تركيا العثمانية العلمانية وشرف صندوق الانتخابات ( الحلقة الأولى)

عربي و دولي

سلسلة تحقيقات عن التحولات في الجمهورية التركية تنشرها ((الآن)) على حلقات

داهم القحطاني 6743 مشاهدات 0

لقطة من الأعلى للعاصمة التركية أنقره

 انتهت مطلع شهر يونيو الجاري الانتخابات التركية بفوز كبير لحزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أوردغان لفترة ثالثة ليتولي هذا الحزب حكم تركيا للمرة الثالثة على التوالي في إنجاز لم يسبقه إليه حزب تركي آخر.

 وتزامنا مع هذا الحدث المهم، ومع المرحلة المقبلة والتي يتوقع فيها أن تكون للسياسة التركية في منطقة الشرق الأوسط تأثيرات أكبر، تنشر جريدة الآن الإلكترونية  وعلى حلقات سلسلة من التحقيقات قام بها الكاتب والمدون داهم القحطاني خلال رحلة سياسية شارك فيها مؤخرا في الجمهورية التركية، وضمت الرحلة سياسيين وبرلمانيين وأكاديميين من عدد من الدول العربية.

  

تركيا والعالم العربي... نموذج يحتذى أم عداء يتجدد ؟

ماذا نعرف كعرب عن تركيا الجديدة أو المتجددة؟ كيف تحكم من الداخل؟ وكيف ستحكم خلال السنوات الخمس المقبلة؟ هل ستتحول إلى جمهورية إسلامية تدريجيا أم ستبقى قلعة للعلمانية؟ هل سيتمكن رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان من فرض هيمنة السياسيين على الحكم في تركيا بتهميش تدريجي وعبر تغيير الدستور لقادة  الجيش التركي؟ أم سيحاول حماة العلمانية من كبار الضباط والقضاة تعطيل مشاريع حزب العدالة والتنمية الرامية لكتابة دستور جديد يغير من بنية الدولة التركية؟

 وعربيا ما هي العلاقة الأمثل التي ستجمع بين العرب وتركيا؟ هل ستكون كما كانت العلاقة في بداياتها بين دولة الخلافة العثمانية والأقطار الإسلامية العربية حين كونت عالمًا إسلاميًا موحدًا قويًا ومزدهرًا؟ أم ستكون كما هي العلاقة في أواخرها مع رجل أوربا المريض  -كما كانت تسمى تركيا أواخر العهد العثماني- حينما واجهت شعوب عربية العثمانيين بما عرف حينها بالثورة العربية الكبرى؟

 

 هل سيكون رئيس الوزراء التركي رجب أوردغان ونظامه الذي أشبه ما يكون برجل متدين يرتدي أحدث وأفخر  بدلات 'السموكنج ' هو النموذج الأمثل للحكم في الدول العربية في مرحلة ما بعد الثورات العربية والربيع العربي، وهو الذي هتفت الشعوب العربية باسمه مرارا على ضوء مواقفه من القضايا العربية مؤخرا ومنها حرب غزة، وتصديه للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في منتدى دافوس، ولاحقا مساندته لأسطول الحرية بشجاعة؟

 

  وهل ستكون الثلاثية التركية: تركيا الدستور، وتركيا الحزب الحاكم ذو التوجهات الإسلامية غير المباشرة، وتركيا الجيش الحامي للعلمانية، هي النموذج الأنسب للتطبيق في دول عربية تحررت للتو، أو في طور التحرر، من نماذج الديكتاتورية والحكم الشمولي كتونس ومصر وليبيا واليمن؟

  أم أن هناك أصواتًا عربية ستحذر من الهيمنة التركية التي تسعى لتقوية موقفها الدولي على حساب القضايا العربية بهدف دعم الاقتصاد التركي،  وبهدف جعل فرص تركيا أفضل في الانضمام للاتحاد الأوربي على اعتبار أنها ستعطي للاتحاد الأوربي لاحقا  هيمنة أكبر في منطقة الشرق الاوسط؟

 

  من أجل الإجابة على كل هذه التساؤلات، نظم 'مركز القدس للدراسات السياسية' بالتعاون مع مؤسسة الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تركيا (سيتا) وبالتنسيق مع وزارة الخارجية التركية ومع 'شبكة الإصلاح والتغيير الديمقراطي في العالم العربي' و'الائتلاف الدولي للإسلام المدني الديمقراطي' رحلة سياسية إلى تركيا بعنوان 'دروس من التجربة الديمقراطية التركية ' بهدف التعرف على بعض أوجه التجربة التركية ودراسة فرصة الاستفادة منها في العالم العربي، خصوصاً في مرحلة التحول نحو الديمقراطية التي تشهدها معظم الدول والمجتمعات العربية في الآونة الأخيرة.

 

 الرحلة التي تمت في أواخر شهر أبريل الماضي ضمت شخصيات سياسية وفكرية عربية رفيعة المستوى ضمت وزراء سابقين ونواب حاليين ومفكرين وأكاديميين وكتاب من من دول متعددة منها مصر ولبنان وسوريا والكويت والأردن والعراق والإمارات والسعودية وتونس والجزائر والمغرب والسودان، بهدف إجراء لقاءات مع قيادات تركية وزيارة مؤسسات ومراكز أبحاث تركية حيث تم نقاش قضايا الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، الإسلام والعلمانية، العلاقة بين المدني والعسكري، في ضوء تجربة حزب العدالة والتنمية بشكل خاص .

 

وامعتصماه ... واأردوغان


حين تسافر إلى تركيا لست مضطرا إلى إزعاج نفسك بمراجعة السفارة التركية في بلدك والقيام بإجراءات استخراج سمة الدخول 'الفيزا' والتي أصبحت تزعج السائح وتكلفه ماديا،  فحاليا من الممكن الدخول إلى تركيا عبر سمة دخول تستخرج خلال دقائق من المطارات التركية. هذا الشعور بسهولة السفر إلى بلد ما يجعلك مرتاحا للسفر إليه حتى قبل أن تقلع، وهو ما يبدو أن الأتراك حرصوا على ترسيخه، خصوصا للمسافر العربي.

 

إلى أنقره كان السفر... إلى عاصمة تركيا العلمانية،  وحاضرة مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، والذي نقل العاصمة السياسية من إسطنبول العثمانية إلى أنقره العلمانية، كي يشرف من على  هضبة الأناضول على الأمة التركية التي بدأت للتو في ذلك الحين نزْع مظاهر الإسلام العثماني نتيجة لسياسات العلمنة الأتاتوركية، والتي كانت بدايتها بتغيير أحرف كتابة اللغة التركية من أحرف عربية إلى لاتينية.

 

وكي تكون عاصمة الأتراك الجديدة محمية من كل الجهات اختيرت أنقرة لكونها تقع فوق هضبة ذات تضاريس صعبة ترتفع عن سطح البحر بـ 983 مترا ما يصعب وصول الجيوش الغازية لها ويعطي ذلك وقتا للأتراك كي يوفروا الحماية من قواتهم الأخرى التي ترابط في أراضيهم الشاسعة والتي تمتد في قارتي آسيا وأروبا وتحتل 783,562 كم2 وتمتد من جنوب غرب آسيا حيث يقع الجزء الأكبر منها إلى جنوب شرق أوربا حيث يقع الجزء الأصغر في إسطنبول.

 

الأعلام التركية وتماثيل أتاتورك تنتشر في المدن التركية بشكل واضح

 

وأنقرة،التي استمدت اسمها من اللغة اليونانية 'أنكورا' وتعني مرساة السفينة،  تحضر بقوة في التاريخ الإسلامي، فأنقر’ هي ذاتها مدينة عمورية حيث لبى الخليفة العباسي المعتصم بالله في العام 838 ميلادي  صرخة امرأة مسلمة هاشمية الأصل استنجدت به من أسر الروم ومن مذابح قام بها إمبراطور الروم البيزنطيين آنذاك 'تيوفيل بن ميخائيل بن جورجس'.

نادت الهاشمية 'وامعتصماه' ففتح المسلمون عمورية (أنقرة) وثأر المعتصم لصرخة العزة والكرامة والحرية.

