت عضوات الجمعية إلى القضاء كأحد أساليب الضغط، وبالفعل تم ما بين عامي 2000 – 2005 تسجيل عدد كبير من القضايا في المحاكم ضد وزير الداخلية ومسؤولين آخرين، لرفض الوزارة تسجيل أسماء النساء في جداول الناخبين.
من جانب آخر، تقول الباحثة، ومن أجل محاصرة تلك الجهود النسائية، قدم عدد من المواطنين الرافضين لمشاركة المرأة السياسية دعوى من خلال المحامي «عادل البحيري».
وأخيرا، جاء التحرك في عام 2005 مختلفاً، حينما طلب عشرة من نواب المجلس إحالة المادة الأولى من قا نون الانتخاب إلى المحكمة الدستورية، وقد أسهم هذا التحرك في دفع الحكومة باتجاه إقرار الحقوق السياسية للمرأة بواسطة تعديل القانون عبر مجلس الأمة.
والآن ماذا عن تأثير العوامل الثلاثة الباقية؟

خليل علي حيدر 

تعليقات

اكتب تعليقك