المسيرات من مظاهر الخروج على الحاكم

محليات وبرلمان

'الأوقاف' عبر خطبة الجمعة : طاعة الأئمة فرض واجب على كل الرعية

1156 مشاهدات 0


تناولت خطبة الجمعة الأخيرة التي وزعتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على مختلف مساجد الكويت كيفية التعامل مع الحاكم مؤكدة أن من المهمات التي كان يوصي بها الرسول صلى الله عليه وسلم ويحث أمته عليها ما يتعلق بمعاملة الحاكم كما كان يرغب في اكرامه وتوقيره والدعاء له، وتوجيه النصيحة له والصبر على جوره.
وقالت الوزارة في بيان وزعته على الصحف إن الخطبة أوضحت الخلل الناجم عن عن ترك نصيحة الرسول في هذا الجانب والشرر العظيم والخطر الجسيم المترتب عليه، وبالتالي من الضروري الالتزام بنصائح الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأشارت إلى أن الخطبة شرحت آثار طاعة الأمراء ومنها انتفاء الغل والحقد والنفاق من الْقلب، مشيرة إلى أن من الفوائد المترتبة على اتباع منهج السلف في معاملة الحكام حصول صلاحهم بنصحهم والدعاء لهم.
وذكرت وزارة الأوقاف إن الخطبة تطرقت إلى فوائد اجتماع المسلمين وتلاَحمهم حيث أنه مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسلاَمية وهو ضرورة اجتماعية، وحاجة بشرية، ومصلحة دينية ودنيوية.
وأكد البيان أن الخطبة أوضحت أن الرعية إِن التفوا حول حكامهِم، ووقفوا بجانبهم، وساندوهم على فعلِ الخير، وتدبير أمور الدولة، صَلُحَ للمجتمع أمره، وعاشت الرعية في أمن وأمان من غير خوف ولا وَجَلْ.
وأفادت خطبة الجمعة أن كلمة الأمة إذا تفرقت والرعية إذا تمردت ، دخلت الأهواء والضغائن وصار كل واحد يسعى إلى تنفيذ مراده، فتنتشر الفوضى، وتضعف قوة السلطان ويسعى كل مريد للشر وباغ للفساد لبث شره وفساده، فتفتح أبواب الفتن والتنازع في الآراء المفضي إلى التفرق الذميم وإيقاد نار الفتنة ، وإلقاء العداوة والبغضاء بسببها في قلوب المسلمين، وإفساد ذات البين.
وشددت الخطبة الجمعة الثانية على أن طاعة الأئمة فرض واجب على كل الرعية ، وأن طاعة السلطان مقرونة بطاعة الرحمن، وأن طاعة السلطان تؤلف شمل الدين، وتنظم أمر المسلمين، وأن عصيان السلطان يهدم أركان الملة ، وأن أرفع منازل السعادة هي طاعة السلطان فهي معصية من كل فتنة ونجاة من كل شبهة.
ونبهت إلى أن الخروج على الحاكم المسلم أمر محرم في الدين، ومن مظاهر الخروج، ما يسمى بالمظاهرات والمسيرات والاعتصمات والاضرابات التي يراد بها الضغط على الحكومات والأنظمة لتحقيق المطالب، وهذا الأمر يسبب الفوضى ويوقع الخلل والاضطرابات.
وعرجت خطبة الجمعة إلى طريق الإصلاح الذي يبدأ بالوسائل المشروعة لا الممنوعة وأن النزول إلى الشوارع والميادين أمر مخالف للدين وينذر بضياع أمر المسلمين.

وفيما يلي خطبة الجمعة الأخيرة كاملة:
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ, وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ, وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[ [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [ [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ؛ فَإِنَّ فِي تَقْوَاهُ عَزَّ وَجَلَّ عِصْمَةً مِنَ الضَّلاَلَةِ، وَسَلاَمَةً مِنَ الْغِوَايَةِ، وَأَمْناً مِنَ الْمَخَاوِفِ، وَنَجَاةً مِنَ الْمَهَالِكِ، وَمَنْ حَقَّقَ التَّقْوَى آتَاهُ اللهُ نُوراً وَضِيَاءً، يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الضَّلاَلَةِ وَالْهُدَى، وَالْبَصِيرَةِ وَالْعَمَى، كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَلاَ: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ( [الأنفال:29].
