متى يترجل الفارس؟ بقلم فهد بن عبد الله القاسم

الاقتصاد الآن

728 مشاهدات 0



سؤال يتكرر كثيراً حول عدد من مديري الشركات ورؤساء مجالس الإدارة والمسؤولين والوزراء والقيادات في العملين الخاص والعام، ويتمحور السؤال حول الكيفية والتوقيت، فهل سيترك القائد منصبه برغبته أم يعفى بناءً على قرار من صاحب القرار؟

''لو دامت لغيرك ما بقيت لك'' مقولة شهيرة تصدق في كل حين، ولا يستثنى منها قائد، كبيراً كان أم صغيراً، مديراً كان أم غفيراً، المشاهد في الغالب من الأحوال أن القادة والمسؤولين أياً كانت مناصبهم لا يستحضرون هذه الحقيقة إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن تُهد الأسوار يحدث التغيير.

''بمَ تشير عليّ؟ سؤال يصلني في أكثر من صيغة في أزمان وأماكن متعددة، سألنيه أكثر من صديق بعد توليهم مناصب مرموقة في الدولة وفي القطاع الخاص؛ بعضها في مجالس عامة والأخرى على انفراد. وكانت إجابتي المتكررة بصيغ مختلفة لا تخرج عن: ''أن تأهب للمرحلة التالية حين يقال: فلان تُرك أو أُعفي من منصبه''، أُقيل أو استقال أو أُجبر على الاستقالة، كلمات تختلف فيها التعبيرات وتتشابه فيها النتائج.

عندما يتجهز المسؤول ذهنياً ومعنوياً لمرحلة ما بعد الرحيل أو ترك القيادة، فإنه سيجد في داخله أن أهم ما يجب أن يسعى إلى رضاه هو الله ـــ سبحانه تعالى ـــ فمراقبة الله تجلب التوفيق، وهي العمل الذي سيبقى في الدنيا والآخرة، ثم سيكتشف أن الإخلاص للعمل الموكول إليه سيتحدث عنه تلقائياً، بغض النظر عمن رضي ومن غضب، كما أن الوقوف بكفاءة ومهنية بجانب الحق مع المستفيدين والعملاء والموظفين والعدل معهم، وتحقيق المصالح العامة والاهتمام بها، والنصح للمسؤولين عنه قولاً وعملاً هي من أولى الواجبات المنوطة به والتي ستتم محاسبته عليها.

استشارني أحد الأصدقاء قبل فترة حول بقائه في وظيفته القيادية المرموقة في الشركة أم تركها، حيث يرى عدم انسجامه مع القائد الجديد، وكان عقده لم ينته بعد ولا وظيفة أخرى لديه، فنصحته بالبقاء حتى ينتهي عقده وتكون فرصة له للبحث عن منصب جديد خلال هذه الفترة، لكن إجابته كانت صريحة وواضحة وشجاعة، فقد اتخذ قراره بالرحيل بحجة أن الشركة لن تنتفع منه ويرفض أن يكون عبئاً على ملاكها، أو معوقاً في طريق إدارتها الجديدة، فما كان منه إلا أن قدم استقالته، مثل هذا الفارس لا تملك إلا أن تحترم رأيه وموقفه.

وأعرف قائداً آخر كان يسير بالسفينة من نجاح إلى نجاح، حتى أتى ذلك اليوم الذي بدأ فيها الحسد من رئيسه على نجاحاته وعلى مكافآته المادية والمعنوية التي يحققها، فاصطنع رئيسه المشاكل من لا شيء كي تكون الفتيل الذي يفجر القنبلة، إلا أن صاحبنا الفارس لم يكن ليجعل الفتيل يشتعل مدمراً إياه ومن حوله، فما كان منه إلا أن قدّم استقالته على طبق من ذهب للمسؤول عنه، ليس هذا العجب في خلق الفرسان، بل العجب أن حاسده كان هو المالك للشركة ورئيس مجلس إدارتها.

المسؤول الذكي، هو الذي يختار الوقت المناسب كي يترجل، وليس هناك أكرم ولا أشرف للمسؤول من تركه القيادة وهو في أوج عطائه وقمة رضاه عن نفسه، وهذه القمة للموفقّين العصاميين قد تستمر سنوات، وهي المرحلة التي يتبعها الفتور، وغالباً ما تجد التنحي في هذه الحالات جالباً للسمعة الطيبة والدعاء.

القادة من هذا الصنف، عملة نادرة ومعدن ثمين يجب ألا نخسرهم بسهولة، يجب إعادة تدويرهم لأنهم يعشقون الإنجاز، وتطلعاتهم تقودهم إلى الإبداع في المجالات التي يحسنونها، وإعادة توظيفهم في مواقع جديدة تزودهم بطاقات إضافية وشحنات موجبة نحو مزيد من النجاح.

بعض القادة حقق نجاحات كبيرة خلال سنوات الحماس والتغيير، ثم اجتاحته موجة الفتور، لكنه ما زال يتغنى بإنجازات مر عليها ليل طويل، وطواها الزمان والمكان، فتجده في كل مناسبة يجتر الماضي اجتراراً، وحين يواجه بواقع جديد يغلق عينيه لكيلا يراه، هذا النوع من القادة لا يتخلى عن منصبه بسهولة، فكل يوم يبقى فيه يراه مكسباً له؛ أما في الحقيقة فهو في كل يوم يخسر نجاحاته السابقة أمام الجماهير، إعادة تدويره في منصب آخر قبل مرحلة الفتور قد تصنع منه إنساناً آخر، وإن ترك القيادة لغيره كان فارساً، أما إن تمسك بها وعض عليها فهو لا يعدو كونه وصولياً يقدم مصلحته على مصلحة مؤسسته والمحيطين به.

هناك من القادة من تم اختياره في إغماءة للفكر، فقد جانب التوفيق من اختاره، فقد تم اختياره ظناً بأنه الأنسب، أو بشفاعة غير دقيقة أو غير مخلصة، وإذا بالمنصب دونه خير منه به، فيظهر تخبطه سريعاً، وتنكشف قدراته في كل مناسبة، وينتقد الجميع استمراره في منصبه وتعلقه به، إلا أن اللوم الأكبر ينصب على المسؤول عنه، فمثل هذا يدمر نفسه ومنصبه وبيئة العمل التي ينتمي إليها، ليس هناك علاج لهذا القائد مثل الإعفاء السريع والإقالة لإيقاف الانهيار.

مشكلة بعض المسؤولين أنهم لا يرون إخفاقاتهم التي يراها كل من حولهم، وكأنما غشيتهم ضبابة أعمتهم عن رؤية حقائق أنصع من نور الشمس، وأبين من القمر ليلة البدر.

ختاماً.. تأمل نفسك إن كنت قائداً أو مسؤولاً وحدّد من أي صنف أنت؟ بل تأمل في القادة من حولك في القطاعين الخاص والحكومي، وحاول أن تستنتج منَ مِنهُم يجب عليه التنحي؟ ومنَ يجب أن تتم تنحيته؟ ومن يجب تدويره؟ ومن لا يصلح في العير ولا في النفير؟ ومن.. ومن.. ومن.. وبلغ بعضهم بأنه: قد آن للفارس أن يترجل.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك