إستقالة وزير خارجية الخليج العربي:
عربي و دولياحتج على الفساد، وعزز التقارب الخليجي وثبّت دور الكويت العربي
أكتوبر 26, 2011, 12:34 ص 5081 مشاهدات 0
يعني الانضباط 'Discipline' القدرة على التحكم في النفس،وترويضها بالبعد عن الأهواء. ذلك الانضباط هو الذي جعل الشيخ د.محمد صباح السالم الصباح لايتطرق في أحاديثه لقضايا السياسية المحلية في وسائل الاعلام منذ ان حمل حقيبة الخارجية 2006م. لأن في ذلك تشويه لطبيعة الالتزامات التي يفرضها المنصب .لكن اتّساع مساحة التيقن لديه من أن الاخطار الداخلية التي تواجه الكويت أعظم من الاخطار الخارجية،جعلته يطلب باستقالته سرعة تشخيص طبيعة ومكامن الالم في شرايين وطنه الكويت. فالمسألة لم تكن مفاضلة بين الانضباط المهني،والتحلل منه، بقدر ماهي خيارين بين الخطأ والصواب. وحتى لا أغرق في المقدّمات،أستطيع القول انه كان ساخطا على معالجين بقوا بموجب ديناميات الفساد خارج قيود المحسابة،رغم وضوح مسؤوليتهم عن تردي الحالة التي بين يديهم،وهذا ما دفعه للقول (يجب محاسبة أي شخص متورط في الفساد أيا كان ومهما علا شأنه).رحل الشيخ محمد كما يرحل الكبار بسلاسة وهدوء الدبلوماسيين، فقد سلم محتويات حقيبة الخارجية لوزير جديد ولجيل من مخرجات المعهد الدبلوماسي الذي أسسه قبل سنوات.ورحل كما يرحل الرجال الرائعون دائما، تاركا صدى كلماته كناقد لا كحاقد.
كان الوزير محمد قامة دبلوماسية خليجية لاتخطئها عين، فبعد تراجع البعد العربي في السياسة الخارجية الكويتية جراء خيبة أملنا في نظام الامن العربي بعد الغزو،ألتوينا بخليجيتنا،وتذرينا بهياكل مجلس التعاون السياسية والاقتصادية والدفاعية. كان خليجيا في المقام الاول ،فمد يد الخليج لآسيا و لأوروبا لحاجتنا لقيم التطور الاقتصادي والصناعي هناك. كما كان الشيخ محمد الاكاديمي خريج هارفارد خليجيا في موقفه من مفردة الخليج وقوله(هو خليج عربي بالنسبة لنا و فارسي بالنسبة للايرانيين) مما جعله هدف لحملة مسعورة دعا فيها موقع (تابناك) الايراني الاخباري طهران لإعلان الكويت المحافظة 29 بإسم (كويتايران) نكاية بمحمد وتصريحه. كما كان خليجيا في تعامله مع ملف الجرف القاري بين ايران والكويت والسعودية،و أعتبر المماطلات الايرانية شوكة في خاصرة العلاقات المتبادلة. و كان خليجي الصوت ساخط على غطرسة حكومة نجاد مؤنبا أياها على التصرف بغير حكمة حيال شبكة التجسّس في الكويت.وبتدخلها في الشأن البحريني، عبرخطوة لم يفعلها وزير خارجية خليجي آخر حيث ذهب لتفقد القوة البحرية الكويتية هناك،وقال:انه لشرف عظيم لي أن أكون معكم.ونحن فخورون بالعمل الذي تقومون به. أما موقفه ولغته حيال قضية الجزر الاماراتية في مجلس التعاون وفي الامم المتحدة فقد جعلته هدفا للاساءة وجعلت الكويت هدف للتهديد أكثر من مرة، ومن ذلك هجوم النائبين في مجلس الشورى الايراني حشمت الله بيشه وحسن كامران عليه بشراسة ،مما يدل على حجم وقوة ما قاله. كما كان خليجيا في دعم المملكة العربية السعودية حين طردت فلول المتسللين الحوثيين 2009م،فقد أنجزت الكويت حينها الاستراتيجية الدفاعية الخليجية،ودفعت بتشكيل لواء التدخل السريع. وفي زمن علو الصوت الخليجي في الربيع العربي كان هو الصوت الخليجي الاول ضد طغيان نظام دمشق،أعقبه بيان مجلس التعاون الذي أستقى مفرداته من كلمات د.محمد الصباح. و آمن الشيخ بضرورة ان يكون للخليجيين دور أكبر في عمل الجامعة العربية،وتحقق له مسعاه،وتم تعيين أكثر من دبلوماسي خليجي في مكاتب الجامعة في أوروبا . كما آمن د.محمد الصباح بالعمل الخليجي في أعلى أهدافه فتم تحت رعايته إفتتاح مؤتمر وحدة الخليج في يناير2010م،بل والقى الكلمة الرئيسية فيه.كما آمن بأن الكونفدرالية الخليجية خطوة مستحقة. وشدد على أمن الخليج ،فقلقنا كما صرح مرة ﻟﻴﺲ ﻣﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻠﻖ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ، قلقنا ﻣﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻌﻴﺸﻪ. وقد يقول البعض إن من مهام عمله كوزير للخارجية ان يصرح بما ذكرنا لان ذلك هو موقف دولة الكويت،ونقول: إن روسيا وفي تلاعب دبلوماسي بالالفاظ ولتحاشي القول انه قد القي القبض عليه ثم قتل، قالت 'إن القذافي قد انتهى هروبه .' فهل كان د.محمد الصباح مرواغا في تصريحاته متدثرا ببرود المفردات الدبلوماسية أم كان أوضح رجل يضع النقاط على الحروف ويسمى الاشياء بأسمائها ؟
ذات يوم من سبتمبر أخرج بوصباح من علبة فاخرة في مكتبه سيجار كوبي، وقال تعال خارج المكتب فأنا الذي وقعت أمر منع التدخين في مكاتب الوزارة ولن أدخن هنا.ومن شرفة مطلة على البحر سألني لماذا لاتكتب في الشأن السياسي المحلي! فأجبته بأنني عسكري منعت طوال حياتي من الخوض في المماحكات السياسة المحلية ،فتعودت على ذلك الانضباط وكتبت في قضايا الخليج الاستراتيجية. وأستقال بو صباح فكسرت ذلك الانضباط بكتابة هذا المقال. وبقي إنضباط بو صباح الذي منع وزيرا من التدخين في مكتبه. ثم منعه من الاستمرار في منصبة لأن الانضباط، هو الحالة العقلية والنفسية، التي تجعل السّلوك الصحيح، أمراً غريزياً في النفس، مهما كانت الظروف ،لذا كانت إستقالته هي السلوك الصحيح، فخلق من نفسه مجددا رقما صعبا.
تعليقات