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ:
إِنَّ مِنْ مُهِمَّاتِ الأُمُورِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللهِ r يُوصِي بِهَا، وَيَحُثُّ أُمَّتَهُ عَلَيْهَا، مَا يَتَعَلَّقُ بِمُعَامَلَةِ الْحَاكِمِ، إِذْ كَانَ rيُوصِي بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُ، وَيُرَغِّبُ فِي إِكْرَامِهِ وَتَوْقِيرِهِ، وَالدَّعَاءِ لَهُ، وَتَوْجِيهِ النَّصِيحَةِ إِلَيْهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ، وَبَيَّنَ الضَّوَابِطَ الْمُهِمَّةَ فِي هَذَا الْبَابِ، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهَا سَلِمَ وَغَنِمَ، وَمَنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا خَابَ وَغَرِمَ، ثُمَّ سَارَ عَلَى ذَلِكَ صَحَابَتُهُ الْكِرَامُ، وَأَوْصَوْا مَنْ بَعْدَهُمْ بِمَا أَوْصَاهُمْ بِهِ رَسُولُ الإِسْلاَمِ r، فَسَدُّوا أَبْوَابَ الْفِتَنِ عَنِ الأُمَّةِ، وَعَاشُوا فِي خَيْرٍ وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ إِلَى أَنْ دَبَّ الْخَلَلُ فِي أَوَاخِرِ خِلاَفَةِ عُثْمَانَ tحِينَمَا خَالَفَ قَوْمٌ مِنَ الثُّوَّارِ سَبِيلَ اللهِ فَجَرُّوا عَلَى الأُمَّةِ الشُّرُورَ وَالْوَيْلاَتِ، وَسُلَّ السَّيْفُ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ r.
إِنَّ الإِخْلاَلَ - يَا عِبَادَ اللهِ- بِهَذِهِ النَّصِيحَةِ شَرُّهُ عَظِيمٌ، وَخَطَرُهُ جَسِيمٌ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ r، وَالْتَزِمُوا وَصَايَا رَسُولِكُمْ r، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا إِنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئاً يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ شِبْراً فَيَمُوتَ، إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
مَعَاشِرَ الأَحِبَّةِ:
إِنَّ فِي تَحْقِيقِ مَنْهَجِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ سَلَفِ الأُمَّةِ فِي مُعَامَلَةِ الْحُكَّامِ: أَثَراً عَظِيماً عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ، إِذْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُمْ تَنْتَظِمُ مَصَالِحُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَعاً، وَبِالاِفْتِيَاتِ عَلَيْهِمْ قَوْلاً أَوْ فِعْلاً فَسَادُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَلَعَلَّ مِنْ أَعْظَمِ الآثَارِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى اتِّبَاعِ هَذَا الْمَنْهَجِ الْقَوِيمِ: سَلاَمَةَ الدِّينِ وَظُهُورَهُ، وَتَحْقِيقَ عِبَادَةِ اللهِ بِأَمْنٍ وَأَمَانٍ، فَبِالإِمَامَةِ يُقَامُ الدِّينُ وَيَنْتَشِرُ الإِسْلاَمُ، وَيَظْهَرُ أَمْرُ الْمُسْلِمِينَ؛ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ t: لاَ يُصْلِحُ النَّاسَ إِلاَّ أَمِيرٌ بَرٌّ أَوْ فَاجِرٌ قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا الْبَرُّ فَكَيْفَ بِالْفَاجِرِ؟! قَالَ: إِنَّ الْفَاجِرَ يُؤَمِّنُ اللهُ بِهِ السُّبَلَ، وَيُجَاهَدُ بِهِ الْعَدُوُّ، وَيُجْبَى بِهِ الْفَيْءُ، وَتُقَامُ بِهِ الْحُدُودُ، وَيُحَجُّ بِهِ الْبَيْتُ، وَيَعْبُدُ اللهَ فِيهِ الْمُسْلِمُ آمِناً حَتَّى يَأْتِيهِ أَجَلُهُ» وَقَدْ قِيلَ «سِتُّونَ سَنَةً مَعَ إِمَامٍ جَائِرٍ أَصْلَحُ مِنْ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِلاَ سُلْطَانٍ». قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: «وَأَمَّا السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِوُلاَةِ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَفِيهَا سَعَادَةُ الدُّنْيَا، وَبِهَا تَنْتَظِمُ مَصَالِحُ الْعِبَادِ فِي مَعَاشِهِمْ، وَبِهَا يَسْتَعِينُونَ عَلَى إِظْهَارِ دِينِهِمْ وَطَاعَةِ رَبِّهِمْ».
