تكاليف انهيار منطقة اليورو.. قشتان تطيران في الهواء .. بقلم مارتن وولف
الاقتصاد الآنيناير 21, 2012, 9:53 ص 585 مشاهدات 0
يفترض أن يساعد تمويل البنك المركزي الرخيص الطويل الأجل على استقرار النظام المالي لمنطقة اليورو. أما إذا ما كان سيحقق الاستقرار لأسواق الديون السيادية فهو أمر أقل وضوحاً بدرجة كبيرة. ومن المحتمل أن يقاوم معظم البنوك الأوروبية شراء الديون السيادية الأشد خطورة، في وقت تضغط فيه السلطة المنظمة للنشاط المصرفي الأوروبي من أجل زيادة رأس المال الذي تحتفظ به البنوك. لكن البنوك المحلية قد تتخذ قرارات مختلفة، وربما يكون ذلك تحت الضغط. وسيساعد ذلك الحكومات المكشوفة، لكنه يزيد كذلك تركيز المخاطر في البنوك المحلية. وهذا خطر مرتفع، لأن 28 في المائة من الديون الإسبانية و27 في المائة من الديون الإيطالية في منتصف عام 2011 كانت لبنوك محلية، وفقاً لما ورد في ورقة عمل أعدها جان بيساني فيري، بتكليف من مركز التفكير، بروغل، في بروكسل.
إن استعداد ماريو مونتي رئيس وزراء إيطاليا للمجادلة - في مقابلة مع ''فاينانشيال تايمز'' - بأن على الدول الدائنة أن تبذل جهداً أكبر لتخفيض تكاليف اقتراض بلاده، حتى أنه حذّر من ''رد فعل قوي'' من جانب الناخبين في البلدان الطرفية في منطقة اليورو، إذا لم تفعل الدول الدائنة ذلك.
ومونتي في مركز قوي يسمح له بهذا القول، وإذا لم يكن هو من يقول ذلك، فمن ذا الذي يقول؟ وإذا لم يكن ذلك في الوقت الراهن، فمتى؟ إنه مسؤول محترم للغاية، ولديه آراء أوروبية مخلصة، وتعاطف قوي مع الاتجاهات الألمانية إزاء المنافسة والاستقرار المالي والنقدي. ومن المحتمل أن يكون بقاء اليورو معتمدا على نجاحه، على الأقل في صورته الحالية. ومن المؤكد أن فشله سوف يجلب الطوفان.
إن دراغي ومونتي يعالجان هشاشتين مرتبطتين معاً: انكشاف النظام المصرفي، والشروط غير المستدامة التي يمكن للبلدان الأضعف أن تقترض بموجبها في الوقت الراهن، لكن ليس بإمكانهما حل هذه الصعوبات. ويتطلب ذلك الأمر خطوات جذرية أكثر بكثير مما يستطيع أن يقدمه أي منهما منفرداً.
وفي مايلي مزيدا من التفاصيل:
هل ينقذ الثنائي ماريو – ماريو مونتي، رئيس الوزراء التكنوقراطي الجديد لإيطاليا، وماريو دراغي، الرئيس الجديد للبنك المركزي الأوروبي ـ منطقة اليورو؟ لا. لكن بإمكان الأفراد إحداث تغير. هذان الرجلان يجلبان الجانب شيئا من الواقعية المتطورة إلى الطاولة. ومن دون ذلك، فإن هذا الهيكل المشوب بالنقص لن يستمر. وعلى السياسيين أن يكونوا أكثر تعاوناً وأكثر مرونة في الوقت ذاته. فالتكاليف الاقتصادية والسياسية لانهيار منطقة اليورو من الضخامة بأن تجعل المرء مضطراً لأن يأمل بحدوث الأفضل. وقد يحّول الثنائي ماريو السياسة باتجاه أكثر إنتاجية.
