عادل عبدالهادي يكتب فليستقل سموّ رئيس الوزراء

زاوية الكتاب

كتب 1616 مشاهدات 0


منذ صدور حكم المحكمة الدستورية في 16 يونيو 2013، والأوساط القانونية والسياسية والدستورية تتداوله وتناقشه في جلسات حوارية موسّعة تهدف الي تحليل مضمونه ومعانيه، حيث يتمّ التباحث حول مدى وجود حالة ضرورة من عدمها أو مدى وقوع خطأ إجرائي من عدمه. كثرة النقاشات من وجهة نظري لم تصب جوهر الموضوع فان الجهود التي بذلت خلال تداول الدعوى امام المحكمة الدستورية لاستصدار هذا الحكم التاريخي ومع الأسف تم تفريغها من هدفها عندما يتم بحث و تحليل الحكم في حلقات مطوّلة لا تحمل خلالها أي جديد أو نظرة متعمقة في ما احتواه الحكم من مؤشر خطر. فإن الحكم بنظري واضح المضمون وتفنيد محتواه لا يستلزم الإطالة كما يتداول البعض.

منذ صدور الحكم و أنا اتابع التعليقات التي تتوالى وأترقب ردّة فعل الشعب حوله، إلا أنني لم أجد من يتطرّق إلى أو يبدي ردّة فعل واحدة تجاه المؤشّر الخطر الذي أبرزه الحكم المذكور في طياته. فحكم المحكمة الدستورية سلّط الضوء على خطأ حكومي آخر، وأشدّد على كلمة آخر.
أخطاء الحكومة باتت عديدة ومتكرّرة وغالبا ما تكون أخطاء إجرائية !! لكن تلك الأخطاء ترتكبها الحكومة بكل أريحية ثم تقول يمكننا تداركها والعودة معها الي نقطة الصفر، وقع نتائجها على الشعب الكويتي وميزانية الدولة وتطوّر البلاد ونموّها كبير وفادح.

مع حكومتنا الخطأ يجرّ الآخر، والفشل يجرّ الآخر، فشل وراءه فشل و يلحقه فشل ....... يبدو لي أن الحكومة باتت تستسهل الخطأ ولما يكتشف الشعب خطأها فان الحكومة لا يحرجها لا الخطأ ولا الفشل !!! صامدة كما هي حيث اللاعبون فيها لا يتم استبدالهم ولا تتم حتى مساءلتهم. فما قيمة الكشف عن أخطاء الحكومة و ما هي الفائدة من فضح فشلها ان لم تكن هناك محاسبة فعلية؟! ما الذي سوف يردع الحكومة من ارتكاب تلك الأخطاء؟
لقد ورد في منطوق الحكم الدستوري أن المحكمة قد حكمت 'بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم (21) لسنة 2012 بإنشاء اللجنة الوطنية العليا للإنتخابات وبتعديل بعض أحكام القانون رقم (35) لسنة 1962 في شأن إنتخابات أعضاء مجلس الأمة.' وعندما تناول الحكم هذه النقطة القانونية في مضمونه، أوضح مفصّلاً الخطأ الذي وقعت به الحكومة وأجهزتها. ومن المعلوم لدى الجميع بأنه ليس أول خطأ من نوعه في موضوع الإنتخابات، فقد سبقه كذلك خطأ أدّى كذلك إلى إبطال عملية الانتخاب برمتها، التي اجريت بتاريخ 2/2/2012 في الدوائر الخمس، وبعدم صحة عضوية من اعلن فوزهم فيها، لبطلان حل مجلس الأمة وبطلان دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة التي تمت على أساسها هذه الانتخابات.

في نهاية مطاف لدى كل خطأ و كل فشل و كل فضيحة، تقول الحكومة: أخطأنا لنغلق الصفحة ونفتح صفحة أخرى جديدة بيضاء، وإذا بالصفحة الأخرى تكون كسابقتها. إن التصرف الوحيد الذي تجيده الحكومة في حالة الفشل (وأنا أستبعد انها تستطيع إجادة شيء ما) هو عزل هذا المسؤول او استبدال ذاك المسؤول، أو إلقاء المسؤولية على شخص أو أكثر دون الشخص المتسبب حقيقة في الخطأ ومن ثم تطوي الصفحة! وإن لم تستمر الحكومة نفسها و بذات اعضائها، فان تشكيلتها الجديدة لن تخرج عن تكرار وجود نفس الأسماء و ذات الوجوه تقريباً.

معالجة حالات فشل الحكومة ليست بمساءلة او عزل بعض موظفيها من الذين لا حول لهم ولا قوة، بل عندما يبلغ مستوى الفشل ان تتعرض الأمة للخسائر على كافة المستويات بسبب خطأ (إجرائي) من الحكومة، فلا علاج أقل من ان تتقدم الحكومة و على رأسها رئيسها بالاستقالة فورا مع اعتذارها للأمة عن تعريضها للخسائر و الأضرار التي نتجت من جراء رعونة تصرفات الحكومة.

إن خطأ من الأخطاء التي وقعت فيها حكومتنا لو حصل بذات السيناريو نفسه في البلاد المتحضّرة التي تحترم نفسها و شعبها وتحفظ مكانتها في العالم، تلك البلاد التي أشار إليها الحكم في مضمونه، لكانت بادرت الحكومة فوراً بتقديم استقالتها او تمت إقالتها بكاملها منذ اليوم الأول من اكتشاف الخطأ و لكان لم يسمح بوجود أو عودة أي عضو من اعضائها في أي تشكيل حكومي آخر. إن كان خطأ واحد كفيل بإقالة حكومة بالكامل وعدم عودة أعضائها إلى تلك المناصب في المستقبل، فما بالنا من أخطاء عدة؟!! أما في بلادنا، فالحكومة تتجّه من فشل إلى فشل آخر فآخر، ولا حسيب و لا رقيب!

ويحضرني كذلك في سياق متّصل موضوع قضية الداو. ألم يكن سبّبها خطأ من الحكومة في قرارين صادرين خلال اقل من شهر واحد من مجلس الوزراء؟! قراران كلّفا إضافة الى المسّ والضرر بسمعة البلاد التجارية أمام نظيراتها، إصابة الأمة و أموال الشعب بخسائر فادحة و هدر أموال تصل إلى 3 مليارات دولاراً أمريكياً. وكيف كان رد الحكومة: حصل خطأ، حصل خير...ملقية بالمسؤولية في نهاية الأمر على بعض الأطراف، ممن ينطبق عليهم لقب العبد المأمور، وعملت على عزلهم ومن ثم تعاود الحكومة سياسة خلينا نستمر ونقلب صفحة بيضاء!!

الصفحات التي تقلبها الحكومة سوداء ثم سوداء لما يشوبها من خزي و استهتار و عبث بكرامة الشعب و أموال الأمة، ونهج الحكومة بسياسة اللامبالاة واستغفال عقول الحكماء من الشعب بات يصيغ كتاباً أسوداً من التاريخ. أخطاء كان يجب أن تؤدّي بالسيد رئيس الوزراء إلى تقديم استقالته هو و الحكومة لحفظ ماء الوجه و إكراما للشعب الكويتي، أو على الأقل تتسبب في إجراء محاسبة صارمة ودقيقة وشاملة وإن تضمّنت المساءلة الجزائية للأطراف المعنية إن وجدت أركانها، نجدها مع الآسف تبادر في سياسة (حصل خير و لنفتح صفحة جديدة) !! أين هو هذا الخير، وأين هي هذه الصفحات الجديدة التي تفتحها الحكومة باستمرار؟!! شخصياً لا أرى صفحات تطوى بل صفحات سوداء متتالية تطول يخطها الأشخاص نفسهم متّبعين المعايير نفسها ومرتكبين الأخطاء ذاتها، معتلين مناصبهم حاملين مصالحهم الشخصية والخاصة فوق إرادة الأمة.

ولكن ماذا عن الأضرار التي لحقت بالشعب والدولة؟ ماذا عن الجهد الضائع والوقت الفائت والأموال المصروفة والتطوّر الغائب؟! الخلاصة تكمن في أنه يتمّ إلهاء الشعب بالقشور كي لا ينظر إلى الجوهر، والله يستر من هذا الجوهر الذين يتقصّدون إخفاؤه.

أنصح جموع الشعب بانه بدلاً من تداول مضمون الحكم و تحليلاته في الحلقات الحوارية التي كثر عقدها، على الشعب من باب أولى أن يتنبّه للخطر الذي أبرزه الحكم المذكور عندما كشف لنا بجلاء أن هذه الحكومة لا تصلح لإدارة البلد، ويجب على مجلس الوزراء و كل عضو فيه ان يقر بالمسؤولية ويتقبل بأن يخضع للمساءلة، و إن كان غير ذلك و كان لدى الحكومة نية ان تتشبه بحكومات البلدان المتحضرة فعليها فوراً أن تتقدم باستقالتها بالكامل دون عودة لها أو لأي من اعضائها في أي تشكيل آخر.

لم يعد هناك من شك أننا بحاجة لحكومة تعرف كيف تدير البلد وتحترم الدستور والقوانين وقد شدّد الحكم الدستوري على هذه النقطة، والحقيقة أكررها وإن كانت مؤلمة بأننا لو كنا في بلاد تحترم نفسها لكان استقال رئيس مجلس الوزراء منذ أول خطأ. يقول المثل ' أن تخدعني مرة فهذا عيب عليك، أن تخدعني مرتين فهذا عيب علي'، فها إن ناقوس الخطر يدق من جديد، فهل من منصت؟!!

المحامي / عادل عبدالهادي
23 يونيو 2013

الآن - رأي : عادل عبدالهادي

تعليقات

اكتب تعليقك