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ:
إِنَّ مِنْ آثَارِ طَاعَةِ الأُمَرَاءِ انْتِفَاءَ الْغِلِّ وَالْحِقْدِ وَالنِّفَاقِ مِنَ الْقَلْبِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ t عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ قَالَ: «نَضَّرَ اللهُ امْرَءًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلاَثٌ لاَ يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلاَصُ الْعَمَلِ للهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهُمْ»، يَقُولُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: «أَيْ: لاَ يَكُونُ الْقَلْبُ عَلَيْهِنَّ وَمَعَهُنَّ غَلِيلاً أَبَداً، يَعْنِي: لاَ يَقْوَى فِيهِ مَرَضٌ وَلاَ نِفَاقٌ إِذَا أَخْلَصَ الْعَمَلَ للهِ، وَلَزِمَ الْجَمَاعَةَ، وَنَاصَحَ وَلِيَّ الأَمْرِ.
رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ t أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ: «إِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي، وَلاَ أُمَّةُ بَعْدَكُمْ، أَلاَ فَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ، وَصَلَّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ طَيِّبَةً بِهَا نُفُوسُكُمْ، وَأَطِيعُوا أُمَرَاءَكُمْ، تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ» فَكَانَتْ طَاعَةُ الأُمَرَاءِ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ الْجِنَانِ، كَمَا أَنَّ مِنَ الْفَوَائِدِ الْعِظَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى اتِّبَاعِ مَنْهَجِ السَّلَفِ فِي مُعَامَلَةِ الْحُكَّامِ: حُصُولَ صَلاَحِهِمْ بِنُصْحِهِمْ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ، قَالَ الْبَرْبَهَارِيُّ: «فَأُمِرْنَا أَنْ نَدْعُوَ لَهُمْ وَلَمْ نُؤْمَرْ أَنْ نَدْعُوَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ جَارُوا وَظَلَمُوا؛ لأَِنَّ ظُلْمَهُمْ وَجَوْرَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَصَلاَحَهُمْ لأَِنْفُسِهِمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ». وَكَانَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ يَقُولُ: «لَوْ أَنَّ لِي دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً مَا جَعَلْتُهَا إِلاَّ فِي السُّلْطَانِ، قِيلَ لَهُ يَا أَبَا عَلِيِّ فَسِّرْ لَنَا هَذَا، قَالَ: إِذَا جَعَلْتُهَا فِي نَفْسِي لَمْ تَتَعَدَّنِي، وَإِذَا جَعَلْتُهَا فِي السُّلْطَانِ صَلُحَ، فَصَلُحَ بِصَلاَحِهِ الْعِبَادُ وَالْبِلاَدُ».