 

                                                                                                                                   يهتم الأتراك برفع الأعلام التركية الضخمة فوق المباني الرسمية 

وكم هو غريب تحول الأيام! فعمورية التي خرجت منها الاستغاثة للعالم الإسلامي تعود اليوم لتتلقى استغاثات من شعوب في العالم الإسلامي إلى من يعتبره كثيرون معتصم هذه الأمة... رجب طيب أوردغان!  ليس للثأر من عربدة إسرائيل التي لا تتوقف، بل أيضا ليتصدى  لطغاة سفكوا الدم العربي والمسلم  يحاولون الآن نحر ربيع قد تزدهر به الأمة العربية إن اكتمل  كما ازدهرت تركيا المتجددة.

تركيا التي تضم أكثر من 72 مليون نسمة وتجاوز ناتجها الإجمالي 730 مليار دولار (2010) والتي حققت معدل نمو قدره 8.9 في المئة خلال الأرباع الثلاثة الأولى للعام 2010 تحكم منذ العام 2002 من قبل حزب العدالة والتنمية،  وهو حزب تعددت فيه الأقوال، فهناك من يصفه بذي التوجهات الإسلامية، وهناك من يعتبره حزبًا علمانيًا يعمل وفق مبادئ العلمانية التركية ووفقا للدستور التركي.

 

هذا الحزب بغض النظر عن تعدد النظريات في توصيفه استطاع بالفعل تقريب صورة تركيا إلى العالم العربي والإسلامي بحيث أصبح لرئيس الوزراء طيب رجب أوردغان صورة نمطية تعطي لتركيا صفة الشجاعة والإقدام والغيرة على الإسلام  بدلا من صفات الترف والتحرر الغربي غير المنضبط  والتي تشكلت في العالم العربي عن تركيا وفقا لسيل المسلسلات التركية التي غزت البيوت العربية خلال السنوات الأخيرة.

 

إذن هناك سر غريب يجعل المعادلة التركية في تراكيبها كافة تنتشر في أذهان الملايين من العرب الذين فقدوا الحياة المرفهة والمترفة المليئة بالجمال في الطبيعة والملبس والشكل كما في المسلسلات التركية، وفقدوا أيضا القائد النزيه المخلص كما في رجب طيب أردوغان فكانوا متعطشين إلى قائد جديد، وإن كان غير عربي هذه المرة،بحيث  يعطي لهذه الأمة أملا فقدته بسبب 'سنوات الضياع' التي عاشها العرب مع قادة ديكتاتوريين انغمسوا في حياة ملؤها الملذات، وغمسوا شعوبهم في الذل والهوان فيما عدا استثناءات في دول الخليج حيث عوضت الثروة النفطية الهائلة إلى حد ما غياب الديمقراطية الحقيقية .

 

 

تركيا.. تدَيُّن العلمانية و علمانية التديُّن

الوفد العربي في القصر الجمهوري التركي

وصلت الطائرة إلى مطار أنقرة وبدأت الرحلة إلى الداخل التركي.الرحلة السياسية تضمنت لقاءات بمسؤولين في الحكومة التركية وبمستشارين للرئيس التركي عبدالله غول ولرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان،  ولقاءات بقياديين في حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري العلماني إضافة إلى مؤتمر عقد على هامش الرحلة تطرق -وبعمق وعبر أبحاث وأوراق عمل قام بها برلمانيون وأكاديميون أتراك وعرب- إلى التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تركيا منذ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة لحظة توقيع معاهدة لوزان في 24 يوليو 1923 في مدينة لوزان السويسرية بين قوات الحلفاء في الحرب العالمية الأولى والجمعية الوطنية العليا في تركيا (الحركة القومية التركية) بقيادة مصطفى كمال أتاتورك وهي المعاهدة التي نشأ عنها اعتراف دول العالم بجمهورية تركيا كوريثة للامبراطورية العثمانية، وإلى ما قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة .

 

القصر الجمهوري التركي .. كاناكيا

 القصر الجمهوري أو قصر كاناكيا استمد اسمه من اسم المنطقة التي يقع فيها القصر في أنقرة ويمتد على مساحة 1.77 كم مربع،  وهو المقر الرسمي للرئيس التركي، ويسكنه حاليا الرئيس عبدالله جول، وفي هذا المجمع الرئاسي المهيب تشعر أنك في لب تركيا العلمانية حيث بدأ أتاتورك بناء جمهوريته العلمانية فاختار القصر حينما رآه لأول مرة عام 1921 ليكون مقرا للحكم الجمهوري.

 

 وصول الوفد العربي تزامن مع اجتماع لمجلس الأمن القومي جمع الرئيس التركي عبدالله غول مع جنرالات الجيش التركي، وهي اجتماعات عادة ما تكون ساخنة نظرا لطبيعة العلاقة بين حزب العدالة والتنمية المحافظ وبين هؤلاء الجنرالات الذين يقدمون أنفسهم كحماة للعلمانية التركية.

 

  الممرات المؤدية إلى قاعة الاجتماعات كانت فخمة وعلق على المدخل صورة ضخمة لمؤسس تركيا الحديثة كمال أتاتورك في حين كان واضحا أن موظفي التشريفات في القصر من نساء ورجال لفت انتباههم هذا الوفد العربي الضخم نسبيا والذي ارتدى بعض أفراده الزي العربي وتضمن ذلك عمامة سنية سودانية وأخرى شيعية لبنانية في مشهد يبين مدى تنوع الوفد!

 

أحد ممرات القصر وفي آخر الصورة لوحة جدارية لمصطفى كمال أتاتورك

صورة الزعيم الزعيم المؤسس لتركيا العلماية كمال أتاتورك في ممر في القصر الجمهوري 

 

خلق الأعداء الوهميين يحولهم إلى حقيقيين


  اللقاء كان مع كبير مستشاري رئيس الجمهورية التركية لشؤون الشرق الأوسط أرشاد هورموزلو وهو يتحدث العربية بطلاقة وسبق له العمل في المنطقة العربية لسنوات طويلة.

 

 مستشار رئيس الجمهورية أرشاد، وهو من عرق تركماني، حرص على مصافحة أعضاء الوفد قرب المدخل ومداعبتهم بتعليقات باللغة العربية  تبين مدى معرفته الواسعة بشؤون البلدان العربية قبل أن يعتلي المنصة الرئيسة والتي كانت أعلى من مستوى جلوس الحضور وهي المنصة التي يتحدث الرئيس التركي إلى العالم والشعب التركي من خلالها، وتقع خلفها  صورة معلقة في أعلى القاعة تضم  تمثالا لوجه زعيم تركيا ومؤسس جمهوريتها مصطفى أتاتورك وكأنما الرسالة من هذه الصورة أن الأتاتوركية  ستكون على الدوام رقيبة على كل رئيس تركي وإن كان إسلامي الجذور.

 

 اللغة العربية الفصيحة التي تكلم بها أرشاد -ولفتت انتباه نائب أردني ضليع باللغة  من المشاركين في الوفد العربي- كشفت أن هذا المستشار المقرب من رئيس الجمهورية  استفاد بالفعل من قضاء ثلاثة عقود من حياته في  العالم العربي بدأها بالعمل في الإمارات العربية المتحدة، ما أعطى لآرائه حول التقارب مع الدول العربية معنى آخر كون هذه الآراء انطلقت من العارف الخبير لا فقط من السياسي المهني!

 

 أرشاد يذكر 'أن السياسة التركية ولسنوات عديدة ركزت على خلق أعداء وهميين لتركيا من دول الجوار، ولهذا فإن خلق أعداء وهميين يقلبهم حتما إلى أعداء حقيقيين، ولهذا كانت سياستنا تتركز حول خلق الأحلاف والمحاور وزرع الحدود بالألغام'.

 

 ويوضح 'أن تبديل هذه السياسة بسياسة تقوم على الود والصفاء خصوصا مع إخوتنا العرب جعل الأعداء الوهميين يتحولون إلى أصدقاء، وهذه السياسة التي أسميها سياسة الرجوع تقوم على الفهم المشترك لطبيعة العيش داخل تركيا ولعلاقتها مع الجيران'.

 

 ويقول أن توجه تركيا إلى العالم الغربي لم يكن جديدا، فتركيا توجهت للغرب منذ العهد العثماني ولكن الأهم من هذا التوجه المعايير التي تحكم هذه العلاقة فنحن نسعى إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوربي ولا نسعى للانضمام إلى أوربا لهذا الفرق واضح'.

