افتتاحية القبس تتهم الحكومة بسوء الإدارة المستفظع وغياب الرؤية والبرنامج
زاوية الكتابكتب أكتوبر 13, 2011, 1:07 ص 1913 مشاهدات 0
القبس
قضية القبس اليوم
جريمة موصوفة
لا شك في أن الإدارة العامة الآن، في خضم فوضى عارمة لم تشهدها الكويت من قبل، فإلى جانب الأزمة السياسية الخانقة، هناك تخبط هائل في قضية الرواتب والكوادر، حتى انفلتت الاضرابات من عقالها وعمت كل المرافق العامة بلا استثناء.
رب قائل، كيف لشعب أن ينفجر طلباً للزيادات بعد أشهر قليلة من منحة أميرية مليارية، أثارت حسداً في كل دول المنطقة، بالنظر إلى كرمها وحسن توقيتها، عندما كان الشارع العربي يغلي بمطالبات معيشية واقتصادية؟
كيف لموظفين حصلوا على زيادات رواتب بنسبة %20 سنوياً بالمتوسط العام منذ 2003.. وها هم اليوم يضربون ويعتصمون ويهددون ويتوعدون؟!
كيف يمكن تبرير هذا الغضب، إذا علمنا أن متوسط رواتب الموظف الحكومي الكويتي يزيد على كل المتوسطات المماثلة في الدول الصناعية والمتقدمة الكبرى، كما أكد تقرير طوني بلير وتقارير دولية أخرى؟
كيف يطالب الناس بالمزيد ومتوسط الدخل معزز بقيمة 4 مليارات إلى 5 مليارات دينار سنوياً، تنفق على دعم السلع والخدمات الأساسية على نحو قلّ نظيره في العالم أجمع؟
كيف يمكن تبرير كل هذا النهم، إذا علمنا أن متوسط دخل الفرد في الكويت يضاهي مثيله أو أكثر في الإمارات وقطر ويزيد على متوسطات السعودية وعُمان والبحرين؟
بين التفسيرات الممكنة ما يمكن سرده كالآتي:
أخطأت الحكومة خطأً جسيماً عندما عالجت مطالب قطاعية بترضيات قصيرة النظر، إذ انها لم تتنبه إلى بديهية جرَّها إلى لعبة مساواة عمياء هنا وهناك، بغض النظر عن الإنتاجية والاحقية. فعندما أقرَّت كوادر هنا وزادت رواتب هناك، أسالت لعاب كل البقية الباقية، حتى وقف الجميع في الطابور طلباً لخيرات علي بابا التي توزع بلا سؤال.
خلقت الحكومة تشوهات هيكلية في سلم الرتب والرواتب، عندما ذهبت في استنسابية العطاءات وعشوائيتها في عدد من القطاعات والمرافق، متناسية قطاعات ومرافق أخرى، تلك التشوهات أثارت غضبا مبرراً حيناً، وغيرة وحسداً أحياناً أخرى كثيرة، حتى بتنا اليوم في ما يشبه مزاداً علنياً يفوز به من يصرخ أفضل ومن يبالغ اكثر.
ومن شرّ البلية المضحك، تزامن تشكيل لجنة استشارية اقتصادية، أول أهدافها ترشيد الانفاق الجاري.. فإذا بوزارة النفط ترفع الرواتب على نحو مفاجئ وبسخاء غريب، دفع كل موظفي القطاع العام إلى طلب المعاملة بالمثل.. وهكذا تكون أعمال اللجنة قد ذهبت ادراج الرياح، في تناقض لا يوجد إلا في الكويت، بين رغبة سامية اصلاحية ورغبة حكومية ترقيعية لا تعرف معنى للاصلاح.
ضربت الحكومة عرض الحائط بكل توصيات البنك الدولي ومجلس الخدمة المدنية ورأي غرفة التجارة والصناعة ورأي اتحاد المصارف.. وراحت تقدم الوعود تلو الوعود والتنازلات تلو التنازلات، حتى شعر الجميع ان الفرصة سانحة ولا تعوض ابداً، فانهالت المطالب حتى بلغ سيل الإغداق المجاني حداً يمكن معه لأي موظف ان يطلب ما يريد وهو مطمئن إلى تلبية رغباته الثمينة.
مع انفجار فضيحة الايداعات المليونية لعدد من النواب المحظيين، انفجر أيضاً غضب الشارع من هكذا «بذخ».. حتى ان البعض جزم بأنه هدر للمال العام، فإذا به يطالب بنصيبه من هكذا كرم حاتمي مليوني بامتياز، وكيف للحكومة ان تقنعه بعكس ذلك؟! وكيف لمجلس الأمة ألا يقف منتصراً لمطالبه «المشروعة» في سوق نخاسة باهظ بكل المقاييس؟
ان فشل الحكومات المتعاقبة في خلق فرص عمل خارج الوظيفة العامة، بالإضافة إلى خوفها وترددها، ثم كرمها مع الموظفين (لا سيما غير المنتجين منهم)، في سعي لشراء الود، والتأييد والشعبية، ولو مؤقتاً، أو لمعالجة أزمة ولو على غير أسس علمية، وهي لا تحرص على الاقتصاد والثروة الوطنيين، جعل القطاع الخاص على مقعد المتفرجين بحسرة بالغة، وهو ينظر كيف يدهم الخطر كل الدولة، التي باتت مصرفاً ينفق ايرادات النفط على غول شره في دارها، لا تكفّ عن اطعامه حتى بات كبيراً ومفترساً ولا رادّ لأي طلب من طلباته.. ولا عزاء للاقتصاد والإنتاجية والتنافسية وكل مفردات الاصلاح الحقيقي الذي بات في خبر كان مع هكذا حكومة، لا همَّ لها إلا الترضيات على حساب المال العام.
تبقى الإشارة إلى أن كل ما سبق لا يدل إلا على سوء إدارة من النوع المستفظع.. فلا رؤية ولا برنامج ولا تخطيط ولا بُعد نظر ولا استراتيجية هادفة.. كل ما في الأمر الآن هو تناتش لإيرادات البرميل حتى آخر رمق، وتهافت على المغانم حتى آخر غنيمة، وشراء ولاءات على حساب الوطن، أََوَليس في ذلك جريمة موصوفة يا ترى؟!
تعليقات