أصحاب 'التعاسة' هم السبب وراء سد الأبواب في وجوه الشباب في مختلف مواقع العمل بحجة أن الوظائف المعروضة تحتاج إلى “خبرة”، جعفر عباس يبث همومه على معاناة شباب اليوم
زاوية الكتابكتب ديسمبر 1, 2007, 7:56 ص 502 مشاهدات 0
أصحاب السعالي
جعفر عباس
لا حاجة بي إلى تملق جيل الشباب فهو جيل تعبان وغلبان ومغلوب على أمره، ثم إنني لا أنتمي إلى جيل الشباب إلا بقلبي، (معلومة يجب أن يعرفها عني من قد يتعرفون بي لاحقا إذا مد الله في أيامي: لا أحب مجالسة العواجيز الذين يشكون من آلام المفاصل وعلل الجهاز الهضمي والانزلاق الغضروفي وضغط الدم الخ،.. فهناك صنف من الناس يتحدث عن أمراضه وكأنه يتباهى بها،.. وبي علل أستطيع ان اكتب عنها مجلدا كاملا، ولكنني لا أرى طائلا من وراء إبلاغ الآخرين بها.. ولا أحب أن يسألني شخص ما عن عمري ما لم أكن قد أتيته طالبا لوظيفة أو للزواج بقريبة له، وليس ذلك من باب التصابي فلون شعري يفضح عمري ولي عينان “تكسف” وحولها حفر ونتوءات،.. كل ما هناك هو أنني لا آبه أو أهتم بالعمر الحسابي أو البيولوجي).. ما عليكم.. يعصر الألم كبدي عندما أجد الآلاف من الشباب الصايع الضائع في الأماكن العامة يحاولون إثبات وجودهم بارتكاب كل فعل وقول نشاز.. العلاقة بين الأجيال ينبغي أن تقوم على التداول السلمي للمراكز الاجتماعية والمهنية.. وفي الدولة العصرية ينبغي - ولو من الناحية النظرية - أن تكون هناك خطط سنوية ثابتة لاستيعاب الدماء الجديدة في مواقع العمل، حتى يحدث توارث الخبرات والمهارات.. جيل الكبار يحتضن الشباب ويعملهم كيف تؤدي هذه المهمة أو تلك، وأحسب أنني كتبت نحو عشرين مقالا خلال السنوات الخمس الأخيرة حول موضوع واحد: سد الأبواب في وجوه الشباب في مختلف مواقع العمل بحجة أن الوظائف المعروضة تحتاج إلى “خبرة”، والمحزن أن صاحب التعاسة الذي تقترن “السعادة” باسمه زورا وبهتانا قد يكون من الذين بدأوا حياتهم العملية من فوق.. سقط في الشهادة الثانوية العامة وبعدها بأسبوع وجد نفسه “رئيس قسم”، ثم ستة أشهر أخرى وكوفئ على “جدارته ومهارته”، بالترقية إلى مدير عام وعضو مجلس إدارة منتدب.. ولكن من يملك الشجاعة ليقول له: وهل كنت تملك خبرة عملية نصف دقيقة عندما دخلت الحياة العملية؟ هل أصحاب الحل والربط في أماكن العمل بحاجة إلى من يذكرهم أنه ما من آدمي إلا وبدأ حياته العملية من الصفر بدون خبرة؟ ومن أين سيأتي الشباب بالخبرة وكل المؤسسات تصفق الأبواب في وجوههم لأنها لا تريد سوى ذوي الخبرة.. موقعان في مسيرتي المهنية لم يسألني فيهما أحد عن مؤهلاتي الأكاديمية وخبرتي العملية: السفارة البريطانية في الخرطوم وشركة أرامكو.. اخضعوني فقط لامتحانات ومقابلات شخصية، ولم يكن ملف خدمتي في أرامكو يحوي أي ورقة سوى تلك المتعلقة بالامتحان التحريري في الترجمة.. وفوجئت بأن أكثر مترجمي الشركة مهارة وحذقا لم يكونوا يحملون درجات جامعية، بل وكان أفضل مترجم فني في أرامكو في ذلك الزمان خريج معاهد التدريب في أرامكو، ولم يكن قبلها يحمل مؤهلا سوى الشهادة الابتدائية.. لماذا حدث ذلك؟ لأن أرامكو تعرف أنه لو قامت بتربية موظفين على “يديها” فسيشربون الصنعة حسب أصولها المرعية.. في كل مؤسسة إعلامية توليت فيها منصبا يعطيني قدرا من المسؤولية، أقترح على من يرغب في الاستماع إلي، توظيف شباب مؤهلين ولكن بلا خبرة لأنهم يكونون غير ملوثين بفيروس الدجل الصحفي والنفاق والمداهنة والمخاتلة.. لا أبرئ نفسي من تلك الصفات، فأنا ابن النظام الإعلامي التجهيلي القمعي، ولا حاجة لأحد ليحذرني من هذا المنزلق أو ذاك، ففي داخلي أبو جعافر شرطي ماهر يعطيني العين الحمراء دون أن يحس بذلك أحد.
بالله عليكم اقرأوا حتى في صحفنا العربية إعلانات الوظائف التي تنشرها الشركات الأجنبية فبين كل 5 إعلانات ستجدون 3 تقول صراحة: مطلوب مهندس/ محاسب/ مندوب مبيعات/ مبرمج كمبيوتر.. حديث التخرج... يعني بلا خبرة أو بطيخ! (عنوان المقال مسروق من كتاب للشاعر والوزير السعودي غازي القصيبي يتحدث فيه عن لقب جديد مشتق من صاحب السعادة وصاحب المعالي)
تعليقات