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
إِنَّ اجْتِمَاعَ الْمُسْلِمِينَ وَتَلاَحُمَهُمْ مَقْصِدٌ عَظِيمٌ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ فَهُوَ ضَرُورَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ، وَحَاجَةٌ بَشَرِيَّةٌ، وَمَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ، وَاتِّبَاعُ مَنْهَجِ السَّلَفِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْحُكَّامِ يُورِثُ الأُمَّةَ تَلاَحُماً وَاجْتِمَاعاً وَأُلْفَةً حُكَّاماً وَمَحْكُومِينَ، فَالرَّعِيَّةُ إِنِ الْتَفُّوا حَوْلَ حُكَّامِهِمْ، وَوَقَفُوا بِجَانِبِهِمْ، وَسَانَدُوهُمْ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ، وَتَدْبِيرِ أُمُورِ الدَّوْلَةِ، صَلُحَ لِلْمُجْتَمَعِ أَمْرُهُ، وَعَاشَتِ الرَّعِيَّةُ فِي أَمْنٍ وَأَمَانٍ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ وَجَلٍ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ tفِي خُطْبَةٍ لَهُ: «أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّهَا حَبْلُ اللهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ، وَمَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ». فَبِطَاعَةِ الأُمَرَاءِ تُحْفَظُ الْحُقُوقُ وَالأَعْرَاضُ، وَتَحْقَنُ الدِّمَاءُ وَالأَرْوَاحُ.
إِنَّ مِنَ الآثَارِ الْعَظِيمَةِ لاِتِّبَاعِ الرَّعِيَّةِ لِلْمَنْهَجِ الْقَوِيمِ فِي مُعَامَلَةِ الْحُكَّامِ: مَا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنَ الْعِزَّةِ، وَالرِّفْعَةِ وَالسِّيَادَةِ وَالظُّهُورِ فِي الأَرْضِ، وَخَوْفِ الأَعْدَاءِ وَهَيْبَتِهِمْ مِنْهُمْ؛ إِذْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَالاِنْقِيَادِ لِلأُمَرَاءِ وَالْجِهَادِ مَعَهُمْ يَظْهَرُ لِلْعَدُوِّ اجْتِمَاعَهُمْ، وَتَكَاتُفَهُمْ وَتَمَاسُكَهُمْ ضِدَّ أَعْدَائِهِمْ، سَائِرِينَ خَلْفَ أُمَرَائِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ لاَ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ أَمْرِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ، مُحَقِّقِينَ بَعْدَ ذَلِكَ انْتِظَامَ دَوْلَتِهِمْ.
قَالَ الْحَافِظُ بْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: «وَأَمَّا السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِوُلاَةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَفِيهَا سَعَادَةُ الدُّنْيَا، وَبِهَا تَنْتَظِمُ مَصَالِحُ الْعِبَادِ فِي مَعَاشِهِمْ، وَبِهَا يَسْتَعِينُونَ عَلَى إِظْهَارِ دِينِهِمْ وَطَاعَةِ رَبِّهِمْ» وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ الرَّشيِدُ -رَحِمَهُ اللهُ- فَإِنَّ فِي طَاعَةِ وُلاَةِ الأُمُورِ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْمَصَالِحِ مَا لاَ يُحْصَى؛ فَفِيهَا سَعَادَةُ الدِّينِ، وَانْتِظَامُ مَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي مَعَاشِهِمْ، وَيَسْتَعِينُونَ بِهَا عَلَى إِظْهَارِ دِينِهِمْ وَطَاعَةِ رَبِّهِمْ.