هناك قشتان تطيران في الهواء. أولاهما، هي عملية إعادة التمويل طويلة الأجل التي أعلن عنها البنك المركزي الأوروبي في الشهر الماضي. وفي ظل ضغوط التمويل الشديدة للغاية على البنوك، فإن عرض إقراض الأموال لفترة ثلاث سنوات بسعر الفائدة الأساس لدى البنك المركزي الأوروبي (البالغ 1 في المائة حالياً)، دون ندوب، كان عرضاً لم تستطع بنوك منطقة اليورو رفضه. وكان التقدير الأولي يبلغ 489 مليار يورو لـ 523 بنكاً، علما بأن ميزانية البنك المركزي الأوروبي على وشك توسع كبير. وكانت هذه خطوة شجاعة وحاذقة من جانب دراغي، وربما تكون أقصى ما يستطيع أن يفعله في الوقت الراهن.
يفترض أن يساعد تمويل البنك المركزي الرخيص والطويل الأجل على استقرار النظام المالي لمنطقة اليورو. أما ما إذا كان سيحقق الاستقرار لأسواق الديون السيادية فهو أمر أقل وضوحاً بدرجة كبيرة. ومن المحتمل أن يقاوم معظم البنوك الأوروبية شراء الديون السيادية الأشد خطورة، في وقت تضغط فيه السلطة المنظمة للنشاط المصرفي الأوروبي من أجل زيادة رأس المال الذي تحتفظ به البنوك. لكن البنوك المحلية قد تتخذ قرارات مختلفة، وربما يكون ذلك تحت الضغط. وسيساعد ذلك الحكومات المكشوفة، لكنه يزيد كذلك تركيز المخاطر في البنوك المحلية. وهذا خطر مرتفع، لأن 28 في المائة من الديون الإسبانية و27 في المائة من الديون الإيطالية في منتصف عام 2011 كانت لبنوك محلية، وفقاً لما ورد في ورقة عمل أعدها جان بيساني فيري، بتكليف من مركز التفكير، بروغل، في بروكسل*.
القشة الأخرى، هي استعداد ماريو مونتي للمجادلة ـ في مقابلة مع ''فاينانشيال تايمز'' ـ بأن على الدول الدائنة أن تبذل جهداً أكبر لتخفيض تكاليف اقتراض بلاده، حتى أنه حذّر من ''رد فعل قوي'' من جانب الناخبين في البلدان الطرفية في منطقة اليورو، إذا لم تفعل الدول الدائنة ذلك. ومونتي في مركز قوي يسمح له بهذا القول. وإذا لم يكن هو من يقول ذلك، فمن ذا الذي يقول؟ وإذا لم يكن ذلك في الوقت الراهن، فمتى؟ إنه مسؤول محترم للغاية، ولديه آراء أوروبية مخلصة، وتعاطف قوي مع الاتجاهات الألمانية إزاء المنافسة والاستقرار المالي والنقدي. ومن المحتمل أن يكون بقاء اليورو معتمدا على نجاحه، على الأقل في صورته الحالية. ومن المؤكد أن فشله سوف يجلب الطوفان. إن دراغي ومونتي يعالجان هشاشتين مرتبطتين معاً: انكشاف النظام المصرف، والشروط غير المستدامة التي يمكن للبلدان الأضعف أن تقترض بموجبها في الوقت الراهن. لكن ليس بإمكانهما حل هذه الصعوبات. ويتطلب ذلك الأمر خطوات جذرية أكثر بكثير مما يستطيع أن يقدمه أي منهما منفرداً.
تشير ورقة بيساني فيري، وورقة أخرى له شارك في إعدادها باول دواغراووي، من جامعة ليوفن، إلى المشاكل الأعمق المطلوب علاجها**. تجادل الأولى بأن النقاش حول الإصلاح يركز على الانضباط المالي، على الرغم من أن فشل التقيد بهذه القواعد المالية لعب دوراً صغيراً في حدوث الأزمة الراهنة. وكان بذات الأهمية السلوك غير المسؤول من جانب المقرضين الخاصين، وفي حالات كثيرة من جانب المقترضين الخاصين. وتقول الورقتان إن ما يحتاج إلى الفهم هو هشاشة منطقة اليورو كهيكل في الجوانب الثلاثة المترابطة: الافتقار إلى أي مسؤولية مشتركة عن الدين العام، وغياب الدعم النقدي للاقتراض السيادي، حتى خلال أزمة حادة، والارتباط الوثيق بين الديون السيادية والبنوك المحلية.
