على البنك أن يكون مواطنا صالحا بقلم بوب دياموند

الاقتصاد الآن

389 مشاهدات 0


بعد اندلاع الأزمة المالية في عام 2008 بفترة وجيزة، كنت أحضر اجتماعاً في الولايات المتحدة عندما سألني أحد كبار المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض: “هل تعتقد أن البنك من الممكن أن يكون مواطناً صالحا؟”.
كنت على وشك الرد عليه بالإيجاب عندما قاطعني قائلا: “إن كنت تعتزم الإجابة بنعم، فعليك أن تفكر في حقيقة مفادها أن أحداً لن يصدقك”.
استوقفني هذا الاستطراد من جانب سائلي، ولقد فكرت كثيراً في هذا الأمر على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، التي كانت عصيبة للغاية بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي.
إن البيئة الاقتصادية التي نعيش ونعمل فيها في الوقت الحاضر تشكل تحدياً من نوع خاص، ففي أوروبا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة نشعر بوطأة المستويات التي لا يمكن تحملها من الديون العامة والخاصة التي تراكمت أثناء الأعوام التي سبقت 2008. والآن تستعين الحكومات والأسر على السواء بتدابير خفض الإنفاق، بدرجات مختلفة من القبول العام والاضطرابات الاجتماعية.
إن القضية الأكثر أهمية التي ينبغي للبنوك وغيرها من الشركات أن تركز عليها في عام 2012 تتلخص في النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، ولكن لكي تؤدي البنوك الدور اللائق بها في توليد فرص العمل، يتعين عليها أن تعيد بناء الثقة التي دُمِّرَت إلى حد كبير نتيجة للأحداث التي وقعت طيلة الأعوام الثلاثة الماضية، وهذا يعني أن القائمين على العمل المصرفي مطالبون باستغلال الدروس المستفادة من الأزمة للتحول إلى مواطنين أفضل وأكثر فعالية.
الأمر ببساطة أن القطاع الخاص ملزم بالعمل كمحرك للنمو وتشغيل العمالة، ولابد أن تؤدي البنوك دوراً حيوياً في تحقيق هذه الغاية، بيد أن أداء البنوك بصراحة كان هزيلاً للغاية في شرح الكيفية التي ينبغي لنا أن نساهم بها في المجتمع، ويتعين علينا أن نصلح هذا كجزء من عملية استعادة الثقة بما نقوم به من عمل.
إن البنوك، على المستوى الأساسي، مؤتمنة على ودائع الأفراد والشركات والحكومات، ونحن نعمل على تشغيل هذه الأموال بمساعدة الناس على شراء المساكن على سبيل المثال، أو بإقراض الشركات النامية.
وتعمل البنوك أيضاً على تقديم الخدمات الضرورية للحكومات والشركات، من خلال توفير إمكانية الوصول المباشر إلى المشترين العالميين للديون والأسهم، وإنشاء أسواق أضخم وأكثر تماسكاً للبائعين والمشترين. ويصف البعض هذه الأنشطة بأنها تجارة مضاربة، ويرسمون صورة كاركاتيرية للأسواق المالية بوصفها نوادي مقامرة، والواقع أن هذه الأسواق تخدم احتياجات أساسية لعملائها.
وبطبيعة الحال، لكي تتمكن البنوك من تلبية هذه الاحتياجات فلابد أن تكون أكثر أمناً وقوة مما كانت عليه قبل الأزمة، والواقع أن الكثير من الأمور تغيرت في القطاع المالي اليوم، فلم تعد البنوك تقترض بنفس المستويات السابقة؛ وأصبحت تمتلك المزيد من رؤوس الأموال؛ وأصبحت تتمتع بموارد مالية أكثر ثباتاً وسيولة للإقراض.
إن البنوك القوية تحتاج إلى تنظيم قوي، ونحن نعتقد أن أموال دافعي الضرائب لا ينبغي أبداً أن تُعَرَّض للخطر مرة أخرى لإنقاذ البنوك المفلسة أو الفاشلة، ولكن بعد ثلاثة أعوام منذ اندلاع الأزمة المالية في عام 2008، لا نزال نواجه تحديات كبرى، كما أثبتت أزمة منطقة اليورو المستمرة حتى الآن، لذا فمن غير المستغرب أن يتشكك العديد من الناس في أن أي شيء قد تغير حقاً.
والطريقة الوحيدة التي قد تتمكن بها البنوك من استعادة ثقة الناس هي أن تتحول البنوك إلى مواطنين أفضل، ولابد أن يبدأ هذا بالكيفية التي تتصرف بها البنوك، فعلينا أن نبرهن على أننا نعمل بقدر كبير من الثقة والنزاهة، وهذا يعني أن مصالح العملاء لابد أن تكون في قلب كل قرار نتخذه.
في عام 1970 كتب ميلتون فريدمان، الحائز جائزة “نوبل”- وواحد من أفضل رجال الاقتصاد في نظري- مقالاً زعم فيه أن المسؤولية الاجتماعية الوحيدة الملقاة على عاتق الشركات ورجال الأعمال تتلخص في تعظيم الأرباح، بيد أنني لا أتفق معه في هذه النقطة.
يتعين على الشركات أن تزيد من أرباحها على النحو الذي يساهم في خلق قيمة مستدامة لمصلحة حاملي الأسهم، وليس مجرد مكاسب قصيرة الأجل، وينطبق هذا على الصناعات المختلفة لا القطاع المصرفي فحسب، وبوسعنا أن نتعرف على الفوائد المترتبة على هذا النهج في المسارات التي تصوغها شركات مثل “يونيليفر”، و”بيبسي كو”، و”نستله”.
وبوسع البنوك- بل يتعين عليها- أن تفعل الشيء نفسه من خلال التركيز على مصالح العملاء والمجتمعات التي تخدمها هذه البنوك، ويتلخص التحدي في موازنة التزاماتنا تجاه كل أصحاب المصلحة في صناعتنا، سواء العملاء أو المساهمون، بما في ذلك صناديق التقاعد التي تساعد الملايين من الناس في أنحاء العالم المختلفة على الادخار لأعوام تقاعدهم.
وهذا ليس بالأمر السهل دوماً، فالقرارات التي نتخذها في كل يوم تحيط بها معضلات متأصلة، لكن القيام بكل ما يصب في مصلحة العملاء والمساهمين والمجتمعات من شأنه أن يضمن اتخاذنا للقرارات السليمة في أغلب الأحيان.
ولهذا السبب فإن الإجابة عن السؤال الذي طُرِح عليّ قبل ثلاثة أعوام هي أن البنك لابد أن يكون مواطناً صالحا، وأنا أقُدِّر أن إقناع الناس بهذا المفهوم سيتوقف على رؤيتهم لاختلاف ملموس في الطريقة التي تشارك بها البنوك في المجتمع، وقد لا يدرك الناس أي اختلاف في الوقت الحالي؛ ذلك أن التغيير الجاري الآن لا يزال في مراحله المبكرة، ولكننا عازمون على مواصلة العمل لتحقيق هذه الغاية، وأنا شخصياً ملتزم بتحقيقها.

جريدة الجريدة

تعليقات

اكتب تعليقك