كَمَا أَنَّ الْكَلِمَةَ إِذَا تَفَرَّقَتْ، وَالرَّعِيَّةَ إِذَا تَمَرَّدَتْ: دَخَلَتِ الأَهْوَاءُ وَالضَّغَائِنُ، وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ يَسْعَى لِتَنْفِيذِ مُرَادِهِ، فَتَنْتَشِرُ الْفَوْضَى، وَتَضْعُفُ قُوَّةُ السُّلْطَانِ، وَيَسْعَى كُلُّ مُرِيدٍ لِلشَّرِّ وَبَاغٍ لِلْفَسَادِ لِبَثِّ شَرِّهِ وَفَسَادِهِ، فَتُفْتَحُ أَبْوَابُ الْفِتَنِ وَالتَّنَازُعِ فِي الآرَاءِ الْمُفْضِي إِلَى التَّفَرُّقِ الذَّمِيمِ، وَإِيقَادِ نَارِ الْفِتْنَةِ، وَإِلْقَاءِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بِسَبَبِهَا فِي قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِفْسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ الَّتِي قَالَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ r: «إِنَّمَا هِيَ الْحَالِقَةُ» وَفِي رِوَايَةٍ «لاَ أَقُولُ هِيَ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ». فَاللهَ اللهَ فِي مُجْتَمَعِكُمْ وَبَلَدِكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ النِّزَاعَ طَرِيقُ الْفَشَلِ، وَذَهَابُ الْقُوَّةِ؛ يَقُولُ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ) وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ( [الأنفال:46] قَالَ الطَّرْطُوشِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: «أَيُّهَا الأَجْنَادُ، أَقِلُّوا الْخِلاَفَ عَلَى الأُمَرَاءِ، فَلاَ ظَفَرَ مَعَ اخْتِلاَفٍ، وَلاَ جَمَاعَةَ لِمَنِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ، وَأَوَّلُ الظَّفَرِ الاِجْتِمَاعُ، وَأَوَّلُ الْخُذْلاَنِ الاِفْتِرَاقُ، وَعِمَادُ الْجَمَاعَةِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ». وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْعَلاَّمَةُ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْعُثَيْمِينُ رَحِمَهُ اللهُ: «وَلَمَّا أَحْدَثَتِ الأُمَّةُ الإِسْلاَمِيَّةُ مَا أَحْدَثَتْ، وَفَرَّقُوا دِينَهُمْ، وَتَمَرَّدُوا عَلَى أَئِمَّتِهِمْ، وَخَرَجُوا عَلَيْهِمْ وَكَانُوا شِيَعاً: نُزِعَتِ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ أَعْدَائِهِمْ، وَتَنَازَعُوا فَفَشَلُوا وَذَهَبَتْ رِيحُهُمْ (أَيْ: قُوَّتُهُمْ) وَتَدَاعَتْ عَلَيْهِمُ الأُمَمُ، وَصَارُوا غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ». فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- فِي بَلَدِكُمْ؛ فَالأَخْطَارُ بِنَا مُحْدِقَةٌ، وَالأَطْمَاعُ فِينَا مُتَوَافِرَةٌ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الذِّكْرِ وَالْبَيَانِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ هَدَانَا لِلإِسْلاَمِ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِبِعْثَةِ خَيْرِ الأَنَامِ، أَحْمَدُهُ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ الْعِظَامِ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى آلائِهِ الْجِسَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْقُدْوَةُ الإِمَامُ، بَعَثَهُ اللهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ بَشِيراً وَنَذِيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً، فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الأُمَّةَ، وَكَشَفَ بِإِذْنِ رَبِّهِ الْغُمَّةَ، فَتَحَ اللهُ بِهِ قُلُوباً غُلْفاً، وَآذَاناً صُمّاً، وَأَعْيُناً عُمْياً، فَصَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ الأَبْرَارِ، وَصَحْبِهِ الأَخْيَارِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَكُونُوا بِدِينِكُمْ مُسْتَمْسِكِينَ، وَلِوَلِيِّ أَمْرِكُمْ طَائِعِينَ؛ فَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ t قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: «السُّلْطَانُ ظِلُّ اللهِ فِي الأَرْضِ، فَمَنْ أَكْرَمَهُ أَكْرَمَهُ اللهُ، وَمَنْ أَهَانَهُ أَهَانَهُ اللهُ» [رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي السُّنَّةِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ].
