الفائدة الصفرية خيار البنك المركزي الأوروبي الوحيد بقلم فولفجانج مونشاو

الاقتصاد الآن

663 مشاهدات 0


منطقة اليورو عالقة في ركود طويل الأمد. ومن الممكن أن يستمر الحال على هذا النحو حتى نهاية العام. فقد سجل معدل البطالة رقماً قياسياً في عهد منطقة اليورو وصل إلى 12 في المائة، ومن الممكن أن يرتفع أكثر. ويقع التضخم عند الطرف الأدنى من الرقم المستهدف ومن المتوقع أن يتراجع. والمخاطر المحيطة بالنمو والتضخم تقع على الجانب السلبي، لذلك أشعر بحيرة شديدة وأتساءل لماذا لا يقوم البنك المركزي الأوروبي بتخفيض أسعار الفائدة؟

هذا سؤال مشروع، ومهم. لكن أهم الأسئلة التي تواجه السياسة النقدية الأوروبية هي كيفية إصلاح الانقباض الائتماني في النصف الجنوبي من الاتحاد النقدي.

وما من منطقة تشهد وضعاً حاداً مثل إيطاليا، حيث تتضرر الشركات الصغيرة والمتوسطة بفعل التقشف والانقباض الائتماني في الوقت نفسه. ذلك أن إدارة ماريو مونتي في إيطاليا طبقت التقشف على نحو يحول بين البلديات والهيئات العامة الأخرى وبين تسديد الفواتير إلى مورديها. وتحول هذا الوضع إلى تهديد وجودي يَمسُّ بقاء كثير من الشركات الصغيرة التي ستواجه مشكلة مزدوجة تتمثل في عدم تسلّم مستحقاتها، وفي الوقت نفسه عدم قدرتها على الاقتراض لسد حاجاتها مؤقتا. وفي العادة تجد الشركات الصغيرة في إيطاليا نفسها في مواجهة أسعار فائدة بحدود 10 في المائة. وعبر الحدود في النمسا تحصل الشركات الصغيرة على الائتمان بسعر يقل عن نصف السعر في إيطاليا. كذلك الأسر الإيطالية محصورة من حيث الائتمان، على اعتبار أن القروض العقارية والسلع الاستهلاكية تتراجع باستمرار، وأسعار الفائدة في ارتفاع.

وعلى خلاف ما يحدث في إيطاليا، فإن تراجع الإقراض المصرفي في إسبانيا هو في معظمه مدفوع بالطلب. ففي إسبانيا تراجعت القروض إلى الأسر في شباط (فبراير) بنسبة 4 في المائة بالمعدل السنوي، في حين أن القروض إلى الشركات تراجعت بنسبة 10.6 في المائة. وتعتبر إسبانيا الأنموذج الفريد، إلى جانب اليابان في التسعينيات، على ركود في الميزانية العمومية يقوم فيه القطاع الخاص بالتخلص من الرفع المالي (تسديد الديون بصورة مباشرة) بصرف النظر عن مستوى أسعار الفائدة. لكني أتوقع حتى بالنسبة إلى إسبانيا أن البرنامج المستهدَف لتقليص العلاوة على أسعار الفائدة من شأنه أن يحقق عوائد أعلى مما لو خُفِّضت الفائدة بصورة إجمالية بمقدار ربع نقطة مئوية.

وأنا لستُ ضد تخفيض أسعار الفائدة. بل على العكس من ذلك أرى أن على البنك المركزي الأوروبي تخفيض أسعار الفائدة الرسمية إلى الصفر بهدف التصدي للتراجع في إجمالي الطلب. لكن في حين أن من شأن ذلك أن يكون له تأثير إيجابي صغير في متوسط الظروف النقدية، إلا أنه سيكون أقل كفاءة من برنامج مصمم لتقليص أسعار الفائدة على القروض في العالم الحقيقي.

