إيقاع الحياة تأثيرات نفسية على الجسد
منوعاتديسمبر 9, 2011, 6:41 م 1417 مشاهدات 0
نبض الحياة جسد ونفس
يعيش إنسان اليوم في عالم يكاد يخلو من الراحة والهدوء والفرح نتيجة سرعة إيقاع الحياة وتزايد ضغوطاتها وأعبائها وما تفرضه من تحدّيات، فضلا عن كمّ من المشاكل التي لا حلول لها. إحتياجات ورغبات تبدو صعبة المنال وأخرى غير مشبعة. إضطرابات في العلاقات الإنسانيّة، تجارب ذاتيّة مخيّبة، مشاكل نفسية وعلائقيّة واجتماعيّة واقتصاديّة وأمنيّة، كوارث طبيعية وغير طبيعية، إفتقاد إلى لغة الحوار والتواصل بين البشر، شيوع النرجسيّة والأنانيّة وتفضيل المصالح الشخصيّة على العلاقات الإنسانيّة، الأمر الذي جعل نمط الحياة المعاصرة مشحونا ً بالتنافس السلبيّ والقضاء على الآخر، إنعدام روح الجماعة، تأثيرات سلبيّة لوسائل الإعلام، إنتشار الصراعات والحروب والظلم، غياب العدالة، تزايد تحكّم المادة بحياة البشر وسلوكهم، تغيّرات اجتماعيّة سريعة بالإضافة إلى إفرازات الحضارة التي تحتّم على الفرد التكيّف معها بالرغم من ضآلة إمكانيّاته. كل هذا يؤدي الى الشعور بالعجز عن تغيير الأحوال، تعرّض المجتمعات كافة للقهر المعنويّ والصدمات الشديدة وخوف من المستقبل، ليصبح الجميع في سباق مع الحياة ومن أجلها بغية تحقيق التكيّف مع المتغيّرات الحاصلة ومواجهة التحدّيات، مّا جعلهم فريسة سهلة للشعور بالإرهاق والتعب والتوتر والإحباط، فضلاً عن الشعور بالقلق وعدم الاستقرار النفسيّ.
وبما أنّ الجسد والنفس وحدة متكاملة من حيث التفاعل والتواصل بحيث لا يمكن الفصل بينهما، كان من البديهيّ أن يتأثر جانب بالاضطراب الذي يصيب الجانب الآخر. إذ كيف يمكن للجسد أن يبقى في حالة اتّزان عند اضطراب النفس، وكيف يمكن للنفس أن تبقى على هدوئها وصفائها عندما يصيب الجسد أيّ مرض؟
مشاعرُ أمراض تُسمى نفس- بدنيّة
المشاكل النفسيّة تحدث تغيّرات في وظائف الجسد من خلال الجهاز العصبيّ وجهاز الغدد الصمّاء وجهاز المناعة. ويُحدث المرض الجسديّ اضطرابا ً تظهر عوارضه على النفس على شكل استجابة لمرض الجسد كمشاعر لها. وهذا ما أصبح يُسمّى اليوم بالأمراض السيكوسوماتيّة أو الأمراض النفس ـ بدنيّة، تصيب بعض أعضاء الجسد وتتسبّب باختلال في وظائفها أو تغيّرات في تركيبها، ما يجعل تشخيصها صعبا ً بسبب تشابه عوارضها بتلك الخاصّة بالأمراض العضويّة. لذلك لا تنفع العلاجات بالأدوية في إيجاد حلّ لها أو التخفيف من حدّتها، الأمر الذي يزيد من قلق المريض وبالتالي إلى ازدياد سوء حالته.
أشبه بدوّامة تبدأ من الجسد وتخلّ بالنفس، أو تبدأ من النفس وتؤثّر على الجسد. وبما أن الطبّ الحديث قد بدّل من نظرته التقليديّة إلى أصل المرض الجسديّ ومسبّباته، فقد أعطى مساحة واسعة لتأثير الحالة النفسيّة على صحّة الجسد، معتبرا ً أنّ التوتّر والقلق والإجهاد والإحباط هم أسس الأمراض في عصرنا الحالي.
تأثيرات نفسية تفرز أمراضا ً جسدية
على الصعيد الجسديّ يؤدي التوتّر إلى خلل في تركيبة خلايا الجسد ووظائفها، وينشأ عن ذلك اضطرابات جسدية مختلفة منها:
ـ زيادة أو نقصان في إفرازات الجهاز الهضمي يتولّد عنها قرحة معويّة وأمراض في القولون وإضطراب عمليّتَي التبوّل والتبرّز.
ـ اضطراب نبضات القلب.
ـ اضطراب الجهاز التنفسيّ والتهاب القصبة الهوائيّة.
ـ ارتفاع في ضغط الدم وتمدُّد أو انقباض في الأوعية الدموية.
ـ طفح جلدي.
ـ جلطة دماغيّة.
ـ صداع النصفي.
ـ ربو شعبيّ ، زكام وسعال.
ـ داء السكّري وإرتفاع نسبة الكولسترول في الدم.
ـ إلتهاب المفاصل.
ـ ظهور البثور في الوجه وجفاف البشرة.
