الخرافي مخاطبا الكويتيين: لن أرشح نفسي ولن أنسحب من العمل الوطني

زاوية الكتاب

كتب 1604 مشاهدات 0



الأنباء

إلى الأحبة أبناء بلدي
الثلاثاء 13 ديسمبر 2011 الأنباء

جاسم الخرافي
 
الحمد لله على نعمه والثناء على جزيل عطائه، والشكر والتقدير لأسرتي الصغيرة، ولأسرتي الكبيرة من أبناء الكويت، ولكل من عمل معي وساندني طيلة مشاركتي في العمل السياسي الوطني، حين تشابكت أيدينا في مسيرة من العطاء لهذا الوطن العزيز وفي سبيل رفعة شأنه.

وأعلن لهم جميعا عن قراري بعدم الترشح في الانتخابات القادمة لمجلس الأمة، وهو قرار أشعر معه بالرضا والارتياح، فقد قمت بدوري وأديت واجبي نحو وطني في مواقع عديدة من المسؤولية لم أكن أنشد فيها سوى مرضاة الله سبحانه، ومصلحة الكويت، وراحة الضمير.

سنين عديدة أمضيتها نائبا ووزيرا ثم رئيسا للسلطة التشريعية. كانت المسؤولية عندي ومازالت تكليفا وليست تشريفا، وكان معيار النجاح لدي هو صيانة الوحدة الوطنية، وتعزيز دولة المؤسسات والقانون، وتكريس العدالة والنزاهة والممارسة الديموقراطية البناءة، والتقدم في المسار التنموي.

سنين مرت كالومضة، ولكنها كانت بالنسبة لي رحلة عمر ومسيرة حياة، اقتسمت حلوها ومرها مع الشرفاء من أبناء وطني، لم أبخل خلالها بجهد على وطني، فأفاء الله علي بفضله، وأنعم علي بمحبة خلقه الذين غمروني بتقديرهم وأكرموني بثقتهم، فوفقني الله بالحصول على ثقة الأمة في تسعة فصول تشريعية تبوأت في خمسة منها سدة الرئاسة، فشكري وتقديري لمن لا توفي عبارات الشكر والتقدير حقهم.

عملت واجتهدت طيلة خمسة فصول تشريعية متتالية خلال فترة رئاستي لمجلس الأمة، لم يخل فيها دور انعقاد من أزمة طارئة أو أزمات مختلقة، وحرصت فيها جميعا على تحقيق الاستقرار والحفاظ على مكتسباتنا الدستورية. تصديت فيها لمحاولات جر الرئاسة إلى لعبة المحاور والمصالح الضيقة، وتعاليت فوق الضجيج والصوت العالي بالتمسك بأدب الحوار وقيم الديموقراطية الحقة، وحرصت دائما على استقلاليتي وعلى أن تكون رئاسة مجلس الأمة منصبا محايدا لا ينحاز إلا للكويت وللحق والحقيقة. وكنت دائما على يقين من أن الشعب الكويتي يمتلك من الوعي والحس الوطني ما يجعله يميز بين المصداقية والإنجاز وبين التعطيل والتأزيم، وأحسبني كنت محقا في ذلك، فقد كنت ألمس دائما مشاعر الود والتقدير والمساندة التي غمرتني من أهل الكويت طوال فترة رئاستي لمجلس الأمة.

واليوم، وبعد تلك المسيرة الحافلة بالجهد والعطاء، يأبى الأحبة إلا أن أواصل المسيرة، ويعز على مثلي ألا يلبي رغبة من تبوأ مكانة عالية في قلبي وفي نفسي. وإنني إذ أشكرهم على ثقتهم ومشاعرهم الغامرة، فإنني أعتذر عما انتابهم من مشاعر أسف لقراري، وأقدر حسن تفهمهم لأسباب اتخاذي له. فقد كان من ضمن موجباته قناعتي التامة بأن الفرصة يجب أن تتاح لجيل جديد ليؤدي واجبه نحو وطنه، ويقود مسيرة البناء، ويضع حدا لمعاول الهدم. وثقتي كبيرة بالشباب الواعد الذي يختزن في قلبه حب الكويت وفي عقله طاقة الإبداع والعطاء، فهم نصف الحاضر وكل المستقبل، وهم قادة الغد بإذن الله.

إن الشعب الكويتي بما يمتلكه من وعي، وما يختزن فيه من حب لوطنه، يتحمل مسؤولية كبيرة في هذه المرحلة، وعليه أن يؤديها بأمانة وتفان وتضحية من خلال اختيار الأفضل للكويت في الانتخابات النيابية المقبلة حتى يسلم هذا الوطن العزيز من حالة التأزيم المتواصل التي لم نجن منها سوى تعطيل مصالح البلاد والعباد.

وإنني إذ أعلن عدم ترشحي للانتخابات النيابية المقبلة، فإنني أؤكد في الوقت ذاته عدم انسحابي من العمل الوطني، فالكويت أمانة في أعناقنا جميعا، وهي أكبر من أن تختصر في سلطة

أو منصب. لقد قلتها وسأظل أقولها.

إن وحدة الكلمة والتماسك في بيت الحكم هما الأساس للاستقرار السياسي وديمومة نظام الحكم، ويجب ألا تؤثر في ذلك مصالح خاصة أو نزاعات شخصية داخل بيت الحكم، وحصانة الكويت وحكمها لا تكون إلا بالالتفاف حول القيادة والحسم في القرار.

والديموقراطية لا تؤتي ثمارها بالصراع على المصالح الضيقة وبالتهديد والوعيد، فذلك عدوها الذي يقوضها ويقوض الوطن معها.

والتنوع المذهبي والطائفي والقبلي سمة طبيعية إذا ما تحصن بالحكمة والوعي السليم والحرص الشديد على الوحدة الوطنية، ويتحول إلى خطر داهم في ظل التعصب والتطرف والتشدد.

والاحتكام للدستور والقانون والمؤسسات هو أقصر وأنجع الطرق إلى الحلول والإصلاح، والقفز على ذلك يحيل الديموقراطية إلى فوضى، والرقابة إلى ملهاة، والمحاسبة إلى كيدية، والممارسة الديموقراطية إلى عبث ضار.

والقضاء هو الحصن الحصين لنظامنا الديموقراطي وملاذ الدولة وسورها المنيع، ويجب أن يبقى مستقلا وقويا وعادلا، فعكس ذلك تكون نتائجه مدمرة.

والكويت رديفة وحدتها الوطنية، فإذا أصاب وحدتنا التمزق والتشتت تضررت الكويت، وإذا تضررت لا سمح الله نجح من يرغب في إيجاد الفتنة في البلاد.

لقد قلت كل ذلك وعملت من أجله وسأظل أعمل من أجله، ويحق علي في الخاتمة أن أتقدم بعميق شكري وخالص امتناني لحضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وسمو ولي عهده الأمين حفظهما الله، وشكري يتواصل لزملائي أعضاء مجلس الأمة والعاملين فيه، ووسائل إعلامنا الوطني، وأعتذر إذا ما بدر مني أي وجه من أوجه القصور فعذري أني اجتهدت، وأدعو العلي القدير أن يوفق الجميع ويحفظ الكويت وأهلها من كل مكروه.

والله ولي التوفيق

بقلم: جاسم محمد الخرافي

 رئيس مجلس الأمة السابق

تعليقات

اكتب تعليقك