الغرب سيتخلى عن دعايات حقوق الانسان وانتهاكات الصين لها مقابل ان تقوم الصين الاشتراكية بإنقاذ اقتصاد أوروبا هكذا يرى الامر حسن ابوطالب
الاقتصاد الآننوفمبر 10, 2011, 12:44 ص 659 مشاهدات 0
حسن أبوطالب
صحيفة الوطن الإماراتية
منذ أربعة سنوات حين ضربت الأزمة المالية الولايات المتحدة، كان السؤال الذى طرح نفسه ما هو الدور الذى يمكن للصين أن تلعبه لحماية الاستقرار الاقتصادى والمالى العالمى، وما هو حجم الاستعداد الصينى لمساعدة الاقتصاد الأمريكى المترنح وحتى لا يدخل العالم برمته دوامة لا يعرف كيف يخرج منها؟ كان أساس السؤال هو ذلك الاحتياطى النقدى الكبير الذى تتمتع به الصين فى وقت تزداد فيه عجز الموازنة العامة وحالات الإفلاس فى كل من أمريكا وأوروبا.
أسئلة شبيهة تطرح الاَن فى ضوء الأزمة التى تعصف بالاتحاد الأوروبى وتعرف بأزمة منطقة اليورو، وجوهرها كيف يمكن لبكين أن تساعد الاقتصادات الأوروبية على تجاوز أزمة الديون التى تعصف بها الاَن؟ ومع أن من المبكر تحديد الموقف الصينى بدقة، فثمة مؤشرات قوية على أن الصين سوف تكون أكثر تريثا فى أى خطوة قد تتخذها بشأن الديون الأوروبية خاصة فى ظل الشكوك التى تثار بين الأوروبيين أنفسهم ليس تجاه اليونان فقط وإنما تجاه منطقة اليورو ككل وهو ما يهدد مستقبل الاتحاد الأوروبى ويلقى شكوكا على مصير القارة العجوز. والمرجح أيضا أن تكون بكين أكثر حرصا على نصح الأوروبيين بحل هذه المشكلة فى الإطار الأوروبى مع وضع السياسات الاقتصادية التى تتناسب مع الموارد الفعلية الأوروبية.
الحرص والحذر الصينى مفهوم فى ضوء التجربة السابقة التى تعرضت لها بكين حين أسهمت فى العديد من الكيانات المالية الأمريكية والتى تعرضت لخسارة فادحة مع انهيار تلك الكيانات خاصة شركة ستانلى مورجان التى أعلنت إفلاسها قبل أربعة سنوات. وحينها بدت الصين فى مأزق حقيقى لتبرير هذه الخسارة الكبيرة أمام الرأى العام المحلى. صحيح أن الاحتياطى الصينى تجاوز الفى تريليون دولار، وما زال الاقتصاد الصينى يحقق معدلات نمو عالية سنويا لا تقل عن 8 % رغم الأزمة الاقتصادية العالمية، ومع هذا فمن غير المقبول توظيف جزء كبير من هذا الاحتياطى فى مشروعات خاسرة أو قابلة للخسارة فى الخارج. كما انه من غير المقبول أن يوجه هذا الاحتياطى أو جزء منه إلى صناديق سيادية تابعة للغير أو لشراء سندات خزينة لدولة لا تستطيع أن توفى بالتزاماتها القانونية والمالية لاحقا. ووفقا لهذين المعيارين تبدو الصين دائما أمام معضلة شراء سندات خزانة لدولة أخرى لديها مشكلات مالية واقتصادية شديدة المخاطر، فى الوقت نفسه يمثل شراء هذه السندات مدخلا لتحقيق نفوذ مالى واقتصادى على الصعيد العالمى غير انه ثمنه قد يكون عاليا جدا، فأى الخيارين يعد الأفضل؟ وتزداد حدة هذه المعضلة مع معرفة أن الصين ورغم معدلات النمو العالية التى تحققها سنويا لديها مناطق شاسعة فى الغرب يسودها الفقر والتخلف وتحتاج إلى استثمارات كبيرة للغاية وخطط طويلة المدى لا تقل عن عشرين عاما لإحداث نمو مناسب فيها، وبالتالى تصبح المعضلة فى إطار تفضيل الاستثمار فى الداخل وإنهاء الفقر ورفع مستوى المعيشة لما لا يقل عن 250 مليون صينى ومواجهة تكاليف الرعاية الاجتماعية المتزايدة الاَن لما يقرب من 400 مليون صينى، أم مساعدة الاقتصادات الأوروبية على الخروج من أزمة الديون بها. ولما كانت عافية وقدرة الاقتصادات الأوروبية على النمو تعنى أيضا فرصا للمنتجات والتجارة الصينية للنمو ، تصبح القضية معقدة ومترابطة إلى حد كبير، وتوضح الحسابات المعقدة التى يجب على القادة الصينيين أن يتخذوها قبل الإعلان عن التزامات محددة. لإنقاذ منطقة اليورو. وهنا يلاحظ المرء العديد من الكتابات الصينية التى تتحدث عن المبرر العقلانى الذى ستتوجه به الحكومة الصينية إلى الرأى العام إذا ما قررت أن توظيف جزءا كبيرا من الاحتياطى المالى لخدمة الاقتصاد الأوروبى.
