عن أوجاع الذمة..وألغاز المال واستسهال المخالفات الأخلاقية والمعنوية نيابيا، يكتب عبدالله بشارة
زاوية الكتابكتب أكتوبر 17, 2011, 12:55 ص 1252 مشاهدات 0
الوطن
أوجاع الذمة..وألغاز المال
عبدالله بشارة
كنت من المحظوظين في حضور افتتاح دار الأوبرا السلطانية في مسقط، مساء الأربعاء 12 أكتوبر الجاري، وسط حشد من كبار السياسيين ونبلاء أوروبا ومحترفي السياسة وأعيان الخليج وأمرائهم، في جو من الأبهة والدقة وروعة التنظيم.
خرجت علينا فرقة الاستعراض الايطالية في قصة مبنية على ألغاز ومحبوكة بالدراما، شدت أعصاب المشاهدين حيث كانت الأميرة الجميلة ابنة امبراطور الصين تشترط على من يريد الزواج منها ان يفك ثلاثة ألغاز فإذا نجح في ذلك تقبل الزواج منه، وإن فشل فعليه قبول حكم الإعدام، فالشروط صعبة، فمن الذي يغامر بالدخول في مسابقة هو أقرب منه إلى الموت من قلب الأميرة الحسناء.
كان المشاهدون يتابعون بحالة من التوتر مشدودين لمعرفة الألغاز، في قاعة توحي بالخيال الواسع، وفي صمت مطبق، تتابع أعينهم غموض مصير المتنافسين..
ذكرتني الرواية الخيالية بحالة المشهد السياسي الكويتي الذي يتسيده الشك والغموض في محاولاته لفك ألغاز الملايين التي تسللت الى حسابات بعض النواب مما دفع بعض البنوك الى تحويلها الى النيابة العامة بعد ان تجاوزت حدود الضخامة المقبولة، وسببت هذه الحادثة الروائية الملاينية في فتح أبواب الاتهامات وتبادل اللوم بين النواب مع محاولة التبرئة بخلط الأوراق وتمييع الزخم.
والنواب الحاليون، البريء وغير البريء، على ادراك تام أن سمعة المجلس ومصداقيته وشرعيته كلها أمام امتحان صعب ليس من السهل تجاوزه، فالواقع ان المجلس فقد شرعيته الأخلاقية، وفقد حقه في التشريع، وفقد صورته وكامل هيبته، وليس أمامه الآن سوى ان يقدم براءته وشهادة نظافته وحسن سلوكه وطهارة ضميره واذا لم ينجح في ذلك، فعليه ان يتحمل ما سيصيب التجربة الديموقراطية من أذى، ستتحمل نتائجه أجيال قادمة.
ولم يتأخر المواطنون في أحاديثهم عن الاصرار على ضرورة كشف الحقائق بدون مساحيق، فقد وصل حجم الشك في ان المجلس غير مؤهل ان يلتقي في آخر هذا الشهر في افتتاح رسمي برعاية أميرية سامية، وأن القسم الذي ردده النواب وبحماس لالتزام مسؤوليات التمثيل النيابي تلوث بفعل النواب وبأياديهم، وبضمير أتلفه الخراب والفساد، فبأي حق يمارس المجلس عمله ويواصل مسيرته وكأن كل شيء بالتمام والكمال، بعد ان فقد المجلس سلطة القيم وانحدر في ذمته المحروقة الى حد الاخفاق في التجربة الديموقراطية، ووضعها على مقصلة الاتهام والاعدام.
مشكلة الكويت البرلمانية تكمن في استسهال المخالفات الأخلاقية والمعنوية وجهلها بالتزام السلوك السياسي النظيف، واعتمادها في ارضاء الناخبين على الحكومة وعلى السلطة التنفيذية فيما تقدمه من تسهيلات للنواب لينضموا الى ركب المؤازرين.
كانت العطاءات في السابق مقبولة في حدود الدولة الرعوية التي تملك كل شيء، وعليها يعتمد المجلس في العمل والتعليم والصحة والحياة كلها، لكن الاقتناع البرلماني الحالي لم يعد يقبل التسهيلات وانما تحولت العطاءات الى دنانير ومن حزمة ضعيفة ومتواضعة الى ملايين، وفي بيئة برلمانية لا تحاسب النائب وتوفر له كل الامتيازات بما فيها ملاحقة الوزراء وتعنيفهم لاستخراج الاسترضائيات المالية والخدماتية مقابل الصمت عن المساءلة والمؤازرة عند الشدة.
نحن في دولة رعوية أبوية ليس فيها من يدفع ضريبة أو يساهم في تنمية وطنية مؤثرة، والقطاع الخاص فيها يعاني ضعف في الادارة الحكومية وغياب في الارادة، ومشاريعها التنموية معطلة.