إن ما يثير الدهشة بخصوص فروقات المخاطر بخصوص الديون السيادية لبلدان منطقة اليورو هو أنه لا تعادلها تلك الديون السيادية للبلدان مرتفعة الدخل في بنوكها المركزية الخاصة بها، كما هي حال المملكة المتحدة، على الرغم من أن عجوزاتها، أو ديونها تكون في بعض الأحيان أعلى من ديون بلدان منطقة اليورو التي تقارن بها. ولهذا يمكن تفهم شدة انزعاج فرنسا من تخفيض تصنيف ديونها، بينما تحافظ المملكة المتحدة (في الوقت الراهن) على تصنيف AAA. إن المستثمرين فيما أصبح يعرف الآن ''بالديون تحت السيادية'' يواجهون مخاطر سيولة قد تضربهم في أي وقت.
مثل هذا الانكشاف أمام الأزمات المالية وأزمات الديون السيادية ليس هو التهديد الوحيد للبلدان الأضعف في منطقة اليورو. إنها تواجه كذلك مهمة تكيف أكبر مما تواجهه البلدان ذات أسعار الصرف المرنة. والخطر على أية حال، هو أن شدة الأزمات المالية التي عاناها الأعضاء تحرمهم من الوقت الذي هم بحاجة إليه لإحداث تغيرات في التنافسية. وفي الحالة الإيطالية، مثلا، فإن مزيجاً من أسعار الفائدة المرتفعة، والبنوك المكشوفة، والتقشف المالي يحتمل أن يؤدي إلى انكماش مطول وعميق، وكذلك إلى زيادة العجوزات المالية الدورية، بينما يتراجع العجز الهيكلي. ويحتاج بلد كبير في سبيل تخفيض قيمة عملته كسبيل إلى التعافي، في مثل هذه الظروف، إلى جهد عظيم بحجم جهد سيسيفوس. وليس لدى أي ديمقراطية حديثة صبر لا حدود له. والأسواق تعرف هذا الأمر وسيكون رد فعلها وفقاً لذلك.
يجادل بيساني فيري بأن هناك إصلاحات متعددة ممكنة: تحرك باتجاه إشراف اتحادي، وإنشاء مصدات حماية للبنوك، وإصلاح البنك المركزي الأوروبي لجعله بنكاً مركزياً حديثاً، أو أمر أقرب إلى الاتحاد المالي. وتنتج عن كل ذلك صعوبات ضخمة. وليس من المحتمل الموافقة على أي منها. لكن من الصعب تصور أي خلاص من الأزمة والانتقال إلى شيء أكثر استقراراً من دون بعض مثل هذه التغييرات. وإذا فشل الوضع القائم، وتم استبعاد أي تفكك، فإن على المرء اختيار إصلاحات مهما كانت مؤلمة.
إذا سألنا لماذا تعتبر التغييرات المطلوبة صعبة للغاية، فمن المحتمل أن تكون الإجابة ذات ثلاثة جوانب. أول ذلك، أن هذا المشروع كان رهاناً على كيفية شعور المواطنين ''الأوروبيين'' في الدول الأعضاء إزاءه. والإجابة، حتى الآن، هي ''بصورة ليست كافية''، أو ربما ''أقل فأقل''. أما الجانب الثاني، فهو أن المشروع كان يراهن على التمكن من الاتفاق على تشخيص مشترك وحلول ناجعة في حال وقوع أزمة. وحتى الآن لا يوجد شيء من ذلك. وأخيراً، المشروع كان رهاناً على أنه إذا حلت الأزمة، فإن القيادة ستأتي معها. وما زلنا، مرة أخرى، بانتظار الرؤية الواضحة.
مع ذلك، تكاليف الفشل من الضخامة بحيث أن إمكانية الإصلاح المحلي، وعلى مستوى منطقة اليورو، يجب أن تظل قائمة. ويمكن لقيادة دراغي للبنك المركزي الأوروبي المساعدة على تحقيق ذلك. وفي الوقت نفسه، مونتي في مركز يسمح له بتملق الأعضاء الآخرين بمن فيهم الألمان، باتجاه الإصلاحات. ويمكنه قول الحقيقة لقوة الدائنين، وعليهم أن ينصتوا إليه باهتمام .
تعليقات