 

 ويذكر 'تركيا عضو مؤسس في المجلس الأوربي ولديها اتفاقية جمركية مع أوربا كما أنها عضو في حلف الناتو، ولكنها وفي الوقت نفسه عضو في المؤتمر الإسلامي وعضو مراقب في جامعة الدول العربية، ولديها اتفاقية مع دول مجلس التعاون الخليجي، ولهذا فمن الخطأ تأطير تركيا بإطار تقليدي والقول مثلا أن تركيا أوربية أو تركيا شرق أوسطية فتركيا هي تركيا.

 

 كبير مستشاري الرئيس التركي لشؤون الشرق الأوسط يتلقى سؤالا



سياسة الرجوع إلى العرب

 

 خلال حديث أرشاد كان واضحا أنه يتحدث بعمق وتركيز وشغف وكأنه يراهن كثيرا على ما يقوله للوفد العربي الذي تأمل تركيا عبره أن تخلق صورة نمطية جديدة لتركيا الجديدة والتي وصف ا سياستها الجديدة بسياسة الرجوع 'إلى إخوتنا وإلى الدول التي يجمعنا معها فهم مشترك'.

  ولكن ما هي سياسة الرجوع التي يبشر بها أرشاد؟

 العلاقات بين الدول تقوم على ضلعين: ضلع ثقافي وديني واجتماعي وتاريخي، وضلع اقتصادي، والتركيز -حسب رؤية أرشاد- على الضلع الثقافي والديني والاجتماعي والتاريخي فقط يجعل العلاقات بين الدول تنحصر فقط في المخطوطات وأمهات الكتب، أما التركيز على الضلع الاقتصادي كما يبشر بذلك كثيرون فيخشى أرشاد حسب نظريته أن تكون له بدائل دوما .

 

 إذن مستشار رئيس الجمهورية التركية والذي عاش في المنطقة العربية لثلاثين عاما ما جعله يجيد اللغة العربية بإتقان والذي يقرأ تقريبا كل مطبوعة عربية، يدعو إلى أن تكون العلاقة بين تركيا والدول العربية وفقا لسياسة الرجوع التي تقوم على دمج الضلعين الثقافي والديني والاجتماعي والتاريخ بالضلع الاقتصادي لتكون العلاقة بين الأتراك والعرب دوما مميزة في جوانبها كافة من دون الإخلال بمعايير الديمقراطية.

   أرشاد لا يعتبر أن العلاقة مع أوربا هي الهدف الوحيد للسياسة التركية فمعايير كوبنهاجن (القواعد التي تحدد إذا ما كان بلد ما مؤهلاً للانضمام للاتحاد الأوروبي) قد تنقلب يوما من الأيام إلى معايير أنقرة، في تلميح إلى أن تركيا أيضا لها معايير في مسألة الانضمام هذه! وفي تلميح آخر بأن معايير أي علاقة مع تركيا ستضمن للعرب الأمن والرخاء والحرية للمواطن .

 حديث أرشاد والذي كان يردده بتركيز وعمق لاقى انتباها من المشاركين في الوفد العربي وصل إلى نقطة المصارحة حين بين أرشاد أن الفجوة التي ظهرت في العلاقة بين

أرشاد ولقطة تذكارية جمعته بالزميل داهم القحطاني

الأتراك والعرب يتحمل مسؤوليتها الطرفان، فالمفردات التي استخدمت في المناهج الدراسية والكتب لدى الطرفين أساءت إلى الطرف الآخر!

 تطهير هذه المفردات من المناهج الدراسية أمر طلب أرشاد الانتباه إليه والتركيز عليه لأن الصورة النمطية لأي طرف تتشكل من خلال المناهج، ويقترح على سبيل المثال تضمين المناهج العربية بعضا من التعريف بالأدب والشعراء الأتراك كالشاعر التركي نجيب فاضل وفي الوقت نفسه تضمين المناهج التركية شيئا من التعريف بالأدب العربي.

 

 

                                                                                 مستشار الرئيس التركي الدكتور أرشاد والزميل داهم القحطاني 

 

 ولكن كيف يتم كل ما دعا إليه مستشار رئيس الجمهورية التركية؟

يتم ذلك -حسب أرشاد- عبر التركيز على التبادل الثقافي بشكل مباشر ومن دون طرف ثالث أسماه ب'المقاول' بحيث تترجم الكتب التركية إلى اللغة العربية بشكل مباشر والعكس صحيح من دون أن تترجم من لغة ثالثة.

 

 الجانب التركي يتوقع أن يتم ذلك عبر حركة ترجمة فاعلة ونشيطة، وعبر إنشاء مؤسسات تعنى بالأدب العربي والتركي إضافة إلى سياسات بدأت تركيا بتطبيقها بالفعل ومن ضمنها السعي لأن تكون اللغة العربية اختيارية في التعليم التركي، وألا ينحصر تعليمها فقط في ما تتطلبه الفروض الدينية والعبادات، وأن تقوم الجامعات التركية بإنشاء مراكز لدراسة الشرق الأوسط.

 

 

 

 

الربيع العربي لم يكن ثأرا لبوعزيزي


 الحوار انتقل إلى الجانب السياسي المباشر للثورات العربية التي تحصل حاليا حيث يبين أرشاد أن هناك ثمة أصوات في تركيا وغيرها كانت ترى بأن رياح التغيير الديمقراطي التي هبت في العالم لن تشمل العرب لأنهم غير قادرين على ذلك، وهذا ما يقول أرشاد أنه مقولة كان يرفضها شخصيا دوما لأنها تتضمن إهانة مباشرة للشعب العربي.

 

 أرشاد الذي لم يستغرب تحقق توقعاته بحصول ربيع تغيير عربي، يرى أن رياح هذا التغيير تأخرت كثيرا، وحسب تحليله فإن هذا التغيير بدأ من عمق الضمير العربي والإسلامي، ولا يرى أن هذا الربيع العربي ارتبط بصفعة شرطية لمحمد البوعزيزي، فالمسألة لم تكن  ثأرا لكرامة شخص واحد إنما كانت في حقيقتها استجابة لطلب متزايد من الشارع العربي نحو التغيير الذي لم تستجب له الأنظمة، فحصل الأمر بولادة قيصرية حينما توجه الناس مباشرة إلى الشارع لتغيير الأنظمة التي توارثها الحكام العرب ولم يسمحوا بتغيرها بشكل طبيعي وديمقراطي.

 

شرف صندوق الانتخابات التركي

 

الوفد العربي الذي ضم برلمانيين من مختلف التيارات السياسية بدأ مهتما لتركيز مستشار رئيس الجمهورية التركية على ما أسماه 'شرف صندوق الانتخابات' والذي اعتبره الولادة الطبيعية لأي تغيير سياسي حينما قال 'اختلفنا كأحزاب تركية في مختلف المواضيع ولكننا وحتى في أسوأ الأحوال حافظنا على شرف صندوق الانتخابات وتركنا للشعب التركي لكي يقرر ويحسم الخلافات'.

  هكذا كان أرشاد يقدم وصفة علاج مجانية للساسة العرب، فالوصفة التركية تحافظ على النظام ولا تهدمه لمصلحة حزب، بعكس ما يحصل في دول عربية غيرت فيها الدساتير في ظرف دقائق من أجل عيون 'الرئيس'.

 

 الحديث انتقل إلى تشخيص ما حصل في الوطن العربي من ثورات فيذكر أرشاد أن الأخطاء تولد الانفجار، وهي أخطاء تسمى بأسماء مختلفة في كل بلد فمن حبيب العادلي في مصر إلى ليلى طرابلسي في تونس، إلا أن هذه الأخطاء وفي ظل عدم وجود نظام ديمقراطي ينفس الضغط تؤدي إلى الانفجار الحتمي. 

 

الدول الكبرى ليست شركات تأمين للديكتاتوريات

أرشاد ينتقد  بعض الأنظمة العربية التي استندت في ثباتها إلى علاقاتها مع الدول الكبرى بحيث تكون هذه الدول الكبرى كشركات التأمين لهذه الأنظمة وبحيث يتم تحويل حماية البلد إلى مقاولين من الباطن، وهو ما يعتبره خطأ كبيرًا، 'فحماية أي بلد يجب أن تنبع من الداخل وهو أمر يجب أن نحرص على توريثه إلى أولادنا'.

 وفي نظرة مستقبلية لم تخلُ من التنظير لعهد إسلامي وعربي مستقل يتساءل مستشار رئيس الجمهورية التركية 'لماذا لا يكون لدينا يونسكو خاصة بنا؟!... لماذا ننظر دوما إلى نيويورك ولندن ولا ننظر لمدننا؟!.... نعم التعاون الدولي مطلوب ولكن يجب أن يتم وفق المعايير الدولية لا وفق معايير التبعية'.

