ماذا يعني أن سوريا تحت الضغط الإقتصادي لقرارات الجامعة العربية ؟ يتسأل د.ماجد منيمنة

الاقتصاد الآن

440 مشاهدات 0


أقرّ وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم بالقاهرة مجموعة من العقوبات الاقتصادية ضد الحكومة السورية لتجاهلها المهلة التي منحتها?
جامعة الدول العربية لتثبيت الخطة العربية الهادفة لإنهاء الحملة?على المتظاهرين• كما أن 19 دولة وافقت على القرارات، في حين اعترض العراق، وامتنع لبنان عن اتخاذ موقف تحت عنوان <النأي بالنفس>• وتتضمن العقوبات منع سفر كبار الشخصيات والمسؤولين السوريين مع تجميد الأرصدة المالية للحكومة السورية، ووقف التعاملات المالية معها وجميع التعاملات مع البنك التجاري السوري، ووقف تمويل أي مبادلات تجارية حكومية من قبل البنوك المركزية العربية مع البنك المركزي السوري، وتوقف رحلات الطيران العربية من وإلى سوريا• وتشمل العقوبات الطلب من البنوك المركزية العربية مراقبة الحوالات المصرفية والاعتمادات التجارية باستثناء الحوالات المصرفية المرسلة من العمالة السورية في الخارج إلى أسرهم في?سوريا، والحوالات من المواطنين العرب في سوريا• كما يقضي قرار العقوبات بتجميد جميع الاستثمارات العربية وجميع المشاريع على الأراضي السورية المموّلة من قبل الدول العربية• هذه القرارات ليست فقط عقاباً لنظام الرئيس بشار الأسد على عدم تجاوبه مع توجهات الجامعة العربية، وإنما هي دعم واضح للمعارضة السورية، من خلال فتح المجالات لأكثر من احتمال ضد النظام السوري، ومنها فتح المجال بشكل واسع لتدخل عسكري في سوريا على غرار ما حدث في ليبيا• ولقد شكل هذا القرار مقدمة واضحة لفرض حصار سياسي واقتصادي على نظام الرئيس الأسد•
إن هذا القرار ليس هو الأول في جامعة الدول العربية، فقد سبق وأن عُـلّقت عضوية مصر لمدة عشر سنوات بعد توقيعها على اتفاقية السلام مع إسرائيل، وكذلك حدث الأمر مع ليبيا، والتي أفسحت في المجال للاعتراف بالمجلس الوطني الليبي ممثلاً للشعب الليبي، والذي سمح بعد ذلك بدخول حلف الناتو والاشتراك الفعلي العسكري في الأحداث داخل ليبيا، وهذا الأمر قد ينسحب على سوريا، خصوصاً أن جامعة الدول العربية في طريقها للاعتراف بالمجلس الوطني السوري الذي تشكّل في تركيا كممثل للشعب السوري•
ومع ذلك، فإن الاحتمالات في هذا التدخل العسكري ضد سوريا قد لا يشبه ما حدث في ليبيا، خصوصاً إذا ما فتحت إيران جبهة عسكرية لمساندة سوريا، وكذلك في حال نفّذ <حزب الله> التهديدات التي أطلقها الأمين العام السيد حسن نصرالله بفتح جبهة ضد إسرائيل، بحيث تدخل المنطقة في حرب واسعة تختلف تماماً عمّا حدث في ليبيا• ولعل الربط بين ما يحدث في سوريا وإيران يبدو منطقياً لترجيح الاحتمال، خصوصاً بعد الاجتماعات التي أجراها الرئيس الأميركي باراك أوباما مع نظيريه الروسي والصيني، والتي بحث من خلالها المشروع النووي الإيراني وكيفية مواجهته، والتي جاءت متناغمة مع الموقف الإسرائيلي الذي يعتبر امتلاك إيران للسلاح النووي يشكّل تهديداً وخطراً حقيقياً على كامل المنطقة•