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
إِنَّ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ، وَالْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ الْمُحَرَّرَةِ: أَنَّ طَاعَةَ الأَئِمَّةِ فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ الرَّعِيَّةِ، وَأَنَّ طَاعَةَ السُّلْطَانِ مَقْرُونَةٌ بِطَاعَةِ الرَّحْمَنِ، وَأَنَّ طَاعَةَ السُّلْطَانِ تُؤَلِّفُ شَمْلَ الدِّينِ، وَتَنْظُمُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّ عِصْيَانَ السُّلْطَانِ يِهْدِمُ أَرْكَانَ الْمِلَّةِ، وَأَنَّ أَرْفَعَ مَنَازِلِ السَّعَادَةِ طَاعَةُ السُّلْطَانِ، فَهِيَ عِصْمَةٌ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ، وَنَجَاةٌ مِنْ كُلِّ شُبْهَةٍ، وَعِصْمَةٌ لِمَنْ لَجَأَ إِلَيْهَا، وَحِرْزٌ لِمَنْ دَخَلَ فِيهَا، وَبِطَاعَةِ السُّلْطَانِ تَقَامُ الْحُدُودُ، وَتُؤَدَّى الْفَرَائِضُ، وَتُحْقَنُ الدِّمَاءُ، وَتَأْمَنُ السُّبُلُ، وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَتِ الْعُلَمَاءُ: هُدًى لِمَنِ اسْتَضَاءَ بِنُورِهَا، وَمَوْئِلٌ لِمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا، وَإِنَّ الْخَارِجَ مِنْ طَاعَةِ السُّلْطَانِ مُنْقَطِعُ الْعِصْمَةِ، بَرِيءٌ مِنَ الذِّمَّةِ، وَأَنَّ طَاعَةَ السُّلْطَانِ حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ، وَدِينُهُ الْقَوِيمُ، وَجُنَّتُهُ الْوَاقِيَةُ، وَأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْهَا خُرُوجٌ مِنْ أُنْسِ الطَّاعَةِ إِلَى وَحْشَةِ الْمَعْصِيَةِ، وَمَنْ أَسَرَّ غِشَّ السُلْطَانِ: ذَلَّ وَزَلَّ، وَمَنْ أَخْلَصَ لَهُ الْمَحَبَّةَ وَالنُّصْحَ حَلَّ مِنَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا فِي أَرْفَعِ مَحَلٍّ.
إِنَّ الْخُرُوجَ عَلَى الْحَاكِمِ الْمُسْلِمِ أَمْرٌ مُحَرَّمٌ فِي الدِّينِ لِقَوْلِ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ rحِينَمَا سُئِلَ عَنْ شِرَارِ الأَئِمَّةِ: أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟، فَقَالَ: لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئاً تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلاَ تَنْزِعُوا يَداً مِنْ طَاعَةٍ» وَجَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ يَزِيدٍ الْجُعْفِيَّ t سَأَلَ رَسُولَ اللهِ rفَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ، وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ». وَإِنَّ مِنْ مَظَاهِرِ الْخُرُوجِ، مَا يُسَمَّى الْيَوْمَ بِالْمُظَاهَرَاتِ وَالْمَسِيرَاتِ وَالاِعْتِصَامَاتِ وَالإِضْرَابَاتِ، الَّتِي يُرَادُ مِنْهَا الضَّغْطُ عَلَى الْحُكُومَاتِ وَالأَنْظِمَةِ لِتَحْقِيقِ الْمَطَالِبِ، وَهَذَا الأَمْرُ مِمَّا يُسَبِّبُ الْفَوْضَى، وَيُوقِعُ الْخَلَلَ وَالاِضْطِرَابَاتِ، وَمِمَّا يُجَرِّئُ الْمُفْسِدِينَ عَلَى فَسَادِهِمْ وَبَاطِلِهِمْ، فَتَخْتَلِطُ الأُمُورُ، وَيَنْتَهِي الأَمْرُ بِخِلاَفِ مَا بَدَأَ بِهِ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ حَالِ هَذِهِ الأُمُورِ فِي وَاقِعِ النَّاسِ.