فالمواطن في الكويت يريد الديموقراطية بدون ان يتحمل تبعاتها، ويريد نظافة برلمانها دون ان يجرؤ على معاقبة نواب التلويث والتخريب، ويريد ان يجادل بصوت عال وينتقد بمرارة دون ان يستقيظ من حياة الكسل والتدليل.
كان الرئيس الأمريكي الثالث الرئيس جفرسون Jefferson، يردد ان الديموقراطية حق لمن يدفع No Representation without Taxation، وصار هذا الشعار هو محور الديموقراطية الأمريكية، فاذا بالغ الرئيس في مصاريف، لاحقته تهم الاسراف من مال المواطنين.
والمشكلة في الكويت ان كل ما حولنا في المنطقة تغير وتبدل، من أحوال مصر الى العراق وأحوال الخليج، ويتم ذلك انسجاما مع التحولات العالمية، لكن نواب الكويت وسلوكياتهم والتزاماتهم ومفاهيمهم للعمل البرلماني بقيت بعيدا عن أي مسعى لاجراء تقييم في حجم التزام القسم الذي ردده النواب، مع تأكيد ان أهلية النائب في نظافته ونزاهته فقط وليس في مؤازرته أو في استحقاقات هذه الموالاة، وأن حصانة النائب هي امتياز لتسهيل عمله في المساءلة وحماية بنود الدستور وصون الوطن وأمواله العامة ودعم تطبيق القانون وحمايته، وليس في الغارات البرلمانية على وزارات الحكومة، أو في التأييد الحماسي لمواقف الحكومة.
لم تمارس المؤسسات الدستورية في الكويت دورها في التشدد في التقليل من ارتكاز النواب على الظاهرة القبلية والطائفية البرلمانية، والتأكيد على أنها تتعارض مع معاني القسم الذي تلاه النواب صونا لوحدة الكويت وحفاظا على استقرارها السياسي والاجتماعي وتأمينا لقوتها الداخلية.
ويتساءل المواطنون عن نوعية الحقبة البرلمانية القادمة في ضوء الاكتشافات المرضية البرلمانية وعن شخصية المرحلة البرلمانية القادمة وجودتها في تقديم النائب المثالي النظيف والملتزم نصوص العهد، مع تصاعد الاقتناع الشخصي بأن يتحقق ذلك اذا مارس الناخب حقه في المساءلة في فضح نواب المسكنات المالية والمخدرات السياسية الذين تتحدث عنهم البنوك ووسائل الاعلام.
في الأسبوع الماضي تعرض وزير الدفاع البريطاني اسمه د.فوكس Dr.Fox، لنقد لاذع من البرلمان والاعلام لأنه سمح لصديقه تاجر السلاح بالتردد على مكتبه في وزارة الدفاع البريطانية، فاضطر الوزير فوكس الى القاء بيان اعتذار في البرلمان البريطاني يتضمن نقدا ذاتيا حادا لأنه في تقديره خلط بين الصداقة والعمل، ولم يشفع له هذا الاعتذار واضطر الى الاستقالة بضغط من الناخبين.
هذا النوع من المساءلة تحتاج اليه التجربة البرلمانية في الكويت، فالنائب الذي يذعن لبريق المال لا يستحق البقاء، والوزير الذي بدوره يستسلم لتهديد النائب، غير جدير بالبقاء، فالبقاء فقط لمن يتحصن بالدستور ولمن يقدس القسم.
المهم الآن رسم جديد لخريطة العمل السياسي المستقبلي في الكويت يقوم على الاعتراف بنهاية عصر نواب المسكنات والمهدئات المالية، وعصر نواب التكتلات القبلية والفئوية والطائفية، وأن المستقبل لنواب الالتزامات الأخلاقية والمواقفية، والمدافعين عن الحصانات الدستورية، المستعدين لفضح التخريبات وسحب الغطاء عن النواب الذين ينتصرون للفشل والاخفاق والذين تسكتهم اللفات الغليظة من الدنانير.
وإلى أن نصل الى تلك المرحلة، تبقى حقيقة بارزة ستواجه النواب في آخر الشهر الجاري، في استفسار عن كيفية الوقوف أمام شاشات ساطعة تشاهدها ألوف من المتابعين، في ظل الشكوك المتراكمة عن ذمم خاربة وسلوكيات خائبة.
تعيش الكويت في حالة من الترقب والشد وفي مناخ من الألغاز مع انتظار لفك طلاسم الملايين في استذكار لرواية الأوبرا السلطانية التي قوامها الشطارة في كشف الأسرار..
والخلاصة أن من يريد طرح الثقة في رئيس الوزراء عليه ان يأتي بذمة عفيفة وأياد نظيفة..
عبدالله بشارة
رئيس المركز الدبلوماسي للدراسات
تعليقات