ـ أمراض تناسليّة واضطراب الدورة الشهريّة وظهور البرود الجنسيّ أو الشبق الجنسيّ عند المرأة واضطرابات الوظيفة الجنسيّة عند الرجل والعقم.
ـ تساقط الشعر والصلع.
ـ إضطراب الطعام بين فقدان الشهيّة وزيادتها.
ـ إضطراب النوم.
ـ ضعف جهاز المناعة وهو الجهاز الدفاعي التي تقوم وظيفته على اكتشاف الخلايا غير العاديّة وتدميرها، لا سيّما منها الخلايا السرطانيّة، إذ تبيّن أن جسم الإنسان السليم يولّد خلايا سرطانيّة يستطيع جهاز المناعة التعرّف عليها وتدميرها، في حين أنّ التوتر والضغط النفسيّ والإحباط يوثّرون بشكل مباشر على جهاز المناعة فيضعفونه، مّا يؤدي إلى شذوذ الخليّة وتحوّلها من خليّة طبيعيّة إلى سرطانيّة. لذا ينصح الأطبّاء اليوم بالتخلّص من التوتّر والضغط النفسيّ والإحباط كحماية من الإصابة بالسرطان.
التكيّف على أنواعه حُصن الصحّة النفسيّة:
1) تكيّف الفرد مع ذاته وتقبّل أخطائه ونقاط ضعفه والعمل على تغييرها إلى نقاط قوّة، هو الشعور بالارتياح والرضا تجاه هذه الذات، إحترامها، إدراك قدراتها وإمكاناتها وتوظيفها واستثمارها لتحقيق الأهداف التي تتناسب معها، اضافة الى عدم التقليل من أهميّة تلك القدرات كما الابتعاد عن تعظيمها.
2) التكيّف مع الآخرين أينما وُجدوا وكيفما كانت صلته بهم ومهما كانت مواقعهم ووظائفهم.
3) التكيّف مع المستجدات والطوارئ والمشاكل ومتغيّرات الحياة وظروفها، فلا يتأثّرون بما يعترضهم من فشل بل يتّعظون منه ويجدون حلولاً للمشاكل لتمتّعهم بالقدرة على تحمّل المسؤوليّة.
ويبقى التكيّف مع الذات هو المحور الرئيسي لتحقيق أنواع التكيّف الأخرى. هذا التكيّف يعني القدرة على الضبط الانفعاليّ والسيطرة الذاتيّة، لأنّ القادر على السيطرة على نفسه والتحكّم في حياته هو أكثر سعادة ورضى وقناعة وأقلّ عرضة للإصابة بالأمراض النفس بدنيّة. الاستجابة الانفعاليّة المناسبة لكلّ موقف أو مثير، القدرة على التفكير لاتّخاذ القرارات المناسبة، البرمجة الدائمة للدماغ من خلال نظرة إيجابيّة إلى كلّ ما يعترض حياتنا من صعاب ومشاكل.
تحقيق التكيّف بالإسترخاء المُبدع
لقد حقّق العلاج النفسيّ خطوات مشجّعة في هذا السياق، إلاّ أنّ طول مدّة العلاج كانت تفقد الفرد القدرة على الصبر والمثابرة، لذا أصبح العلاج بالاسترخاء أكثر أنواع العلاجات النفسيّة الذاتيّة انتشارا ً في أيّامنا هذه، لا سيّما بعدما أخذ الاسترخاء حيّزًا مهمًّا من اهتمام الطبّ النفسيّ الذي أكّد على ابداعه وأهميّته للتخلّص من القلق والضغوط النفسية مهما كانت مسبّباتها وإزالة التشنجات العضليّة اللاإراديّة، وإراحة الجسد والنفس وتطوير القدرات الذاتيّة، لا سيّما منها السيطرة الذاتيّة والتحكّم في قدرات العقل بغية تحقيق السعادة والفرح والراحة والهدوء.
وبما أنّ التفاعل الإيجابيّ مع الأزمات والصدمات واحتواءها يتطلّبان ذاتا ً محصّنة بدفاعات نفسيّة متماسكة، وهذا ليس بالأمر السهل، فقد بات ضروريًّا الاقتناع بأنّ الاسترخاء هو الحلّ الأنجع، لا سيّما في عصرنا الحاليّ المتّخم بالصراعات على مختلف الصعد، والتي تترك بصماتها المدمّرة على النفس والجسد معا ً. لذا فعلى الراغب في المحافظة على صحّة نفسيّة فضلى أن ينظر إلى الاسترخاء كفنّ التعامل مع الذات يتيح له فرصة استعادة توازنه وهدوئه وسلامه، ويجعله تحت السيطرة الذاتيّة ويحميه من الانفعالات التي توقعه في الأخطاء التي قد تكون خطرة، كما يساعده على اتّخاذ القرارات السليمة. الاسترخاء هو أسلوب حياة وضرورة حتميّة للتخلص من ترسّبات الماضي السلبيّة ولتعلّم كيفيّة مواجهة الأزمات الحاليّة والمستقبليّة من خلال تغيير النظرة إلى الحاضر والتزوّد بالمعرفة لصنع المستقبل.
تعليقات