 

تركيا لا تزرع حدائق الآخرين

 

ما هو موقف تركيا من رياح التغيير في المنطقة العربية؟ وهل كانت صحيحة الاتهامات التي وجهت لنا بأن مواقفنا اختلفت من بلد إلى آخر؟

يسأل أرشاد ويجيب بأسلوب لم يخلُ من التشبيه' غير صحيح أن موقفنا يختلف من بلد عربي إلى آخر، فصحيح أننا لا نضع لحديقتنا أسوارًا، ولكننا في الوقت نفسه لا نزرع حدائق الآخرين ولا نجبرهم على ذلك. ولكن إذا ما طلب منا المساعدة فسنقدمها بالقدر الذي تحتاجه الدول العربية'.

 ويواصل 'نحن لسنا مع نظام أو ضد نظام، وحتى في الموقف من ليبيا لا أرى داع للهجوم الذي تتعرض له تركيا من قبل صحف عربية، فلسنا نحن من يقول لنظام معين ارحل، فقط نحن نطلب منه أن يصغي لما يقوله شعبه، ولهذا فليس في الأمر ازدواجية معايير إنما نريد حقن الدماء، ولهذا نركز على دعوة الحكام إلى الاستماع الى شعوبهم و التحول إلى أنظمة حكم ديمقراطية شفافة'.

 

 ومرة أخرى يعود أرشاد إلى تقديم تركيبة الوصفة التي عالجت فيها تركيا أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيقول 'حينما أصلحنا بيتنا من الداخل لم نركز على تغيير الدستور والقوانين فذلك وحده لن يفيد إنما ركزنا على تغيير طبيعة التفكير في تركيا، فحين يتم تغيير طبيعة التفكير فستأتي الإصلاحات بشكل متسارع، 'ويواصل ' في تركيا ميزانية التعليم تحتل المرتبة الأولى في موازنة الدولة لأننا نؤمن بحق بأن الاستثمار الحقيقي يكون في الإنسان'.

 

 واقتصاديا يبين أرشاد للمتخوفين من التبادل الاقتصادي مع الاقتصادات الكبرى أن تركيا ورغم تخوف البعض من سحق الاقتصاد الأوربي لاقتصادها تعاملت مع الموقف بزرع الثقة في نفسها فأصبحت اليوم الاقتصاد الذي يحتل المرتبة السادسة من بين دول أوربا.

 

تركيا ليست الجسر بل هي المركز

 

تركيا ليست جسرا بين العالم الغربي والعربي، بل هي النقطة الأخيرة للعالم الغربي وهي النقطة الأخيرة للعالم العربي، لهذا فهي ليست بناقل بل هي مركز بين هذين العالمين، وموقع لتلاقي الحضارات. هكذا يصف أرشاد ببساطة وبعمق في الوقت نفسه تركيا القديمة الجديدة.

 مستشار رئيس الجمهورية التركية يؤكد أنه لا يبشر بنظرية معينة ولكنه يتحدث عن تركيا لا تقوم علاقتها مع منطقة على حساب منطقة أخرى، ويضرب مثالا على ذلك بالقول أن تركيا دخلت العراق بالحليب والغذاء وجرافات الزراعة في حين دخل الآخرون بالدبابات والصواريخ، كما أن تركيا تعاملت مع أطياف الشعب العراقي كافة لأنها تريد الأمن للجميع'

  

 

قلَبْنا عداءَ العرب إلى ود


ويقيم أرشاد سياسة الرجوع التي اتبعتها تركيا مؤخرا 'استطعنا أن نقلب حالة العداء مع العرب إلى ود عبر مخاطبة القلب والعقل معا، فتحولت على سبيل المثال صورة تركيا السلبية في الصحف العربية من الانتقاد بنسبة 90 في المئة إلى صورة إيجابية تحفل بالثناء بنسبة 90 في المئة في حين تبقت الصورة السلبية التي لن نتمكن من تغييرها لأسباب لا تتعلق بنا بنسبة 10 في المئة.

 ويؤكد أرشاد بصوت حازم وبنظرات قوية تمتد إلى عيون المشاركين في الوفد العربي بأن تركيا بالفعل تضع ثوابتها قبل مصالحها وهو ما تم تأكيده في الموقف من الحرب الإسرائيلية على غزة، وفي الموقف من أسطول الحرية وهو الموقف الذي توحدت فيه تركيا بأحزابها ومختلف وسائل إعلامها وبشكل ثابت.

 

 

المسلسلات التركية لا تمثل الشعب التركي

في إشارة لافتة يقول أرشاد' أن تركيا متعددة وقد تسمع أفكار مغايرة لما نقوله، فمثلا تركيا ليست المسلسلات التركية التي تشاهدونها فهي لا تمثل الشعب التركي إنما قد تكون فرصة للاطلاع على المناظر الخلابة في مدن تركيا 'ويضيف بابتسامة واثقة 'تركيا أيضاً  وقبل ذلك تضم 70 ألف مدرسة لتحفيظ القرآن وهي معلومة قد يستغربها البعض'وبالفعل كانت المعلومه محل استغراب.

أرشاد يدعو إلى حالة دائمة تجمع تركيا بالعالم العربي، ولهذا يبين أن تركيا عززت علاقاتها مع العرب من خلال البحوث العلمية، فالطلاب العرب تم تغيير شروط التحاقهم في تركيا ليتمكنوا من الدراسة في نحو 170 جامعة، كما يذكر أن البحث  العلمي وخصوصا في مجالات تكنولوجيا النانو يشكل فرصة لتبادل العقول بين تركيا والعرب.

 

ويواصل أرشاد 'الحوار مع العرب لم ترفضه تركيا على الإطلاق وهو مستمر رغم أن دول عربية تحفظت على بعض الجوانب وهي أمور تتفهمها تركيا كما أن مسودة اتفاقية التجارة مع دول مجلس التعاون الخليجي لم تتم رغم الاجتماع بهم لخمس مرات بسبب عدم اتفاق دول مجلس التعاون أنفسها'.

 

ويوضح أن الدور التركي في البحث عن حل للصراع بين إسرائيل وفلسطين لا ينافس الدور المصري، بل يكمله ولهذا ندعو دوما الأطراف الفلسطينية إلى التمسك بالحلول الداخلية من دون النظر للتصريحات الإسرائيلية والأميركية.

 

 

حرية الصحافة تنقذ الحكام من أخطاءهم 

 ويجزم أرشاد أن تركيا لا يمكن أن تعود إلى عهد الانقلابات العسكرية فعقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، والدولة والحكومة تتحدث بالتناغم نفسه، كما أن تركيا تحاول تحقيق حرية التعبير وعدم الإساءة لها، وتدعو إلى عدم الخوف من الرأي الآخر، فحرية الصحافة كما يرى هي التي تنقذ الحكام من الأخطاء.

 

 أرشاد الذي اعتبر الثورات العربية اختيار الشعوب يكشف أنه وحين التقى شباب الثورة في ميدان التحرير في مصر نصحهم بأن النزول إلى الشارع يكون مبررا لإزالة نظام سياسي أو محاكمة عهد معين نتيجة لأخطاء قام بها ولكن وفي القضايا الفرعية لا يجوز النزول للشارع فهناك دولة ومؤسسات، وإلا كانت الفوضى بديلا  قبل أن يختم حديثه لهم بأن المبالغة في التوجه للشارع دوما 'ربما تجعلكم تترحمون على عهد الرئيس السابق مبارك'.

 

 النقاش الذي دار خلال حديث مستشار الرئيس التركي تضمن أسئلة متعددة حول الدور التركي في منطقة الشرق الأوسط ولكن وفي مجمله كان يحمل إعجابا بهذه التجربة التركية التي تقوم كما قال مستشار الرئيس التركي على سياسة الرجوع.

 

 برنامج الزيارة المكثف لم يتح لأعضاء الوفد العربي التمتع 'بإستكانة' شاي تركي لا يخلو منها أي اجتماع فتمت مغادرة القصر الجمهوري بشكل سريع لم يتح فرصة التمعن في تفاصيل هذا المبنى الأنيق الذي لم نرصد خلال زيارته أي مظاهر للعسكرة، فأفراد الطاقم الأمني رجالا ونساء كانوا يرتدون ملابسا عصرية أنيقة لا توحي بأننا نتواجد  في مقر الحكم في جمهورية طالما لعب العسكر فيها دورا محركا ومسيطرا في السياسة  قبل تبدأ حكومات حزب العدالة والتنمية  بتقليم مخالب العسكر بإصلاحات ناعمة ولكن مؤثرة.

