دفاعا عن الاختلاط، سليمان الفهد يكتب عن المتهم بالتهديد للراشد يريد تحويل الديرة إلى «حرملك» و«رجالّك»!

زاوية الكتاب

كتب 364 مشاهدات 0


 

 

الحرملك... هو الحل

خذ وخل: الحرملك... هو الحل!
سليمان الفهد
 
كيف يكون الاختلاط حراماً زقوما داخل حرم الجامعات الموجودة داخل الوطن وحلالاً «بلالاً» خارج حدود الوطن، ومسكوتاً عنه تماماً من دون أن يحفل به الغيورون على أخلاق أولادنا وبناتنا الذين يتعلمون في جامعات مختلطة؟

* إنه لأمر غريب وغير سوي أن يصل رفض الرأي الآخر إلى حد رفض وجود الآخر ذاته، والتلويح بتصفيته الجسدية! ولعله من نافل القول التشديد على أن التهديد بتصفية الخصوم ليست من الشجاعة في شيء، لأن الرأي يتم مقارعته والتصدي له بالرأي الآخر المتكئ على الحجة والبينة والدليل والبرهان بداهة! لكن هذه البديهية ليست كذلك لدى صاحب التهديد الذي أعماه التعصب الشديد لرأيه عن استبصار الحق! نحن إزاء تعصب أعمى يحرض مولاه على ممارسة سلوك شاذ يصل إلى حد التهديد بتصفية الخصوم، وحين سمعت بالتهديد حسبته لأول وهلة صادر عن شاب مراهق متوحد بالتشدد ورفض الآخر، وإذا بالأخبار تقول إنه مواطن عجوز يفترض أنه تجاوز مرحلة المراهقة الثانية منذ مدة طويلة، لكن يبدو أن المراهقة الفكرية غير مرهونة بسن معينة، بل يمكن أن يُبتلى بها المرء في أي سن! ومع ذلك كله فقد كان المتهم بالتهديد «رحيماً» لأنه خص تهديده بالنائب «الراشد» وحده من دون أن يشمل النائبين اللذين يشاركانه رأيه!

الشاهد أن هذا التهديد هو أحد تجليات السلوك المتشدد الذي يجثم على كاهل المجتمع. ومن هنا: لنا أن نتوقع حدوثه إثر كل لعلعة بالرأي الآخر، وقد تكون ردة الفعل متجاوزة للفعل لما هو أنكى وأسوأ! كأن يتقدم أحد النواب للتوسط له، أو الإعلان أن المتهم مختل عقلياً وفق العادة العرباوية التي صارت «فولكلورية» من جراء شيوعها وتواترها في جُل الأقطار العربية! وقد اعتدنا على لوك واجترار مقولة إن هذه الواقعة الشاذة، والممارسة الخاطئة ليست من «عاداتنا وتقاليدنا» حتى باتت المقولة كأسطوانة مشروخة ممجوجة خاوية من المعنى: منذ سنوات عدة قلت: إن بلادنا فيها ديموقراطية من دون ديموقراطيين.

* وأراني اليوم أشد إصراراً على هذه المقولة، التي تؤكدها وتدلل عليها غياب الممارسات الديموقراطية عن نسيج حياتنا اليومية بكل تجلياتها في البيت، ومكان العمل، والشارع، والنادي، والحزب، وكل مكان! ومن نافل القول الإشارة إلى أن حضور الديموقراطية وغياب الديموقراطيين، لا يعيب الديموقراطية ولايشينها بقدر فضحه لسوأة «الديموقراطيين» وتعرية ممارساتهم اللا ديموقراطية.

فها نحن أولاء أمام مواطن «غيور» على عاداتنا وتقاليدنا، قرأ خبراً بشأن عزم بعض النواب على إلغاء قانون منع الاختلاط في الجامعة، والمعاهد العليا والجامعات الأجنبية، فهو أمام «منكر» لابد له من تغييره، والملفت للنظر اختياره لأقصى درجات تغيير المنكر المتبدية بتصفية الخصم وزهق روحه، من دون أن يرف له جفن الجدل بالتي هي أحسن!

ولحسن حظ الإخوة النواب مقدمي مشروع قانون إعادة الاختلاط، أن المهدد بالقتل قام بتنزيلات لجريمة الاغتيال، وحصرها في أحدهم وليس كلهم ولله الحمد! والأمر الذي يستحق الحمد بحق هو تمكن الأجهزة المختصة في وزارة الداخلية من معرفة هوية واسم الشخص المتهم بالتهديد بسرعة قياسية تشكر عليها، إن العابثين بأجهزة «الموبايل» كثيرون، وهم يمارسون عبثهم ظانين أنهم بمنأى عن المساءلة والملاحقة والتعرية، برغم أن وزارة الداخلية تفتقر إلى رجال الأمن المختصين بجرائم وجنح الأجهزة الاتصالية الحاسوبية المتطورة، لكن عملية القبض على المتهم بتهديد النائب «الراشد» بالقتل، دللت على أن ثمة «ناطوراً» حاسوبياً صاحياً لكل من تسول له نفسه الأمارة بالتشدد: العبث بأمن الوطن وأمان المواطن!

ولو لم يكن الأمر كذلك، ما الذي يدفع مواطناً في السبعين من عمره إلى تهديد نائب بالقتل لمجرد أنه حاول بالسبل الدستورية تغيير قانون يراه خاطئاً؟! أعرف سلفاً أن العديد من المتقاعدين يصابون باحباط واكتئاب جراء الفراغ، وقلة الحيلة في الاستفادة من الوقت الخالي من المسؤولية، ولكن «هواية» التخلص من الخصوم بالقتل ليست «الرياضة» النظيفة المناسبة للمتقاعدين القاعدين في دورهم لا يبرحونها أبداً! ولو إلى دواوين المتقاعدين المشرّعة الأبواب صباحاً ومساءً للراغبين في إزالة المنكر بألسنتهم، ولا بأس عليه أن يوصف هذا المنحى بكونه أضعف الإيمان! لكن المتهم بالتهديد كان يريد «أقوى» الإيمان المتبدي في قتل مخالفه في الرأي المؤمن بجدوى الاختلاط! وليس سراً أن آلاف الطلبة والطالبات الجامعيين يدرسون في جامعات عربية وأجنبية مختلطة، من دون أن يعترض أحد، أو أن يصف الاختلاط الخارجي بكونه ضد عاداتنا وتقاليدنا إياها!

ومن هنا فإن السؤال الذي يدحرج نفسه هنا هو: كيف يكون الاختلاط حراماً زقوما داخل حرم الجامعات الموجودة داخل الوطن وحلالاً «بلالاً» خارج حدود الوطن، ومسكوتاً عنه تماماً من دون أن يحفل به الغيورون على أخلاق أولادنا وبناتنا الذين يتعلمون في جامعات مختلطة؟ يبدو أن المتهم بالتهديد يروم تحويل الديرة إلى «حرملك» في الوزارات و«المولات» والمسارح وغيرها لتنقسم الديرة إلى حرملك و«رجالّك»!


 

الجريدة

تعليقات

اكتب تعليقك