وفي بحث نشره صندوق النقد الدولي في الفترة الأخيرة بقلم إيدا زولي، تبين وجود علاقة بين حجم الفروق في أسعار الفائدة على السندات السيادية وبين تكاليف تمويل البنوك الإيطالية، وفي نهاية الأمر بين الارتفاع في تكاليف اقتراض الشركات. وعليه، الفروق العالية في أسعار الفائدة على السندات السيادية أدت بالتالي إلى إحداث قيود على عرض الائتمان في القطاع الخاص. لكن هذه العملية لم تكن تبدو ناجحة عند تطبيقها. فقد حاول ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، إصلاح المشكلة في السنة الماضية من خلال إطلاق برنامج لشراء السندات السيادية، عرف باسم التعاملات النقدية التامة. وأشعل هذا البرنامج فتيل التراجع في الفروق في أسعار الفائدة على السندات السيادية، لكن لسوء الحظ لم يكن له أثر في آليات الانتقال (أي ظهور أثر الترجع في أسعار الفائدة على المتغيرات الحقيقية). بل على العكس، فقد أصيبت بالتراجع.

وفي الأسبوع الماضي قال دراجي إنه ''يفكر في دورة تامة في الإجراءات غير المعيارية''. ويبدو أن في جعبته أمراً ما، فما الذي يستطيع أن يفعله؟

تخطر على بالي ثلاثة خيارات مرتبة تصاعدياً بحسب قوة آثارها:

الأول، بإمكان البنك المركزي الأوروبي العثور على سبيل لتقديم حوافز مباشرة إلى البنوك لتشجيعها على الإقراض. ومن الممكن أن يقوم بتخفيف متطلبات مبالغ الرهان لفئات متنوعة من الأوراق المالية المدعومة بالأصول، أو تمديد العمل ببرنامج قائم بهدف السماح لقروض البنوك نفسها أن تُعرَض كرهان. لكن لا تحبس أنفاسك، فهذا البرنامج لم يثبت أنه حقق نجاحاً كبيراً حتى الآن.

الثاني، بإمكانه تدعيم برنامج هائل في الإقراض بقيادة بنك الاستثمار الأوروبي من أجل التمويل المشترك للقروض إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة. وحتى ينجح ذلك لا بد للبرنامج أن يكون كبيراً، وسريعاً على غير ما هو معهود، ولا تعوقه الإجراءات البيروقراطية.

والإجراء الثالث، والأكثر تطرفاً، الذي يستطيع البنك المركزي الأوروبي أن يضطلع به هو شراء سندات الشركات في الأسواق الأولية والثانوية، وبالتالي تمويل الشركات بصورة مباشرة، بالإضافة إلى مشتريات السندات المؤَمَّنة. ووجود برنامج لشراء سندات الشركات ربما لن يساعد الشركات الصغيرة، رغم أنه لا يوجد سبب نظري يمنعها من إصدار سندات ليقوم البنك المركزي بشرائها. ومن الممكن تماماً أن ينجح المشروع من خلال الجمع على نحو ما بين الإجراءات الثلاثة.

هل سيكون هذا أمراً قانونيا؟ نعم بطبيعة الحال. فالبنك المركزي الأوروبي يتمتع بالتكليف القانوني الذي يخوله استهداف استقرار الأسعار. ولا يسمح له بتوريق السندات الحكومية وتحويلها إلى أموال. لكن يسمح له بإصلاح آليات الانتقال لسياساته الخاصة. لكني لا أظن أن البنك المركزي الألماني والبنوك المركزية الأخرى في شمال أوروبا راغبة في مسايرة هذا البرنامج. فقد جادَلَت في الماضي بأن المسؤولية في إصلاح الأنظمة المصرفية في البلدان تقع على عاتق الدول الأعضاء نفسها.

بالتالي، هذا في المحصلة نزاع حول الاتحاد المصرفي. ومن شأن الاتحاد المصرفي التام أن يشكل حلاً ضرورياً وكافياً لمشكلة الانقباض الائتماني. وحين تُقطع الرابطة بين المصارف الإيطالية والدولة لن يكون عندها أي سبب يحول دون أن تدفع الشركات الإيطالية أسعار فائدة أعلى مما تدفعه الشركات في بلدان الشمال الأوروبي.

إذا أراد دراجي إنجاز أي شيء فعليه مرة أخرى أن ينظم أغلبية ضد البنك المركزي الألماني. هذا أمر ممكن، لكنه ربما يجد أن رأسماله السياسي محدود. في هذه الحالة يجدر به أن يرتب أولويات الحلول غير التقليدية على الحلول التقليدية.

الآن:فاينانشال تايمز

تعليقات

اكتب تعليقك