 

 .

 بشكل استثنائي جدا تم السماح للزميل داهم القحطاني بإعتلاء المنصة التي يتحدث منها الرئيس التركي عبدالله جول

 

هكذا يرى الأتراك الشعوب العربية

 في بحث قامت به مؤسسة الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تركيا (سيتا) عن الصورة النمطية للعرب في تركيا يكشف عن حقائق جديدة على الأرض لم تكن شائعة من قبل ولهذا كان من المهم تسليط الضوء على هذا البحث القيم الذي وزع على أعضاء الوفد العربي.

 

 واكتسب هذا الاستبيان الأهمية لأسباب أربعة:

 

 - لا توجد دراسة قبل هذا الاستبيان تبين ما هي الصورة النمطية التي تتشكل في تركيا عن العرب وعن الكيفية التي ينظر بها الرأي العام التركي للمجتمعات العربية وللحضارة العربية، وما هي الجذور لنمط التفكير في الشارع التركي عن العرب.

 

-الأتراك والعرب لديهم نقاط مشتركة اقتصاديا وثقافيا وتاريخيا، كما أن لديهم اهتمامات استراتيجية في الشأن الديني، كما أن هناك دول مقربة للأتراك كالمملكة العربية السعودية بسبب الحج، إضافة إلى معدلات التجارة تتزايد بين تركيا والعالم العربي ما نتج عنه وجود مستثمرين عرب في تركيا وتواجد آلاف العمال الأتراك في عدد من الدول العربية.

-تركيا وحلفاؤها من الدول العربية كانوا لاعبين مهمين في قضايا المنطقة وتقع عليهما مسؤولية مهمة في التعامل مع التحديات التي يواجهها العالم الإسلامي في عصر العولمة، والعلاقات بينهما لعبت دورا كبيرا في مواجهة قضايا عدة كالحرب في العراق والصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومخاطر الإرهاب وتداعيات الملف النووي الإيراني.

 -تركيا تضع أهمية كبيرة على منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية في وجود علاقات متقدمة مع الدول الشرق أوسطية والدول الإسلامية، وفي هذا الصدد وقعت تركيا اتفاقيات مهمة مع العراق وسوريا والسعودية ودول الخليج خلال السنوات الأخيرة كما أن تركيا أبدت منذ العام 2007 عدم ترحيبها بالسياسات الإسرائيلية، وتمثل ذلك في استضافة تركيا لوفد من حركة حماس لإظهار التعاطف كما أن 25 نائبا تركيا قدموا استقالتهم من لجنة الصداقة البرلمانية التركية الإسرائيلية احتجاجا على الحرب الإسرائيلية على لبنان وفلسطين إضافة للنقد الشديد الذي وجهه رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان لإسرائيل بسبب الحرب على غزة.

 

 ولهذا كله يكتسب هذا الاستبيان أهميته نظرا للقضايا المرتبطة به وللآمال المترتبة على فهم أفضل للعلاقة بين تركيا والدول العربية.

 

 وركز الاستبيان في أسئلته على الخلفية التاريخية لتحديد السبب في تشكيل الصور النمطية كما تطرقت الأسئلة إلى ما تتضمنه الكتب المدرسية والمناهج من صور نمطية عن الآخر، وإلى ما تعرضه وسائل الإعلام التركية والسينما التركية من صور نمطية للعرب وفقا للأيدلوجية التي تتبعها كل وسيلة إعلامية، وناقشت الأسئلة نظرة المواطن التركي العادي إلى العرب عبر استبيان أجري في مناطق تركية متعددة شمل نحو ثلاثة آلاف شخص.

 

 وكان مهما قبل عرض نتائج هذا الاستبيان معرفة خلفية عن العلاقات التركية العربية والصورة النمطية التقليدية ومقارنتها بنتائج هذا الاستبيان.

 

 تاريخيا العرب والأتراك يربطهما تاريخ طويل ذو جذور عميقة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا خلال قرون عديدة، ولكن طبيعة هذا التاريخ والعلاقات تأثرت خلال مرحلة بناء الدولة القومية ولهذا ركز الاستبيان على تأثير تلك المرحلة على الأسلوب الذي أطرت فيه الصورة النمطية للعرب في تركيا.

 

 كما لفت الاستبيان الانتباه الى أهمية الدور الذي لعبته العلاقة التركية العربية خلال قرون الامبراطورية العثمانية في تشكيل الصور النمطية عن العرب في المجتمع التركي.

 

 مؤسسو الجمهورية التركية حسب الاستبيان اعتبروا أن الحركة القومية للعرب أي الثورة العربية الكبرى هي الفعل الذي قرب نهاية الامبراطورية العثمانية، لهذا تم التعامل مع العرب كمختلفين وكخونة، ولهذا أصبحت الثورة العربية الكبرى خلال مرحلة التحول التركي للحداثة وسيلة دعائية للأيدلوجية الرسمية لتثبيت صورة نمطية سلبية عن العرب، كما صور أمير مكة الشريف الحسين بن علي كقائد للتمرد العربي الخائن.

 

ولهذا يبين الاستبيان أن سياسة الجمهورية التركية في تلك المرحلة تأثرت بهذه الأيدلوجية لفترة طويلة.

 هذه النظرة المعادية للعرب دعمها بشدة الكتاب الأتراك الذين تبنوا منهج جعل تركيا أقرب للغرب، ولهذا قدموا العرب بصور نمطية سلبية في المناهج الدراسية.

 

 وبين التقرير أن العلاقة بين تركيا والعرب خلال مرحلة الحرب الباردة تأثرت بالأيدلوجية التي اتبعتها تركيا للتحول إلى دولة غربية وبكونها عضوة في حلف الناتو، ولهذا تشكلت السياسة التركية تجاه العرب وفق هذا النمط ولهذا جوبهت تركيا عربيا  بسبب ذلك بمشاعر عداء وتحول الموقف العربي إلى سلبي تجاه تركيا.

 

 وأوضح التقرير أن العلاقات التركية العربية تضررت كثيرا بسبب اعتراف تركيا بإسرائيل العام 1949 لتكون بذلك الدولة الإسلامية الأولى التي تقوم بذلك، وعزز هذا الضرر غياب تركيا عن التصويت على مشروع قرار في الأمم المتحدة يقضي بالحكم الذاتي للجزائر العامين 1957و1958 بعد سنوات من الامتناع عن التصويت منذ العام 1954 عن إدراج قضية الجزائر في جدول أعمال الامم المتحدة.

 

وبين التقرير أن البعض يرى أن من الأوقات التي تضررت فيها العلاقات التركية العربية خلال الموقف التركي السلبي من أزمة السويس العام 1956 والأزمة في سوريا 1957.

 وشرح التقرير أنه ومع بدء الاعتراف التركي بإسرائيل فقد تدهورت العلاقات مع الدول العربية لتكون هذه العلاقة نقطة ساخنة واضحة بين الأتراك والعرب.

 

 التغيير الإيجابي في العلاقات التركية العربية حصل في ستينات القرن الماضي في ظل تغير النظرة تجاه العرب في السياسة الخارجية، وعلى سبيل المثال حصلت مظاهرات في تركيا رفضا لاحتلال إسرائيل لأراض فلسطينية العام ،1967 ولهذا ذكر التقرير أن سحب تركيا لسفارتها نتيجة لهذا الاحتلال أثر إيجابيا على علاقاتها مع العرب.

 

 وبين التقرير أن النقطة الأخرى التي تبين فيها تغير النظرة إلى العرب في السياسة الخارجية التركية كانت أزمة  النفط في سبعينات القرن الماضي حيث ذكرت هذه الأزمة تركيا مرة أخرى بالأهمية الاقتصادية والسياسية لتطوير العلاقات مع الدول العربية.

 

  وذكر التقرير أن العلاقات التركية منذ ثمانينات القرن الماضي ومنذ عهد الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال شهدت تطورات إيجابية وخصوصا مع السعودية ومصر ودول الخليج.

 

 ورأى التقرير أن صفحة جديدة فتحت في العلاقات التركية العربية منذ تولي حزب التنمية والعدالة الحكم أواخر العام 2002 حيث استبدلت الصورة النمطية القديمة للعرب في تركيا بأخرى بناءة وإيجابية وذلك على ضوء الحقائق الاجتماعية والسياسية الجديدة.

