بريطانيا تواجه خطر فقاعة في سوق الإسكان بقلم كريس جايلز

الاقتصاد الآن

1809 مشاهدات 0


 

يعيش الاقتصاديون في صوامع معزولة. الذين يعملون في التخوم الأكاديمية، غارقون في التفكير المجرد، ونادرا ما تكون لديهم أمور مفيدة ينقلونها إلى الذين ينبشون الأرض ويواجهون قضايا السياسة الاقتصادية الحقيقية. أما الذين يعيشون في عالم السياسة الاقتصادية الجزئية الخاصة بالطين والماء ومواد البناء، فنادرا ما يتحدثون إلى أولئك الموجودين في عالم الاقتصاد الكلي -والعكس بالعكس.

لذلك ليست لدي آمال عِراض في أن يأتي شخص متخصص تماما في سياسة الإسكان في وزارة المالية البريطانية وينتحي جانبا بوزير المالية في نهاية هذا الأسبوع، حاملا معه بعض الرسوم البيانية حول تحركات السوق المالية. وأتصور أنه سيقول له: ''تعال يا جورج وألقِ نظرة على هذه التقلبات المثيرة للقلق في السوق المالية. سياستك في مجال الإسكان تخاطر بإنشاء شيء في بريطانيا أسوأ حتى من هذه التقلبات. إذ يصعب السيطرة على الفقاعات، عدا أنها تميل إلى الانفجار''.

هذا درس تعلمه من جديد صناع السياسة النقدية هذا الأسبوع. ففي مسعى لدفع الانتعاش الاقتصادي خلال السنوات القليلة الماضية، أغرقوا الأسواق بالسيولة، وأطلقوا صاروخا تحت أسعار السندات والأسهم - لكن مع أثر قليل تماما على الآفاق الاقتصادية العالمية. وحين أشار بن برنانكي بصورة خفيفة هذا الأسبوع إلى أن مساندة البنوك المركزية ربما لن تستمر إلى الأبد، اهتزت الأسواق، ما أدى إلى نشوء مشاعر توتر ولبس كان التسهيل الكمي يهدف إلى إزالتها هي تحديدا.

ويحْسُن بجورج أوزبورن مراجعة هذه التحركات وأن يشعر بالتوتر الشديد، لأنه حين يسير رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، فإن مصير أوزبورن أن يسير خلفه في سوق الإسكان البريطانية التي تتمتع بحرمة أكبر.

ومشكلات السوق الأساسية لا تخفى على أحد. هناك نقص مزمن في المساكن الجديدة -خصوصا داخل لندن وحولها- وهو ما يجعل تكاليف الاستئجار والتملك مرتفعة، وهي تعيد توزيع موارد بريطانيا من العائلات الفقيرة والشبابية إلى العائلات الغنية والأكبر سنا؛ كما أن القيود المصطنعة على عرض المساكن الجديدة تعيق عمليات الإنشاء التي من شأنها مساعدة الاقتصاد البريطاني على التعافي لو لم تكن الأمور كذلك.

ربما تظن أن وزير المالية سيضع مهمة تعزيز العرض في سوق الإسكان في قلب استراتيجيته الاقتصادية. فمن شأن ذلك أن يعثر على طرق تؤدي إلى بناء مساكن جديدة من قبل القطاع الخاص، إن أمكن، لكن مع تقديم الدعم من الحكومة إذا اقتضى الأمر. وإلى حد ما، هذا ما يقوم به أوزبورن. لكن في تباين صارخ مع هجومه الهزيل على قواعد التخطيط المقيِّدة ومبادرات بناء المساكن، نجد أن مبالغ الدعم الجديدة المقدمة للطلب هائلة.

فبرنامج تمويل القروض، الذي طُبِخ بالتعاون مع بنك إنجلترا، يقدم الدعم الحكومي لتكاليف القروض العقارية. هذه السياسة النقدية المتساهلة المستهدَفة، ستخرج خلال فترة قريبة بضمانات من الدولة إلى أصحاب المساكن من خلال ودائع صغيرة بموجب برنامج ''المساعدة في الشراء'' الذي تبلغ قيمته 130 مليار جنيه الذي أعلن عنه في ميزانية آذار (مارس). وبموجب هذا البرنامج ستتلقى المؤسسات التي تقدم القروض العقارية ضمانات حكومية لتغطية خسائر تصل إلى 20 في المائة من سعر الشراء، ما يُمَكن البنوك وجمعيات البناء من إقراض مبالغ أكثر إلى مقترضين من ذوي المخاطر.

ومنذ الآن نجد أن هذه البرامج أحدثت إثارة ونشاطا. وفي العالم الحقيقي، بدأت أسعار المساكن بالصعود. وأظهرت الأرقام الرسمية هذا الأسبوع أن الأسعار في آذار (مارس) ارتفعت بنسبة 2.7 في المائة عن السنة السابقة، وبنسبة 7.6 في المائة في لندن. وحتى خارج العاصمة وجنوب شرق إنجلترا، كانت أسعار العقارات أعلى مما كانت في مطلع 2008.

وبطبيعة الحال، في العالم المنقسم لعلم الاقتصاد، لا يتفق الجميع على كل شيء. لكن الجدال معلق على طبيعة الخطأ الرئيس في السياسة الاقتصادية التي يقوم عليها برنامج ''المساعدة في الشراء''. في العالم الفخم لصنع السياسة الاقتصادية الكلية، يشعر السير ميرفن كينج، محافظ بنك إنجلترا، باليأس من أنه ''لا يوجد مكان على المدى الطويل لبرنامج من هذا النوع''، لأنه يقوض كما يقول ما ينبغي أن تكون سوقا تنافسية للقروض العقارية.

أما أهل الاقتصاد الجزئي فإنهم يسخرون من اقتراح أوزبورن بأن البرنامج ''يساعد الناس على أن يكون بمقدورهم امتلاك مساكن''، لأن الطلب المرتفع سيعمل بكل بساطة على زيادة أسعار المساكن، وهو ما يفيد المالكين الحاليين للعقارات وليس المالكين المستقبليين.

ويضيف أهل الاقتصاد الجزئي من أصحاب التفكير الأعمق أن التأخير في الضمانات من برنامج ''المساعدة في الشراء'' حتى كانون الثاني (يناير) ذو طابع أكثر خبثا، لأن الإعلان من الناحية العملية يرفع الأسعار اليوم على أمل زيادة الطلب في الغد. والذين يحتاجون إلى ضمانات لا أمل لهم في الحصول عليها بحلول كانون الثاني (يناير).

ويشتكي علماء الاقتصاد السلوكي من أنَّ توَقُّع ارتفاع الأسعار يهدد بتوليد حالة من التدافع غير العقلاني، ما يدفع بالأسعار إلى منطقة فقاعات فوق المستويات التي يبررها الدعم الحكومي. وهذا يثير إمكانية وقوع انهيار في مرحلة لاحقة، يضر أكثر ما يمكن بالذين كانوا آخر داخلين إلى السوق بأقل الودائع.

ويحذر اقتصاديو الإسكان من أن استجابة عرض المساكن أمام ارتفاع الأسعار في بريطانيا قريبة من الصفر. ويحذر عباقرة الحسابات الوطنية من أن أية ارتفاعات في

''استثمار المساكن'' من التي تبدو أنها ناشئة عن البرنامج، يرجح لها على الأكثر أن تمثل أثر الارتفاعات الأعلى لتعاملات العقارات التي تظهر في رسوم وكلاء الوساطة العقارية وليس بسبب بناء مساكن جديدة.

ويروي لنا مؤرخو الاقتصاد عن الصعوبات في إزالة المساعدات الحكومية التشويهية بعد إدخالها. لأنه إذا شعر الناس أن المساعدات ''ناجحة'' فسيتم تمديدها، وإذا كانت ''فاشلة'' تبدأ جهود الضغط لزيادة السخاء في المساعدات.

إن السرعة التي يتحول بها برنامج ''المساعدة في الشراء'' إلى برنامج يشبه نواة التمر التي يريد الجميع التخلص منها، دفعت بالوزراء والمسؤولين الحكوميين إلى الاقتتال حول من ستكون له الصلاحية لإنهاء البرنامج بعد الفترة الابتدائية التي تستمر ثلاث سنوات. ويصر أوزبورن على أن القرار سيُتخَّذ من قبل أعضاء لجنة السياسة المالية في بنك إنجلترا، الذين ستكون لهم الكلمة الأخيرة، على اعتبار أنهم ''سيكونون في وضع يؤهلهم للقول: إن هذا أمر غير منطقي ويضعون بالتالي قفلا على البرنامج''. لكن السير ميرفن يختلف مع ذلك. فقد قال هذا الأسبوع: ''في النهاية يتعين على الحكومة أن تتخذ القرار''.

وعلى ما يبدو، ليس هناك من يريد مهمة إزالة دعم حكومي للطلب على المساكن -ما سيدفع بالأسعار من جديد إلى أدنى. وهذا الأسبوع وجد برنانكي أن الخروج من سياسة التسهيل النقدي غير العادية في مبالغ الدعم الحكومي لأسعار الأسهم هي عمل أشق كثيرا مما كان يرجو.

لاحظ أن التخلص من الدعم الحكومي للإسكان أصعب حتى من ذلك، على الرغم من أنه يفيد الأشخاص الذين ليسوا أهلا للدعم ويزيد من عوامل الخطر والضعف في السوق. وفي ميزانية 1974 بدأ دنيس هيلي، وزير المالية في حكومة العمال في ذلك الحين، مهمة إلغاء بند الإعفاء الضريبي على فوائد القروض العقارية من القانون الضريبي البريطاني، وتطلب الأمر جهودا متتالية من وزراء المالية من الحزبين لإلغاء هذه الميزة بعد مرور 26 عاما. حذار أيها المسؤولون؛ الدعم الحكومي للإسكان يموت ببطء شديد.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك