انتهازية الوطني

محليات وبرلمان

خمسون: 19+24= ناقص ستة

6186 مشاهدات 0


رأينا


 هكذا هو المشهد النيابي من مسألة التعاون مع الحكومة ورئيسها من جلسة الأمس التي شهدت مقاطعة لمجرياتها وانتخابات لجانها، خمسون نائبا توزّر منهم علي الراشد وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء، ففرز الموقف: 19 نائبا احتجوا على سياسة الحكومة و24 نائبا باعوا كل شيء من أجل إنقاذ الحكومة ورئيسها ولو خاض بهم البحر لخاضوه، ولو طلب منهم التصويت على بياض على أمر لصوتوا معه.
وبقي الستة: عبدالله الرومي وصالح الملا ومرزوق الغانم وأسيل العوضي وعادل الصرعاوي وعبدالرحمن العنجري. وتبقى الإشارة الهامة إلى تميز موقف النائب العنجري عن باقي زملائه في الكتلة، فهو أحد مقدمي استجواب لرئيس الحكومة مع النائب أحمد السعدون، ولكن أعضاء الكتلة الباقين يشيعون أنهم قادرون على 'إقناعه' في اللحظة الأخيرة حين يشتد الموقف بتغيير تصويته، ويؤكدون للحكومة بأنه 'بالمخبا' 'وما راح يروح بعيد'، ويتعهدون بالضغط عليه عن طريق أحد أقربائه النافذين حكوميا وتجاريا 'ويمون عليه حيييل'!!
   تسعة عشر نائبا ترسخت لديهم قناعة بأن حكومة ناصر المحمد تقود البلاد نحو الانهيار، وأنها نشرت الفساد وتسببت في تسيب ونخر غير مسبوق في أركان الدولة، فلقد ضربت الشعب والنواب، وحبست المحامين والكتاب، وضيقت الحريات على العباد، وأفسدت الإعلام والصحافة، ودمرت البنى التحتية بالتسيب وعدم محاسبة المقصرين واللصوص، فضعف الأمن، ومات مواطن تحت التعذيب، وتمت سرقات علنية، وشاع فساد أغذية الناس، وهي حكومة يرى ال19 أنها ترددت في معالجة الاختلالات الوظيفية، وتعاملت مع الإضرابات بمقاييس مختلفة، ونكثت وعودها للنقابات، وجرت على البلاد شلل الموانيء والمنافذ والمطارات، وتحاول تنقيح الدستور بإفراغه من أدواته الرقابية، وحاولت زج القضاء في معاركها السياسية، وأضعفت موقف الكويت داخليا وخارجيا، ما جعل هؤلاء النواب يخلصون إلى نتيجة واحدة: لا بد من رحيل الحكومة ورئيسها كي ننقذ هذا الوطن العزيز.
في الجهة المقابلة، يقف مع رئيس الحكومة أربعة وعشرين نائبا وقوفا أعمى، فهم معه على 'الزينة والشينة'، وعلى 'الحلوة والمرة'، ولن يتزحزحوا عن موقفهم مهما سيق لهم من الدلائل والبراهين على ضرورة عدم التعاون معه. وهم مستعدون أن يذهبوا للدفاع عنه إلى أبعد الحدود، فقد يستخدم بعضهم لغة بذيئة، وبعضهم على استعداد للتشابك مع زملائه دفاعا عن الرئيس مهما وصل إليه حال البلاد. فقناعتهم هي: لا بد من بقاء الرئيس، طال الزمان أو قصر.
أما الستة الباقين- ومع استثناء جزئي للعنجري- 'فيصلون وراء علي، ويأكلون مع معاوية'، فقد صوتوا لعدم التعاون في شهر (يناير) الماضي، ولكنهم عادوا وامتنعوا في شهر (يونيو) عن التصويت بعدم التعاون!! فما الذي تغير خلال خمسة أشهر فقط؟ هل تغير الرئيس؟ لا، هل تغير النهج؟ لا، هل تغيرت سياسة الانهيار بالبلاد؟ لا. هل تراجع الفساد في مناحي الدولة؟ كلا وبشهادتهم وتصريحاتهم. إذن ما الذي تغير إن كانت قناعة النائب هي بعدم التعاون مع رئيس الوزراء- أي عدم صلاحيته لرئاسة الحكومة- في شهر يناير ثم انقلبت بشهر يونيو؟
 الإجابة ليست بحاجة إلى كثير من التفكير والعناء، فالموقف انتهازي بامتياز، ومختصره كالآتي: شاهد المشهد يا سمو الرئيس 'وعد رجالك وارد الماء': نحن من يرجح الكفة، نحن لم نمنحك الثقة، لكننا أنقذناك، ودفعنا الثمن بين ناخبينا، ونواجه ضغوطا شعبية ومعارضة جماهيرية تتصاعد، وموقفنا غالي الأثمان، وقد ننتقل للضفة الأخرى، وننقل السلاح من كتف إلى كتف فماذا أنت فاعل يا سمو الرئيس؟
 ويأتي الجواب واضحا كشمس الظهيرة: شبيكم لبيكم البلد بين ايديكم: مناقصات و'تسليف' و'بورصة' و'فتوى' وتنمية وتوزير ووكلاء ومناصب ونفط وما تشاءون مما تشاءون!
 ومع هذا فقد بقيت مواقف الستة (مع تميز موقف العنجري) تتأرجح: نحضر مهرجانات المعارضة ونقول لنا 'حجوتين'، ثم نقف مع الحكومة. نقول أننا 'من حيث المبدأ' مع استجواب الرئيس، لكن التصويت مسألة أخرى!!
 نشارك في جلسة اللجان بالأمس وندخل فيها ونحن نعلم أن بها أعضاء متهمون بأنهم 'قبيضة' حتى أن وصف النائب عادل الصرعاوي لجنة الداخلية والدفاع بعضوية النائبين عسكر العنزي وسعدون حماد بأن 'حاميها حراميها'، ولكن نصرح بفساد الحكومة، ونشارك في عضوية اللجان لأنها 'مطبخ المجلس' ولو مع من يعتبرهم الصرعاوي 'حرامية'!!
 نصرخ مطالبين بحق السعدون بالاستجواب من 'حيث المبدأ'، ثم نحضر الجلسة ولا ننسحب منها مع المنسحبين احتجاجا على 'كروتة' الاستجواب وتأجيل قانون المعلمين!!
 نعلن أننا سوف نجتمع لإعلان موقفنا، ثم نؤجل اتخاذ موقف للتشاور مع الكتل الأخرى!!!
 وهكذا يستمر ما يعتبره كثيرون  دجل سياسي غير مسبوق في التأرجح الانتهازي البحت.
 إن الموقف من الرئيس وحكومته مسألة قناعات، وسواء كان النائب مع الحكومة ورئيسها أو ضده فذاك شأنه، ولعل الواحد يتفهم أو يفهم سبب وقوف ال24 نائبا مع الحكومة جهارا نهارا، وقد يؤيد أو يخالف موقف ال19 نائبا المعارضين عيانا بيانا للحكومة ورئيسها، لكن محاولة التذاكي على باقي النواب، واللعب على الحبال السياسية بهذه الطريقة الفجة من قبل كتلة العمل الوطني، هي قمة الانتهازية والإبتزار السياسي. كما أن المجاملة في تقبل هذا التأرجح والانتهازية مداهنة يجب أن يرفضها الفريقان سواء فريق ال19 المعارض، أو فريق ال24 الذي يتعرض ما يتعرض له 'بأبخس' الأثمان نتيجة وقوفه مع الرئيس، بينما يأخذ 'الهبرة' الكبرى نواب يبتزون الحكومة ولا يقفون معها كوقوفهم في الدفاع عنها، ويظهرون أمام الناس بمظهر المعارض لها.
 إن كتلة العمل الوطني تمارس الانتهازية السياسية بأبشع صورها، ومطلوب من القوى الوطنية ومن المجاميع الشبابية تعرية هذه الانتهازية والتصدي لها، كما هو مطلوب من فريق ال19 عدم الاستمرار بالمجاملة ومطالبتهم بتحديد موقفهم بوضوح بدلا من إيهامهم بأمل الوقوف معهم ضد الحكومة.
بل إنه مطلوب حتى من فريق ال24 أن ينصح رئيسه بالحذر من 'الولاء المزدوج' لكتلة الوطني، وموقفهم الانتهازي الذي 'يحلبون' به الحكومة من خلال انتهاجه.
  إن الكويت تمر بمرحلة حرجة جدا في تاريخها السياسي، يهدد استقرارها وبقاءها كدولة مؤسسات، وهي مرحلة لا تتقبل الرمادية، ولا تسمح بالضبابية في المواقف، وكفى هذا البلد العزيز انتهازية سياسية من أجل مصالح قلة لا تقيم لهذا الوطن أي وزن!!

رأينا
 

رأينا

تعليقات

اكتب تعليقك