 

 وأوضح التقرير أن التقارب غير العادي بين تركيا وسورية، وتركيا والسعودية أعطى مؤشرا واضحا على أن تركيا هجرت السياسة الخارجية التي تقوم على صورة نمطية متحيزة.

 

 وبين التقرير أن من نتائج التحول النموذجي في العلاقات التركية العربية الارتفاع الظاهر في الاستثمار الاقتصادي للعواصم العربية وخصوصا الخليجية في تركيا وذلك نتيجة للعلاقات التركية النشيطة مع العالم العربي ونتيجة كذلك للزيارات المستحقة على مستوى الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الخارجية والتي كان لها أثر في جعل التطور الاقتصادي ذو أهمية في العلاقات بين تركيا والدول العربية، وفي جعل اسطنبول تتحول لتكون من أهم المراكز للعواصم العربية.

 

  كما ساهمت هذه الزيارات بإقناع ملوك ورؤساء عرب بأن المساعي التركية يجب ألا تكون من جانب واحد.

 

 وشرح التقرير الكيفية التي تشكل فيها الهوية في النظام التعليمي التركي والذي يتسم بتعزيز الهوية الوطنية والانتماء حيث يتم ذلك عبر معهد التعليم والمركز الوطني لمناهج التعليم. وكما هو الحال في بحث أي مجتمع حديث عن الهوية شعرت تركيا بالحاجة إلى 'ماضي'، لهذا حاولت انتقاء تاريخ محدد، ولهذا أعطى مؤسسو تركيا أهمية للتاريخ وللاعتماد على الأيدلوجية التي تبني الهوية وفي الوقت نفسه تحدد هوية معينة للعرب في المجتمع التركي.

 

 وذكر التقرير أن العلاقات التركية العربية صورت بأساليب متعددة في المناهج التعليمية التركية فأحيانا يقدم العرب كأصدقاء وأحيانا لا تقدم للعرب هوية محددة وأحيانا يقدمون كأعداء، وهذه التغييرات في الأساليب تحصل بطريقة مرتبطة بالنمط التاريخي والأيدلوجي في التحكم في كتابة التاريخ.

 

 وأوضح التقرير أن العرب كانوا يذكرون في الكتب المدرسية في المواضيع التي تتعلق بتاريخ الإسلام وبأول اتصال بين الأتراك والعرب وبقبول الأتراك للإسلام كما تصف الدور الذي قام به العرب لنشر الاسلام.

 

 ولاحظ التقرير أن كتب التاريخ المدرسية في تركيا كانت تصف الحياة الاجتماعية للعرب باستخدام وصف 'البدو' والذي يعود للعرب الرحل كما أن هذه المناهج تقول أن العرب عاشوا كقبائل من البدو الرحل التي تحضرت عن طريق التواصل مع قبائل أخرى متحضرة معظمها قبائل تركية.

 

 وذكر التقرير أن المناهج الدراسية التركية تضمنت صور إيجابية وسلبية للعرب في الوقت نفسه ومن السمات السلبية التي ذكرت عن العرب في المناهج الدراسية التركية من بين السطور الآراء التي تصف العرب بالإرهاب والقذارة وبأنهم مجتمعات ذكورية لا تحترم المرأة وبأنهم رحل وبدو ومتعطشين للعداوات الدموية وأنهم لصوص واستبداديين وظلمة.

 

 وجاء في التقرير 'أما الصور الايجابية عن العرب في الكتب المدرسية التركية فتمثلت في القول أن العرب مقاتلون ومناضلون أاشداء وبأنهم كرماء وأسخياء ويلتزمون بكلمتهم وأنهم يحمون أقاربهم والضعفاء'.

 

 وذكر التقرير أن من يقومون بكتابة الكتب المدرسية بدأوا ومنذ تسعينات القرن الماضي في تصويرهم للعرب بالاعتماد على التصورات الطبيعية بدلا من تأكيد الجوانب السلبية ما جعل ومع مرور السنين الخطاب والانطباعات عن العرب تصبح أكثر نعومة، كما أصبح تاريخ العرب يقدم بشكل إيجابي وهكذا حصل تحول ملموس من تقديم الصور النمطية للعرب بشكل سلبي إلى شكل طبيعي وإيجابي.

 

 وسلط التقرير الضوء على الطرق التي يمثل بها العرب في السينما التركية، إذ لم تقدم السينما التركية العرب بصورة نمطية معينة تتعلق بهم كأمة أو كشعوب فالأمر كان يعتمد على محتوى الفيلم أو على الانتماء الفكري والأيدلوجي للمنتج أو المخرج.

 

 وبين التقرير أن الجغرافيا العربية قدمت في الأفلام التركية من خلال مشاهد الجمال والصحراء والفتيات الراقصات والنوافير، ولم تتطرق تلك المشاهد إلى الحضارة العربية والهندسة المعمارية وإلى التطورات التكنولوجية في الحياة العربية وهكذا تم تقديم صور تقليدية عن الحضارة العربية الشرقية لتعزيز الصور المسبقة في أذهان الجمهور.

 

 ورصد التقرير ست صور نمطية للعرب بشكل عام في الأفلام التركية وفق الآتي:

 

  -شخصية نمطية تقدم العرب من خلال كونهم مسلمين قدمتهم الأفلام الدينية التركية كأبطال من خلال سرد القصص المدهشة عن الشخصية الإسلامية خلال مرحلة بزوغ وانتشار الإسلام والصورة النمطية عن العرب تقدم من خلال كونهم مسلمين والمسلم في هذه الأفلام قدم كشخصية طيبة في حين قدم الكفار على أنهم أشرار ووحشيون.

 

 -شخصيات نمطية تقدم العرب على أنهم خدم مخصيون وأنهم موالي وهذا النمط ضمنا كان يعطي انطباعا إيجابيا عن العرب!

 

 -شخصية نمطية تقدم العرب من خلال سياق تاريخي بوصفهم العرب الخونة، وقد تجسد ذلك في الأفلام التي تتحدث عن هزيمة العثمانيين في الأراضي العربية أمام البريطانيين وعن تواطؤ العرب مع البريطانيين خلال الحرب العالمية الأولى، ولكن وفي الوقت نفسه أشارت بعض الأفلام -وإن كان بشكل نادر- إلى العرب الذين حاربوا مع العثمانيين.

 

 -شخصية نمطية تجسد العرب في الأفلام التي أنتجت بعد ستينات القرن الماضي على أنهم رجال أعمال نفطيون وتجار أسلحة، وقد قدمت هذه الشخصية العرب بشكل سلبي وبأنهم مخادعون وجشعون ويشربون الخمر.

 

 -شخصية نمطية تقدم العرب الأغنياء في الأفلام التركية على أنهم مقربون للأتراك وذلك لتوضيح أن العديد من الأراضي العربية كانت جزءا من الأراضي العثمانية.

 

 -  شخصية نمطية تقدم العرب كضحية للغزو الاميركي للعراق.

 

 وبين التقرير أن الصور النمطية عن العرب في صناعة الأفلام التركية تتعارض مع بعضها البعض فمرة يوصفون بشكل سلبي ومرة أخرى بشكل إيجابي كما يتضح أن السينما التركية تأثرت بنظرة السينما الغربية للعرب على أنهم أغنياء نفطيون ومسرفون.

 

 ورصد التقرير الصور النمطية للعرب عبر الصحافة التركية، والتي تتضمن نحو 40 صحيفة يومية تطبع كلها مجتمعة خمسة ملايين نسخة فقط، ومن ضمنها صحيفتين تصدران باللغة الانجليزية، وهي صور تختلف في مساراتها وفقا للمحتوى والخطاب التحليلي المتبع.

 

 وبين التقرير أن منطقة الشرق الأوسط يتم تناولها في الصحف التركية ومنذ نهاية الحرب العالمية الأولى على اعتبار أنها أرض للحروب والأزمات وقد تمت مواصلة هذا النهج في التغطية خلال تغطيات الصحافة التركية للحروب العربية الإسرائيلية وللحرب بين العراق وإيران خلال حقبة الثمانينات من القرن الماضي وللغزو الاسرائيلي للبنان وأيضا للغزو الأميركي للعراق.

 

 وأوضح التقرير ترابط منطقة الشرق الأوسط بالحروب والأزمات في الصحف التركية يعود في جزء منه إلى المنظور البنيوي والإقليمي لهذه المنطقة في البناء المؤسسي لوسائل الإعلام التركية.

