'راعي البرّد.. وقف.. نبي نشتري برّد'
منوعاتجزء من الذاكرة الشعبية في البلاد رغم اختلافها بين الماضي والحاضر
يونيو 11, 2011, 1:39 م 5252 مشاهدات 0
مع بدء الارتفاع المطرد في درجات الحرارة ودخول فصل الصيف يمكن ببساطة ملاحظة انتشار عربات البوظة والمثلجات (الآيس كريم) في أماكن متفرقة من البلاد لا سيما قرب المجمعات التجارية والمنتزهات والشواطىء والطرقات وغيرها في ظاهرة تشكل جزءا من الذاكرة الشعبية في الكويت رغم اختلافها وفروقاتها بين الماضي والحاضر.
وأمام مواقف قرية البحار ترى الاطفال يتسابقون الى عربة (الايس كريم) ينادون (حجي..وقف وقف ..راعي البرد..وقف..نبي نشتري برد) يتجمعون حول بعضهم بعضا وتتزاحم أيديهم بالنقود متحلقين حول العربة لطلب أنواع مختلفة من البوظة والمثلجات علها تخفف قليلا من الحر الذي يعتريهم.
وقالت أم محمد لوكالة الانباء الكويتية (كونا) وهي تراقب أبناءها الثلاثة الذين انضموا الى بقية الاطفال حول العربة طلبا للبوظة انها في هذه اللحظة عادت الى الماضي لتتذكر عربة (الايس كريم) التي كانت تسير على ثلاث أرجل ويدفع بها صاحبها وهو يجوب الشوارع والأحياء والفرجان في منطقة بنيد القار. وأضافت ام محمد 'لا يمكن أن أنسى الفرحة التي كانت تغمرني واخوتي عندما كنا صغارا لدى سماعنا صوت (راعي الايس كريم) ينادي أثناء تجواله في شارعنا (بريد .. بريد) وكانت لهفتنا لشراء الايس كريم لا توصف حيث كنا نتجمع حول الوالدة بحماسة لاعطائنا 50 فلسا أو ما زاد عليها لنشتري الايس كريم وكنا نفضل المثلجات بالتوت أو الفراولة لانها تستمر فترة أطول من الفانيلا والحليب'.
وعن البوظة بين الأمس واليوم رأت أم محمد انه كان لهذه البوظة نكهة مميزة عن تلك الموجودة في المحلات حاليا مشيرة الى انها عندما ترى هذه العربات تتنقل على كورنيش الخليج تشعر بالحنين الى الأيام الماضية حيث 'لا يزال يتردد في الذاكرة صوت بائعها وكان الصغار والكبار يسعدون بقدومه على حد سواء'.
من جهته قال راشد العازمي ان أنواعا مختلفة من البوظة الشعبية كانت في الماضي وتسمى بالعامية (الدندرمة) وهي كلمة تركية اصلها (دوندرمة) ودخلت حرفتها الى المنطقة خلال العهد العثماني و'كنا نذهب بغرض شرائها من محل خاص يبيع حلويات كويتية شعبية وخليجية وبوظة عربية في شارع سالم المبارك وكان يعد من اقدم المحال في الكويت وربما تجاوز عمره الآن 50 عاما'.
واضاف العازمي وهو من الزبائن القدامى لذلك المحل ان (الدندرمة) كانت تصنع بشكل بدائي وبسيط من سكر وماء وحليب ونالت شهرة لدى أهل الكويت ولقيت اقبالا لافتا عليها وكانت تحضر من دون ألوان.
وقال ' كنا في طفولتنا نعرف محل العم (جمعة راشد) في السوق القديم (سوق الدعيج) ونذكر جيدا أنواع الحلويات والخلطات السرية و(شعر البنات وقرص عقيلي والرهش والخنفروش والحلوى) بأنواعها التي كانت ترص داخل الصواني والصحون ويسمونها (باديه) أوطاسة صفر أو(المطبقية)'.
وذكر أن (الدندرمة)او البوظة 'كانت في الماضي أكثر فائدة فالحليب الذي تصنع منه كان محليا طازجا يجلب من أصحاب الحلال من منطقتي الجهراء والوفرة وذلك خلافا للمواد التي تدخل في صناعة البوظة اليوم'.
من جانبه قال ابو مشاري ان 'باعة البوظة والمثلجات نراهم بعرباتهم يتنقلون بحرية ربما في كل مكان وتجدهم في المرافق العامة والمتنزهات والشوارع والشواطىء والأسواق وقرب المجمعات والملاعب الرياضية وأماكن تجمع الأطفال وقد يلجأ بعضهم الى استغلال الحال والظرف ليتلاعبوا بأسعار (الآيس كريم) مقارنة بالأسعار المعتمدة في الجمعية التعاونية رغم اننا غالبا ما نضطر الى الشراء منهم تحت الحاح وطلب أطفالنا'.
واضاف أبو مشاري ان هناك ضرورة لتدخل بلدية الكويت والجهات المختصة لفرض رقابة على هذه العربات بغية التأكد من تطبيق شروط الصحة والسلامة للحيلولة دون ان يصيب الاهمال والتلوث الأطفال بأمراض بسببها.
واستوقفنا محمد سعيد صاحب عربة (آيس كريم) حيث كان يجوب شارع الخليج العربي بعربته التي اختار زينتها بعناية وقال ل(كونا) ان الاقبال على شراء (الآيس كريم) والعصائر والمثلجات يزداد مع ارتفاع درجات الحرارة في الطقس ولايتوقف البيع حتى في فصل الشتاء الذي لم يعد باردا كالسابق.