وَهَذِهِ الأَعْمَالُ لَيْسَتْ مِنْ دِينِ الإِسْلاَمِ، إِذْ لَمْ يَعْرِفِ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَ هَذِهِ الْوَسَائِلِ الْفَوْضَوِيَّةِ، لأَِنَّ دِينَهُمْ بِحَمْدِ اللهِ مَضْبُوطٌ بِضَوَابِطِ الشَّرِيعَةِ، فَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُ مَأْمُوراً بِإِسْرَارِ النَّصِيحَةِ لِوُلاَةِ الأَمْرِ، لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى إِشَاعَتِهَا مِنَ الْفَوْضَى، فَلأَنْ يُنْهَى عَنْ جَعْلِهَا جَمْاعِيَّةً عَلَى رُؤُوسِ الْمَلأِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَهَذِهِ الْوَسَائِلُ مِنَ الأُمُورِ الْمُحْدَثَةِ فِي دِينِ الإِسْلاَمِ، إِذِ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي قَرَّرَهَا أَهْلُ السُّنَّةِ تَقُولُ: كُلُّ مَا وُجِدَ سَبَبُهُ وَمُقْتَضَاهُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ rأَوْ عَهْدِ أَصْحَابِهِ وَالْقُرُونِ الْمُفَضَّلَةِ فَتَرَكُوهُ وَلَمْ يَفْعَلُوهُ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ: فَإِنَّهُ مُحْدَثٌ، وَقَدْ أَفْتَى سَمَاحَةُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ بِحُرْمَةِ الْمَسِيرَاتِ وَالْمُظَاهَرَاتِ حِينَمَا قَالَ: «وَيَلْحَقُ بِهَذَا الْبَابِ مَا قَدْ فَعَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنَ الْمُظَاهَرَاتِ الَّتِي قَدْ تُسَبِّبُ شَرّاً عَظِيماً عَلَى الدُّعَاةِ، فَالْمَسِيرَاتُ فِي الشَّوَارِعِ وَالْهُتَافَاتُ وَالْمُظَاهَرَاتُ لَيْسَتْ هِيَ الطَّرِيقَ لِلإِصْلاَحِ وَالدَّعْوَةِ، فَالطَّرِيقُ الصَّحِيحُ بِالزِّيَارَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، ثُمَّ قَالَ: فَالنَّبِيُّ rمَكَثَ فِي مَكَّةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَسْتَعْمِلِ الْمُظَاهَرَاتِ وَلاَ الْمَسِيرَاتِ وَلَمْ يُهَدِّدِ النَّاسِ بِتَخْرِيبِ أَمْوَالِهِمْ وَاغْتِيَالِهِمْ».
أَيُّهَا الأَحِبَّةُ:
إِنَّ الْخُرُوجَ عَلَى الْحَاكِمِ لاَ يَبْدَأُ بِسَلِّ السُّيُوفِ وَإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ، وَإِنَّمَا يَبْدَأُ دَائِماً بِالْكَلاَمِ؛ فَكُلُّ حَرَكَاتِ الْخُرُوجِ عَلَى أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ عَبْرَ التَّارِيخِ بَدْءاً مِنْ خِلاَفَةِ عُثْمَانَ tوَحَتَّى يَوْمِنَا هَذَا تَبْدَأُ بِمَلْءِ قُلُوبِ النَّاسِ عَلَى حُكَّامِهِمْ، فَهَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَبَأَ الْيَهُودِيُّ الَّذِي أَثَارَ النَّاسَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ tكَانَ يَقُولُ: ابْدَأُوا بِالطَّعْنِ عَلَى أُمَرَائِكُمْ، وَأَظْهِرُوا الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ: تَسْتَمِيلُوا النَّاسَ) [تَارِيخُ الطَّبَرِيِّ] وَكَانَ يَجْلِسُ فِي الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ وَيَقُولُ: رَحِمَ اللهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا .. تَأْلِيباً عَلَى عُثْمَانَ t.
