عن مشاكل الإسلام السياسي - يكتب الطراح

زاوية الكتاب

كتب 1057 مشاهدات 0


'غريب على التاريخ'

كثير ما كان يخطر على بالي سؤال: لماذا تقدمت الهند ولم يحدث الشيء نفسه في باكستان؟ باكستان أسست عام 1947 لتكون دولة تحتضن المسلمين ومنذ تأسيسها، وهي مازالت تتباعد عن التطور بينما هي دولة نووية، فكيف لهذه الدولة أن تختار السلاح النووي وفي الوقت نفسه مازال الإنسان يتصارع على قضايا مذهبية ويقتل ويُقتل تحت راية الدين. بعض المحللين يرجع تأرجح الدولة لعامل الإسلام، والبعض الآخر يجد في الحالة الباكستانية ظاهرة معقدة تخفي وراءها كثيراً من العقد الثقافية والاجتماعية.

بكل تأكيد لا يعقل للإسلام أن يكون سبباً للتراجع، فالإسلام ولّد حضارة إنسانية كانت سبباً في تطور البشرية، وهذه حقيقة لا تحتمل الجدل. وإذا أخرجنا الإسلام من دائرة السبب، فإننا نجد أنفسنا نميل إلى الشروحات الدينية والشرعية البشرية التي أوجدت لها قواعد اجتماعية مؤيدة لها. فحدث اللبس لدى الكثيرين بين الإسلام وبين التفاسير البشرية التي نطلق عليها التوظيف السياسي للدين. فهي استخدمت الدين كسلاح أيديولوجي للتغيب والتهميش.

'غريب على التاريخ'... كتاب يسرد لنا معاناة التفاسير الدينية أو كما يسميها الكاتب ازدواجية الأخلاق، فعندما اغتيلت بنازير بوتو عام 2007 كان أبوه يعمل مع حزب 'الشعب' وعين وزيراً في حكومة برويز مشرف وبعدها حاكماً لولاية البنجاب، وكما يروي الكاتب 'في يوم كئيب في شهر يناير من عام 2010 أطلق النار على والده من أحد حراسه الخاصين في إسلام آباد، وذلك بسبب دعم أبيه لامرأة مسيحية اتهمت بالتجديف ومعارضته للقوانين التي أدانتها'.

وكانت الفضيحة أن أحد رجال الدين أصدر فتوى بإهدار دم الأب لكونه خالف تعاليم الإسلام، وما كان من ذلك الحارس الشخصي إلا أن ينفذ الفتوى لينال الأجر ويكون بذلك نفذ فتوى لها قوتها بأن تغيب عقل الحارس الذي كان يرى بأنه يحظى بالجنة ، فهو من نفذ حكم الله على الأرض. ويصف لنا الشاب الكاتب معاناته وهو يقول: فهذا هو القاتل يغني أغنية في مدح الرسول بعد أن وضع سلاحه جانباً. وها هم المحامون يستقبلون القاتل في قاعة المحكمة بأكاليل من الورود. ويضيف بقوله:'رجال الدين يرفضون إقامة صلاة الميت على روح أبي، وينهون المسلمين عن المشاركة في الحداد عليه. بل أشاد رجال الدين أولئك بالقاتل في خطبهم عبر مساجد البلاد في يوم الجمعة الذي تلا الجريمة. وبحلول يوم الأحد امتلأت الشوارع بمسيرات لتأييد القاتل، سار فيها عدد أكبر بكثير مما يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تحشده'.

القصة تحمل معاناتنا اليومية مع رجال الدين الذين هم بفعلهم يسيئون للإسلام دون أن يعلموا أو ربما هم على بينه فيما يفعلون، فالمدارس الدينية التي انتشرت في باكستان هي التي أخرجت لنا فكر الإرهاب، وهي التي تحارب كل محاولات العقل والرجوع للمنطق في تسيير شؤون البلاد، فهذه باكستان تعاني من ذلك.

كتاب 'غريب على التاريخ' يطرح لنا المشكلة الحقيقية للإسلام السياسي الذي تغيب عنه خطة العمل لتطوير شؤون البلاد والدفع نحو تبني المعرفة، بقدر ما هو إسلام تجميلي يحمل في طياته هستيريا المظهر وغير ذلك من لهو، فهو يمثل لنا قفازاً يغيب الإنسان عن واقعه.

د.علي الطراح

الاتحاد

تعليقات

اكتب تعليقك