واضاف سعيد ان معظم زبائنه من الاطفال وتزداد حركة البيع في مثل هذه الايام عقب صلاة المغرب ويرى الاسعار 'معقولة ومناسبة للجميع حيث نتحمل الحر الشديد والغبار والرطوبة في سبيل كسب مادي بسيط'.
وعن هذه الظاهرة أكد استشاري الطب المهني والبيئي ومدير ادارة الصحة المهنية بوزارة الصحة أحمد الشطي ضرورة التنبه الى ان المثلجات سريعة التلوث بالجراثيم لذا يجب التأكد من نظافتها التامة قبل تناولها والحرص على تخزينها في اماكن باردة وجافة.
وأضاف الشطي ان تناول المثلجات باعتدال بعد الطعام وبكميات صغيرة يساعد على الهضم شريطة ان يتم تناولها ببطء فهي تحرض جدران المعدة على الافراز والعمل واذا ما تم تناولها بسرعة فإنها تصيب أعصاب المعدة بالكسل ما يسبب تقلصها ويؤدي ذلك من ثم الى سوء الهضم وهو السبب فيما يعرف بأن تناول قطع صغيرة من الثلج يحول دون استمرار التقيؤ.
وشدد على وجوب تحاشي تناول المثلجات قبل الطعام أو عقب التعرض طويلا لأشعة الشمس لأن ردة الفعل حينها تكون قوية حيث يؤثر ذلك على غشاء المعدة وتجعله مهيئا للاصابة بالالتهاب أو التقرح.
وذكر ان فوائد المثلجات تختلف باختلاف المواد الأولية الداخلة في تركيبتها وما اذا كانت مصنعة من الحليب أو الفاكهة أو العصير أو الشوكولا الطازجة أو المصنعة وايضا كمية الاضافات والمنكهات والالوان والاصباغ.
واشار الشطي الى التنوع الكبير في أنواع البوظة الان حيث هناك بوظة صيفية وشتوية ومنها ما هو مخصص للحمية أو لمرضى السكري وغيرها معتبرا انه اذا كانت المواد الاولية طبيعية بعيدا عن المصنعات فتعد الفوائد الغذائية التي تحتوي عليها ذات قيمة كبيرة.
وقال ان (البولو أوالجيلاتي أو الكلاس والايس كريم) التي تصنع من الحليب تحتوي على نسب مهمة من المركبات الغذائية بنسب 5ر8 في المئة مواد سكرية وكربوهيدراتية و 5ر6 في المئة مواد بروتينية و 15 في المئة مواد دهنية كما تحتوي على الكلس والفيتامينات والبروتينات.
وعن فوائد البوظة بين الشطي انها متعددة وأهمها أنها تساعد على تقوية العظام وحرق الدهون وتخفيض ضغط الدم العالي وزيادة النشاط العام للجسم كما أثبتت فعاليتها في مكافحة سرطان القولون الى جانب دورها في تحسين المزاج وتقليل خطر الاصابة بالجلطات وتقوية المناعة ومنع تكون حصى الكلى.
وأوضح أن المثلجات تتميز بخاصية وقدرة على تخدير أغشية الفم لذلك يوصي الأطباء مرضاهم الذين أجريت لهم عمليات جراحية لاستئصال اللوزتين بتناولها حيث تعتبر مغذية ومسكنة للآلام في آن معا.
واشار الى دراسات كشفت فعالية الآيس كريم والمثلجات في تحسين مزاج الانسان كما توصلت أبحاث علمية الى أن تناول البوظة يجلب السعادة للانسان.
وقال الشطي ان باحثين وجدوا في أعقاب دراسة واختبار علمي في معهد طبي بالعاصمة البريطانية لندن ان تناول البوظة يعطي شعورا ايجابيا كما ثبت أنها تنشط مراكز والسعادة في الدماغ وتؤثر بصورة فورية ومباشرة على أجزاء الدماغ المسيطرة على المزاج.
وبالنسبة الى مضار (الآيس كريم) ذكر انه احد مسببات الصداع الذي يعرف بصداع الآيس كريم الذي يأتي نتيجة تناوله بسرعة وبكميات كبيرة وهو ما يحدث عندما نتناول المشروبات الباردة.
يذكر انه وحسب ماورد في مراجع تاريخية فقد عرف الفراعنة في مصر (الجيلاتي) في صور بسيطة وبدائية حيث كانوا يقدمونه في كؤوس من الفضة نصفها من الثلج ونصفها من العصير (شربات الفاكهة) كما يروى ان قصة البوظة أو (الآيس كريم) تعود الى 3000 عام ومن ثم بدأ الصينيون بمزج الثلج مع عصير الفاكهة اضافة الى العسل وعنهم نقلها الهنود ثم الفرس فالعرب.
ويروى انه في العام 1295 قام الرحالة ماركو بولو بنقل خلطة (الآيس كريم) من الصين الى ايطاليا فتمت اضافة اللبن الى الثلج لينتج (آيس كريم) من اللبن المثلج وتشتهر ايطاليا حاليا بأجود وأطيب أنواع (الآيس كريم) في العالم.
ويذكر مؤرخون ان العرب هم من نقلوا(الجيلاتي) الى الغرب ابان دولتهم في صقلية كما يقول باحثون أن انتشار (الجيلاتي) فعليا في أوروبا جاء على أيدي الصقليين الذين تعلموا صنعته من المسلمين وجددوا وابتكروا في وصفاته التي لا تزال احداها حتى اليوم حكرا عليهم وتسمى (الكاساتا) الصقلية.
تعليقات