إن قرار وزراء الخارجية العرب بفرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري، ما هي إلا حلقة من سلسلة من القرارات العربية، بدأت منذ مدة وستظل تتدحرج، حتى تصل إلى الإعلان عن الدعم العسكري واللوجيستي للثوار في سوريا• إن الحالة الليبية ستتكرّر من دون شك في سوريا، وإن ما ينقص لبدء العملية هو نضوج الظروف الدولية لاتخاذ قرار يحظى بتوافق أوسع بين مختلف الأطراف الدولية المهتمة بالوضع في سوريا، إلا أنّ روسيا والصين سترفضان في البداية هذه الخطوة، لكن ستنخرطان في العملية في اللحظات الأخيرة من سقوط النظام، حيث أن ما يهمّ الصين وروسيا في نهاية المطاف هو مصالحهما الاقتصادية والاستراتيجية، بغض النظر عن من يعتلي سدة الحكم في سوريا، أو ليبيا أو غيرها من البلدان العربية•
كما أن هذه العقوبات ستضيّق الخناق على النظام السوري، لكن فعالية هذا القرار وغيره من القرارات المقبلة يتوقف على طبيعة تفاعل سوريا معه، لأن مصير سوريا الآن هو في يد عائلة الرئيس بشار الأسد، فإذا لم يتخذوا قراراً تاريخياً وسريعاً بالتخلي عن الحكم، وإعطاء الأوامر للجيش بأن يتوقف عن سفك الدماء، وفي حال إصرارهم على قمع المعارضين، هذا كله سيجعل المجلس الوطني السوري ينتقل بشكل علني وصريح إلى العمل العسكري، لأن الانتفاضة السورية لن تستطيع أن تصمد أمام آلة القتل الرهيبة للجيش السوري، وهذا سوف يُسند بقرارات عربية ودولية حازمة•
إن أهم التأثيرات التي سترافق تطبيق العقوبات الاقتصادية والتجارية على سوريا، سوف تتجلى في تعبئة الرأي العام السوري في الداخل ضد نظام الرئيس بشار الأسد، فضلاً عن التأثيرات السلبية البالغة التي قد تزيد من صعوبة عيش السوريين، بالرغم من كون قرار العقوبات يستثني السلع الرئيسية التي يحتاجها الشعب السوري•
إن العقوبات الاقتصادية على سوريا تستهدف أساساً محاصرة النظام السوري، خاصة أنه يملك زمام الأمور وقيادة الجيش، فيما المنشقون عنه يفرّون بعدد قليل إلى الحدود الآن، وبالتالي قد تساهم هذه العقوبات في المزيد من الانشقاقات وحالات التمرد داخل صفوف الجيش السوري ضد النظام نفسه• فإن قرار المقاطعة الاقتصادية ضد سوريا هو نتيجة لخضوع الأنظمة العربية للرأي العام الشعبي العربي، وذلك في ظل الزخم العارم الذي خلقه ما سمي بالربيع العربي الذي جاء بشعارات تطالب بالقطع مع عهود الظلم والاستبداد، إلا أن الوضع الحالي يُختزل في أيهما أهون الضررين، هل ترك الأوضاع على حالها في سوريا، أم محاصرة نظام تمرّد على نفسه وشعبه وعلى المجتمع الدولي برمته؟• إن حجم تأثير العقوبات في المعاملات التجارية على الشعب السوري سيكون تأثيراً نسبياً إذا ما قيس بالمعاناة التي يعانيها الشعب السوري الآن من قتل، ولكن حتى في ظل هذا الأمر، فإنه لا بد من استثناء السلع الغذائية ذات الاستهلاك الواسع للشعب السوري من العقوبات، وتحديد قائمة بها•
كما أن ما يتعلق بالعقوبات المالية للبنك المركزي السوري سيوجع النظام السوري من دون الشعب نفسه، حيث يتعلق ذلك بوقف تمويل أي من المشاريع العربية على الأراضي السورية، وهذا سيؤثر في بنية الاقتصاد السوري، وسوف يقتصر ذلك على مشاريع حكومية تخدم النظام السوري• أما بالنسبة للعقوبات المالية فإن صندوق النقد العربي هو الذي سيتابع تنفيذها، وهذا سوف يقلل حتماً من مخزون إيرادات النقد الأجنبي للنظام السوري خاصة أنها ستشمل أيضاً ما يتعلق بالبنك السوري التجاري ولن يستطيع التعامل مع البنوك العربية مما سوف يربك النظام المالي السوري•