 

 وبين التقرير أنه ونتيجة لعدم أهمية التقارير عن منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للصحف التركية فلم يكن هناك مراسلون لهذه الصحف في المنطقة إلا في وقت الحروب والأزمات، الأمر الذي أدى إلى أن محتوى المعلومات التي ترد عن المنطقة العربية تم تأطيره بشكل عام على أنها منطقة نزاعات.

 

 وقال التقرير أن منطقة الشرق الأوسط تعد في أذهان أطقم التحرير وكتاب الزوايا والمعلقين في الصحف التركية منطقة نزاعات، كما أن الانطباع المهيمن لدى النخب السياسية عن المنطقة بأنها منطقة رثة ومستنقع لا مفر منه.

 

 وبين التقرير أنه وطبقا للصورة السائدة عن منطقة الشرق الأوسط في كبريات الصحف التركية من كونها منطقة توتر ونزاعات بحيث كان هناك نقاش يدفع بعدم ارتباط تركيا بهذه المنطقة، إلا أنه وفي ظل استمرار وضع العرب في صورة نمطية معينة لم يكن هناك تحيز دائم ضد العرب فالعوامل الأخرى مثل التحول في الأيدولوجيات والخصائص الثقافية التي لاحظها العالم في الصحف التركية وفي العلاقات بين تركيا والعرب سمحت بحصول تغييرات مع مضي الزمن.

 

 وذكر التقرير أن الصور النمطية للعرب في الصحف التركية خلال سبعينات القرن الماضي تشكلت بشكل واسع على خلفية التطورات في السياسة المحلية التركية وعلى علاقات تركيا بالعالم خصوصا بالدول العربية، فالصحف التركية حددت تغطيتها للعالم العربي بقضايا السياسة الخارجية في حين لم يحظ العرب بتغطية صحافية في الصفحات الاقتصادية والثقافية والفنية، إلا أنه كانت هناك استثناءات تمثلت في التغطية الإيجابية للأخبار المتعلقة بالمملكة العربية السعودية خلال سبعينات القرن الماضي، فالنغمة التي قدمت بها أخبار السعودية كانت مختلفة عن باقي الدول العربية لسببين جعلا صورة السعودية إيجابية في أذهان القراء الاتراك أولهما دور السعودية البناء خلال أزمة النفط، والسبب الثاني تعاون السعودية مع تركيا في الشأنين السياسي والاقتصادي.

 

 وأوضح التقرير أن ثمة تغييرات حصلت في التقارير الإخبارية المتعلقة بالعرب خلال ثمانينات القرن الماضي وفي عهد الرئيس الراحل تورغوت أوزال حيث قام في تلك الفترة رجال أعمال وصحافيون ومثقفون بزيارات متعددة لدول عربية ما جعل بعض الصحف التركية تهتم باستخدام مصادر محلية ومراسلين أتراك لتغطية الأخبار المتعلقة بالعرب بدلا من الاعتماد على مصادر غربية، وهذا كان تحولًا عن الصورة النمطية السلبية للعرب في وسائل الإعلام التركية.

 

 وبين التقرير أن العلاقة بين تركيا والعالم العربي مرت في مرحلة من الخلافات لأسباب محلية وتأثرا بالتطورات الدولية والتي أثرت على سياسات تركيا الأمنية ما جعل الصراع بين حزب الرفاه الإسلامي وحزب الطريق القويم في العامين  1996و1997 يؤثر سلبا على صورة العرب محليا إذ أنه وفي ظل الاهتمام الكبير الذي تبديه الحكومة التركية في علاقاتها مع العرب وتدعمه عبر زيارات رسمية تتم على مستوى عال كانت وسائل الإعلام تهتم بإثارة مواضيع تسيء لصورة العرب وتضع عناوين مثل 'البدو تمادوا' و'العرب تخلوا عن تركيا'! وكان هناك نقد شديد للمواقف العربية ومن ذلك كان النقد الشديد الذي وجهته وسائل الإعلام التركية لرئيس الوزراء السابق أربكان خلال زيارته إلى ليبيا حين بثت التقارير أن الرئيس الليبي معمر القذافي وجه لأربكان تعليقات محرجة حول السياسة المحلية والخارجية لتركيا حيث أعادت وسائل الإعلام التركية بث هذه التعليقات مرارا في التلفزيون الوطني وأدانت الحكومة لتركها من أسمتهم البدو يهينون الشرف التركي.

 

 وذكر التقرير أن وسائل الإعلام التركية بشكل عام قدمت خلال تسعينات القرن الماضي المجتمعات العربية بأنها مجتمعات سلبية ورجعية ومحافظة واستبدادية وقمعية، وتم تصوير العرب وكأنهم طرف في الجدل والنقاشات والمناظرات في تركيا، رغم أن العرب لا علاقة لهم بالتوتر في السياسة المحلية التركية المتعلق بالدين والسياسة والعلمانية وطبيعة النظام في تركيا، ما خلق من العرب تهديدا غير منطقي في تلك المرحلة.

 

 وبين التقرير أن هذه الصور النمطية التي سادت عن العرب خلال تسعينات القرن الماضي تغيرت إيجابيا مع ظهور حكومة حزب التنمية والعدالة بعد العام 2002 حيث اتبع الحزب سياسة نشطة لتحسين العلاقات مع العالم العربي ولهذا اعتبر قرار البرلمان التركي برفض طلب الولايات المتحدة السماح للقوات الأميركية في استخدام الأراضي التركية لغزو العراق في الأول من مارس 2003 أول مؤشر لنقطة تحول مدهشة في تغيير العلاقة بين تركيا والعرب ولهذا نشرت في تركيا تقارير عديدة ومقالات لمعلقين أتراك تحدثت بين السطور عن اتحاد الأتراك والعرب في أمة واحدة على قواعد الحضارة الإسلامية والتاريخ المشترك.

 

 وذكر التقرير أن تبادل الزيارات بين تركيا والدول العربية على مستوى عال وتوقيع اتفاقيات التعاون الاقتصادي والثقافي خلال هذه الزيارات خصوصا مع سوريا والعراق ودول الخليج ومع السعودية العربية وكذلك زيارة ملك السعودية العربية عبدالله بن عبدالعزيز لتركيا مرتين في العامين 2006و2007، كل هذا التعاون الاقتصادي والتحسن في العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية كانت من نتائجه تغطية واسعة لأخبار العالم العربي في وسائل الإعلام التركية.

 

 وذكر التقرير أن وسائل الإعلام التركية مع بعض الاستثناءات كانت تعتمد نهجا سلبيا لمعالجة النساء العربيات اللاتي يقدمن كمضطهدات ويعانين من السيطرة الرجولية وهي نظرة نمطية موحدة جعلت كل النساء العربيات في إطار واحد يتجاهل بروز النساء العربيات ككاتبات وممثلات وعالمات والسبب اعتماد وسائل الإعلام التركية على مؤلفات كتبت من كتاب عرب يتكلمون عن العنف والإرهاب الذي يمارس ضد المرأة العربية وهم يعيشون في أوربا والولايات المتحدة.

 

 وذكر التقرير أن الصورة النمطية للعرب في وسائل الإعلام التركية تحددت وفق عاملين:

 

 -أولا: هيمنة الخطاب السياسي المعتمد على الأيدلوجية الوطنية التركية وعلى شيوع المعرفة بالعرب مع ملاحظة أن الخطاب الشعبي التركي غير مستقل عن الخطاب السياسي المهيمن والمتعود على أبعاد العرب، وأن تأثير وسائل الإعلام التركية جعل العرب والدول العربية في صورة نمطية واحدة لا تقبل الاختلافات تستمد من كليشيهات محددة ومن انطباعات شعبية ولهذا يركز الخطاب الإعلامي على لاديمقراطية الدول العربية، وعلى المعتقدات الدينية والثقافية في المجتمعات العربية، وعلى حالة المرأة العربية وهي صفات سلبية غلب عليها طابع التعميم.

 

 -ثانيا: وسائل الإعلام التركية رفضت الاختلاف بين العرب ووضعتهم في مجموعة واحدة متجانسة وتعاملت معهم بنمط واحد، واستمدت الصورة النمطية عنهم من معرفة هذه الوسائل عن البنية السياسية للدول العربية بأنها نظم قمعية وجاهلة وغير ديمقراطية.

 

 وذكر التقرير أنه ولمعرفة الرأي العام التركي حول العرب تطلب الأمر إجراء استطلاع رأي خاص إذ أنه وإلى اليوم لا يوجد استطلاع رأي واسع أجري في تركيا حول الموضوع ولهذا تم استطلاع شامل للرأي خلال شهر يناير 2008 لنحو ثلاثة آلاف وأربعين شخصا تجاوزوا سن الثامنة عشرة في أربعين مدينة في أربعين منطقة متحضرة وريفية في تركيا.

 

 وفي قراءة لنتائج الاستطلاع بين التقرير أن نحو 39 في المئة من الأتراك يحملون انطباعات سلبية عن العرب في حين يحمل نحو 32 في المئة انطباعا إيجابيا ولا يحمل نحو 20 في المئة أي انطباع محدد ولم يقرر 7 في المئة رأيا محددا.

 

 ولاحظ التقرير أن هناك علاقة بين هذه الانطباعات وأعمار المشاركين في الاستطلاع، فكبار السن من الأتراك لديهم انطباعات سلبية عن العرب أكثر من صغار السن، كما أن الانطباعات السلبية عن العرب تكون أكثر لدى المتعلمين والمهنيين المحترفين وكذلك لدى الرجال أكثر من النساء.

 

 وبين التقرير أنه وفقا لكل دول عربية على حدة حصلت مصر على الانطباع الإيجابي الأكبر بنسبة 42 في المئة ثم السعودية بنسبة 41 في المئة ثم فلسطين بنسبة  38في المئة فاليمن وسوريا والأردن والمغرب والكويت وعمان والإمارات ولبنان والجزائر والسودان وليبيا والصومال والبحرين وقطر والعراق فموريتانيا.

 

 وهذه النتائج وفقا لكل دولة على حدة :

 

 مدى الانطباع الإيجابي عن العرب لدى الأتراك وفقا للنسبة المئوية:

 

  

 

 

الدولة

 

إيجابي

 

لا ايجابي ولا سلبي

 

سلبي

 

لم يحدد

 
          

البحرين

 

22.9

 

18.4

 

16.2

 

42.5

 
          

الإمارات

 

28.9

 

20.6

 

22.5

 

28.0

 
          

الجزائر

 

28.5

 

21.5

 

23.8

 

26.2

 
          

المغرب

 

31.4

 

20.8

 

20.8

 

27.0

 
          

فلسطين

 

38.2

 

17.6

 

25.7

 

18.5

 
          

العراق

 

2204

 

19.2

 

43.6

 

14.8

 
          

قطر

 

22.6

 

20

 

22.6

 

34.8

 
          

الكويت

 

29.9

 

20.7

 

23

 

26.4

 
          

ليبيا

 

28

 

21.8

 

25

 

25.2

 
          

مصر

 

42.7

 

21

 

17.2

 

19.1

 
          

الصومال

 

27.7

 

19.3

 

20.4

 

32.6

 
          

السودان

 

28.5

 

20.6

 

19.7

 

31.2

 
          

سورية

 

37.1

 

19.7

 

25.3

 

17.9

 
          

السعودية

 

41.5

 

19.1

 

24.1

 

15.3

 
          

تونس

 

34

 

21.2

 

18.6

 

26.2

 
          

عمان

 

29.1

 

20.3

 

18.8

 

31.8

 
          

الاردن

 

34.8

 

20.3

 

18.1

 

26.8

 
          

اليمن

 

37.9

 

19.3

 

16.9

 

25.9

 
          

 

 

 وذكر التقرير أن المشاركين في الاستطلاع يرى 43 في المئة من الأتراك أن العرب أفضل من الأوربيين والأمريكان، منهم 23 في المئة يوافقون بشدة في حين يوافق 19 في المئة بشكل عام في حين يرفض ذلك 15.4 في المئة ويرفض ذلك بشدة 17.3 في حين لم يحدد 22.1 في المئة موقفا.

 وفي الاتجاه نفسه كشف الاستطلاع أن 64.8 في المئة من المشاركين فيه لديهم انطباع سلبي عن الأمريكان في حين أن 13.8 في المئة فقط لديهم انطباع إيجابي عن الأمريكان.

 

 أما بالنسبة للانطباع عن الأوربيين لدى الأتراك  فيبدو حسب الاستبيان أن هناك انقساما، فبينما يتشكل لدى 36.6 في المئة انطباعا إيجابيا تشكل لدى 35 في المئة من الأتراك انطباعا سلبيا.

 

( غدا مشاهدات ولقاءات أخرى في مقر البرلمان التركي ومقر مجلس الوزراء التركي وتركيز على مستقبل منع الحجاب في تركيا ) 

 الحلقة الثانية أضغط هنا

 

شخصيات سياسية وبرلمانية وأكاديمية شاركت في الرحلة السياسية :

- عضو البرلمان المغربي النائب الدكتور سعد الدين العثماني ,المملكة المغربية .
- عضو البرلماني المغربي النائب حسن علاوي ,المملكة المغربية.
-عضو البرلمان الجزائري النائب فيلالي غويني ,الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية .
- رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الاصلاح اليمني في البرلمان اليمني النائب الدكتور عبدالرحمن بالفضل ,الجمهورية اليمنية .
-الدكتوره ابتسام الكتبي استاذه في قسم العلوم السياسية جامعة الامارات ,دولة الامارات العربية المتحدة.
- الكاتب والمدون والمحلل السياسي ونائب نقيب الصحافيين والمراسلين سابقا , ورئيس مركز عبدالله السالم للدراسات السياسية سابقا داهم القحطاني , دولة الكويت .
- أمين عام حزب الوسط المهندس محمد السمان ,جمهورية مصر العربية.
- رئيس وحدة الدراسات المصرية برنامج التحول الديمقراطي في مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو هاشم ربيع , جمهورية مصر العربية .
- رئيس اللقاء العلمائي في لبنان شيخ الدين الشيعي الأستاذ عباس الجواهري ,الجمهورية اللبنانية .
- استاذ التاريخ واللغة التركية في الجامعة اللبنانية ورئيس تحرير مجلة الشرق الأوسط وتركيا الدكتور محمد نورالدين ,الجمهورية اللبنانية .
- عضو كتلة الاصلاح والتغيير ( تكتل ميشيل عون) و استاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت عضو مجلس النواب اللبناني الدكتور فريد الخازن ,الجمهورية اللبنانية .
- الكاتب والمفكر السوري عمر قوش , الجمهورية العربية السورية .
- رئيس المكتب السياسي وعضو المكتب التنفيذي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن ومدير مركز الامة للدراسات والأبحاث الدكتور رحيل الغرايبة , المملكة الأردنية الهاشمية .
- المدير العام لمركز القدس للدراسات السياسية الأستاذ عريب الرنتاوي , المملكة الأردنية الهاشمية .
- المديرة التنفيذية لمركز القدس للدراسات السياسية هالة سالم , المملكة الأردنية الهاشمية .
- القيادي في الحركة الإسلامية واستاذ الشريعة الإسلامية النائب السابق في البرلمان الأردني الدكتور محمد الحاج , المملكة الأردنية الهاشمية .
- رئيس كتلة التجمع الديمقراطي في البرلمان الأردني النائب حازم العوران , المملكة الأردنية الهاشمية .
-الباحث الزائر في المركز الفرنسي في الشرق الأدني والكاتب الدكتور يحي الكبيسي , جمهورية العراق .
- عضو عضو المكتب السياسي للحزب الاسلامي العراقي الدكتور ( أخوان مسلمون) الدكتور عمار وجيه جمهورية العراق .
- مؤسس حزب الإصلاح والتنمية الأستاذ الحبيب بو عجيلة , الجمهورية التونسية .
- نائب رئيس كتلة حماس البرلمانية عضو المجلس التشريعي الفلسطيني الدكتور يحيى العبادسة , فلسطين .
-عضو لجنة المنظمات في البرلمان العراقي وعضو دولة إئتلاف القانون النائب صادق اللبان , جمهورية العراق .
- عضو المجلس البلدي في الإحساء المحامي عبدالرحيم بو خمسين , المملكة العربية السعودية .
- المشرفة الإدارية لانا ناصر , مركز القدس للدراسات السياسية , المملكة الأردنية الهاشمية .

- المشرفة الإدارية ساندرا أبو ريان , مركز القدس للدراسات السياسية , المملكة الأردنية الهاشمية . 

أنقره- من داهم القحطاني

تعليقات

اكتب تعليقك