إِنَّ طَرِيقَ الإِصْلاَحِ وَمُحَارَبَةَ الْفَسَادِ لاَ تَكُونُ إِلاَّ بِالْوَسَائِلِ الْمَشْرُوعَةِ لاَ الْمَمْنُوعَةِ، وَأَنَّ النُّزُولَ إِلَى الشَّوَارِعِ وَالْمَيَادِينِ أَمْرٌ مُخَالِفٌ لِلدِّينِ، وَيُنْذِرُ بِضَيَاعِ أَمْنِ الْمُسْلِمِينَ، فَحَافِظُوا عَلَى تِلْكَ النِّعْمَةِ، وَاسْتَقِيمُوا عَلَى تِلْكُمُ الْمِلَّةِ.
لَقَدْ بَيَّنَ الرَّسُولُ الْكَرِيمُ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ أَنَّ نَصِيحَةَ الْحَاكِمِ وَالسُّلْطَانِ تَكُونَ سِرّاً لِحَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ غُنْمٍ t عَنِ النَّبِيِّ rأَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلاَ يُبْدِ لَهُ عَلاَنِيَةً؛ وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ فَإِنّْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلاَّ كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ.
فَالإِسْرَارُ فِي النَّصِيحَةِ لِوُلاَةِ الأُمُورِ دَأْبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَهَذَا سَبِيلُهُمْ وَمَنْهَجُهُمْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ جَمْعِ قُلُوبِ النَّاسِ عَلَى وُلاَتِهِمْ، وَالْعَمَلِ عَلَى نَشْرِ الْمَحَبَّةِ بَيْنَ الرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ، فَفِي عَهْدِ عُثْمَانَ tلِمَّا وَقَعَتِ الْفِتَنُ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ لأُِسَامَةَ بْنِ زَيِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَلاَ تُنْكِرُ عَلَى عُثْمَانَ؟ قَالَ: أُنْكِرُ عَلَيْهِ عِنْدَ النَّاسِ؟! لَكِنْ أُنْكِرُ عَلَيْهِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَلاَ أَفْتَحُ بَابَ شَرٍّ عَلَى النَّاسِ.
فَاللهَ اللهَ فِي فَهْمِ مَنْهَجِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ السُّلْطَانِ، وَأَنْ لاَ يُتَّخَذَ مِنْ أَخْطَاءِ السُّلْطَانِ سَبِيلاً لإِثَارَةِ النَّاسِ، وَإِلَى تَنْفِيرِ الْقُلُوبِ عَنْ وُلاَةِ الأُمُورِ، فَهَذَا عَيْنُ الْمَفْسَدَةِ، وَأَحَدُ الأُسُسِ الَّتِي تَحْصُلُ بِهَا الْفِتَنُ بَيْنَ النَّاسِ، كَمَا أَنَّ مَلْءَ الْقُلُوبِ عَلَى وُلاَةِ الأَمْرِ يُحْدِثُ الشَّرَّ وَالْفِتْنَةَ وَالْفَوْضَى.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا, وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا, وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ. اللَّهُمَّ أَبْرِمْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَمْرَ رُشْدٍ، يُعَزُّ فِيهِ أَهْلُ طَاعَتِكَ، وَيُهْدَى فِيهِ أَهْلُ مَعْصِيَتِكَ، وَيُؤْمَرُ فِيهِ بِالْمَعْرُوفِ وَيُنْهَى فِيهِ عَنِ الْمُنْكَرِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِلْعَمَلِ بِكِتَابِكَ وَسُنَّةِ نَبِيِّكَ، وَارْزُقْهُمَا الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ، الَّتِي تَحُثُّهُمَا عَلَى الْخَيْرِ وَتَنْهَاهُمَا عَنِ السُّوءِ، اللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْمُسْلِمِينَ وَارْحَمْ مَوْتَانَا وَمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

الآن: محرر المحليات

تعليقات

اكتب تعليقك