لقد اعتاد القادة الصينيون فى لقاءاتهم مع نظرائهم الأوروبيين على توجيه نصائح وانتقادات فى الوقت نفسه ، أبرزها أن السياسات الليبرالية بحاجة إلى إعادة نظر، وضرورة الاستفادة من الأسلوب الصينى فى التنمية المعروف بالتطبيق الصينى للاشتراكية، وبوضع سياسات أكثر انضباطا ماليا ونقديا وإداريا، وإتباع سياسات تقشف عند الضرورة، ووقف الانفاق الذى يتجاوز مصادر الدخل الحقيقية. وفى العلاقة الصينية الأوروبية لا يجب إغفال البعد السياسى منها، فالأوروبيون دائما ما يطرحون قضايا حقوق الانسان لدى الصين، وهو ما تعمل بكين دائما على تحييد هذا البعد واستبعاده من أى ملفات تجارية أو اقتصادية مشتركة.
ولا يخلو التعامل الأوروبى أو الأمريكى مع الصين من حذر وقلق فى اَن واحد. ويبدو هذا الأمر فى وضع قيود على الاستثمارات الصينية المباشرة فى السوقين الأوروبى والأمريكي، ومنع مجالات بعينها على أى مشاركة صينية، وقصر الأمر فى شراء سندات خزانة أو صكوك محددة، والاهم من كل ذلك تعويم العملية الصينية اليوان، والتى تقدر رسميا بأقل من قيمتها مما ينتج عنه انخفاض سعر المنتجات الصينية ويقابله ارتفاع فى أسعار المنتجات الأوروبية والأمريكية. وهو ما تطالب الصين بوقفه وإفساح المجال أمام الاستثمارات الصينية دون أى قيود أو مطالب سياسية او اخرى تريد تعويم العملة الصينية. ومكمن القلق الغربى هو ان تصبح الصين بقدرتها الإنتاجية المرتفعة واحتياطيها المالى الهائل وسوقها الواسعة واستثماراتها المتزايدة فى السوقين الأمريكى والأوروبى بمثابة الفاعل الأول فى الاقتصاد الدولى، ومع أن هناك شقا سيكولوجيا يوجه الأوروبيين والأمريكيين فى هذا الموقف إلا انه يعكس أيضا خوفا على المكانة والمصالح العريضة فى العالم.
وقد بدا تطبيق هذا القلق عمليا فى رفض الولايات المتحدة زيادة رأسمال مال صندوق النقد الدولى من خلال مساهمة مالية صينية كبيرة، لان ذلك سوف يفتح الباب أمام تغيير هيكل المناصب داخل الصندوق بما قد يحد من النفوذ الأمريكي المعتاد. وحينها أشارت المصادر الأمريكية إلى ما وصف بأطماع الصين فى توجيه مسارات عمل صندوق النقد الدولى. وبالتالى تم تفضيل إنشاء اَلية مستقلة لإنقاذ منطقة اليورو ربما يقوم الصندوق بإدارتها دون ان تصبح كيانا تابعا له.
مثل هذا الموقف يزيد من تردد بكين، والتى ترى أن من المهم الحصول على ضمانات لحماية استثماراتها وقروضها التى تقدمها للأوروبيين، وهى ضمانات موجودة فى بينة عمل الصندوق وليست فى بينة عمل الاَلية الأوروبية المقترحة.
فى ظل هذه البيئة من الاعتبارات النفسية والسياسية والاقتصادية تطمح القارة العجوز فى الحصول على قرض سخى من الصين لدعم خطة إنقاذ منطقة اليورو من الإفلاس خاصة دولة اليونان، وهى الخطة التى تستند إلى إنشاء صندوق خاص بقيمة 4^1 تريليون دولار يتولى مساندة اليونان فى معالجة ديونها السيادية، ويأمل الأوروبيون فى دعم صينى لا يقل عن 500 مليون دولار من جملة 800 مليار دولار مطلوب توفيرها لاستكمال خطة الإنقاذ.
الأمر على هذا النحو يعنى أن الرٍأسمالية يمكنها أن تتخلى عن تحفظاتها بشأن الأساليب ذات الطابع الاشتراكى التى تطبقها الصين إذا كان الأمر معنيا بإنقاذ أوروبا ذاتها وبث الروح فيها من جديد، ولذا تبدو التصريحات الأوروبية التى تربط بين حقوق الإنسان والاعتبارات الاقتصادية حين التعامل مع الصين أمرا دعائيا لا أكثر ولا اقل.
تعليقات