من جهة ثانية، وبالنظر إلى حجم سوريا الاقتصادي، سنجد أنها دولة ليست لديها البنية الاقتصادية الحرة والمتينة وهي تعتمد على الاقتصاد الريعي مثل السياحة وعائدات البترول ودخل العاملين في الخارج، وبالتالي فهي ليست دولة صناعية منتجة على المستوى التصديري، وهذا ما سوف يؤثر على المخزون المالي في المصرف المركزي، حتى ولو كان لسوريا مخزون تمويني من المواد الغذائية يكفي لسنتين• إن تجميد الأرصدة وعدم التعاطي مع البنك المركزي السوري، ووقف الاتصالات، كلها إجراءات سوف تضر بالنظام في الفترة القصيرة• كما أنه معروف بأن النظام يسيطر على آليات الاقتصاد في البلد، ومن المحتمل أن يبقى الشعب نفسه رهينة اقتصادية، إذ أن أي عقوبات جديدة سوف تؤثر مباشرة على الشعب السوري• وفي ظل هذا الواقع الاقتصادي السيء، فان سوريا تقع تحت عبء الفقر، إذ يعيش واحد من كل ثلاثة سوريين عند خط الفقر أو تحته، وهي في الوقت نفسه، لا تملك إمكانات تساعدها على الصمود في وجه العقوبات، إذ أن مواردها النفطية محدودة في وقت تحتاج فيه إلى مزيد من الاستثمارات• وبحسب الخبراء فإن هناك حاجة إلى استثمارات ما بين 8 و9 مليارات دولار سنوياً لنسبة نمو تصل إلى 4 في المئة، ومن أجل دفع متطلبات التنمية وتحديث قطاعاتها الاقتصادية الخارجية• ولم تستطع الإصلاحات من خلق سوق مالي واستثماري بالمشاركة ما بين الدولة والقطاع الخاص الراغب في استثمارات سريعة وذات ربحية عالية• ولن يكون النفط السوري المحدود الانتاج والعائدية، ولا الاحتياط النقدي السوري قادرين على تأمين الاحتياجات المتزايدة لسوريا ومواطنيها الذين يتزايدون بسرعة، ويدفعون نحو ثلاثة ملايين شخص سنوياً إلى سوق العمل في وقت يعاني سوق العمل من بطالة تتجاوز 20 في المئة من المسجلين الرسميين• وبالتأكيد فإنه من غير المتوقع أن تتدفق استثمارات إلى بلد مهدد بالحصار، بل إن بعض هذه الاستثمارات الموجودة حالياً سوف تزحف إلى أماكن خارج القطر وإلى مناطق أكثر أماناً•
ولكن من جهة أخرى، سوف يبقى لبنان الرئة المتنفسة لسوريا لأن الجزء الكبير من الموارد المالية لسوريا تأتي من لبنان، وهذا ينطبق أيضاً على العراق، وهما دولتان تحفظتا على تلك العقوبات• ويُقال ان المصرف المركزي السوري لديه حساب خاص في المصرف المركزي اللبناني يحتوي على أكثر من 20 مليار دولار أميركي من الاحتياطي المالي السوري، وهذه التسهيلات بين البلدين سوف تبقى طالما أن الحدود بين البلدين مشرعة وغير خاضعة للضوابط التي قد تفرضها الجامعة العربية والقرارات الدولية•
وبآخر المطاف نتمنى على النظام السوري أن يتفاعل بحكمة مع المجتمع الدولي ليخفف على شعبه مرارة العيش، ويخرج من تحت هذا الضغط الاقتصادي بأقل ضرر، لأن العقوبات الاقتصادية سوف تكون حكماً قاسية عليه• والمطلوب من الحكومة اللبنانية الوعي والإدراك الكاملين، وأن لا يتحول حماسها إلى مخالفة قرارات المجتمع الدولي وتجاهل التحذيرات الدولية، مما سوف يؤدي إلى غرق المالية العامة برمال متحركة نحن بغنى عنها، وحكماً حتى لا يتجرّع المواطن اللبناني الكأس المرّة التي لطالما تجرّعها بالنيابة عن الآخرين•

اللواء اللبنانية

تعليقات

اكتب تعليقك