التعليم الجامعي بين التقليد والابتكار المفقود!.. بقلم خليل حيدر

زاوية الكتاب

كتب 671 مشاهدات 0


الوطن

طرف الخيط  /  الجامعة.. والثقة العمياء

خليل علي حيدر

 

ثمة ازمة واضحة بين الجامعات في الدول العربية ومجتمعاتها، بعض تجلياتها هذا التعليم التقليدي التراكمي المتلاصق، والمشدود الى الماضي ككل شيء آخر في حياتنا، ومن ملامحها هذا الدور الابتكاري التجديدي المفقود.. وهذه الموازنات البائسة للبحث العلمي.
الباحث البحريني «د.شمسان المناعي»، عرَّى في بحث قيم دور الجامعات في العالم العربي، وأظهر بوضوح حجم الاصلاح المطلوب ربما في كل الدول العربية، للنهوض بهذه المؤسسات الاكاديمية التي تتزايد كمًّا ولا تتحسن كيفاً! (انظر: الشرق الأوسط 2013/11/26).
فقد ارتفعت اعدادها من 12 جامعة في 1945 الى 265 في 2010، بالاضافة الى 600 كلية للدراسات الجامعية. ومن المتوقع ان يبلغ عدد طلاب التعليم العالي ثمانية ملايين في عام 2015.
ونتساءل هنا: هل الجامعة في عالمنا المعاصر مجرد مؤسسة تعليمية ام انها في الحقيقة مؤسسة اقتصادية انتاجية كذلك، ذات علاقة معروفة بتوفير فرص العمل والتنمية الصناعية ورفع المستوى المعيشي للشعوب؟ «فقوة العمل في الولايات المتحدة مثلا تضم اليوم اعلى نسبة في العالم من خريجي الجامعات، كما ان الدخل الذي يحققه هؤلاء الخريجون يُعد من اعلى الدخول في العالم». ويضيف د.وليم بيكر، استاذ علم الاقتصاد الامريكي، ان التعليم العالي الجماهيري في الولايات المتحدة الامريكية «قد توسع توسعاً عظيما مع وجود اكثر من 100 جامعة بحثية ضخمة وكلية فنون عقلية راقية - اللغات والعلوم والفلسفة والتاريخ وغيرها - ولم يكن ذلك على حساب التضحية بالمعايير». (التعليم والعالم العربي، مركز الإمارات للدراسات في أبو ظبي، 2000، ص38).
«التعليم الجامعي في العالم العربي»، يلاحظ د.المناعي في مقالة بالصحيفة، «لم يسهم في دفع عجلة التنمية وفقا لما اكدته تقارير ودراسات علمية عدة.. بل على العكس من ذلك، اصبح التعليم معوقا للتنمية الاقتصادية والبشرية، بتخريجه طلابا هم اقرب الى خريجي مراكز محو الامية منهم الى خريجي الجامعات».
المشكلة، يقول، تكمن في نمطية التعليم الثانوي والجامعي معا «فالتعليم الثانوي خلال نصف القرن الماضي، لم يخرج عن فرعي الاداب والعلوم، وبالنسبة للجامعات العربية، فإن الاقسام العلمية تكاد تكون هي نفسها في كل جامعة او كلية، متكررة ومزدوجة. والآن، هناك ضرورة لتنويع شعب التعليم الثانوي واقسام الجامعات، بحيث تستجيب للتطور الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي الحاصل في المجتمع».
نحن اذن بحاجة ماسة الى الاهتمام بالدراسات المهنية والعملية، والخروج عن دائرة «اما مهندس واما طبيب» التي سبحنا فيها طويلاً!
لا ينبغي للجامعة ان تكتفي باستهلاك المعرفة، والعيش على الكتب والمناهج والمعارف المتداولة يجب ان يهتم التعليم العالي بانتاج المعرفة، لا في العلوم الطبيعية التكنولوجيا وحدها، بل في العلوم الانسانية ايضا. لابد ان تكون للجامعات العربية الريادة في البحث العلمي مثلا، بينما نرى اليوم في هذا المجال فراغا مخيفا. «اما بسبب عدم تفريغ اساتذة الجامعات للقيام بدورهم في هذا المجال، واما بسبب عدم رصد ميزانية كافية».
واقع ومستوى البحث العلمي في العالم العربي ليس بالطبع قضية اكاديمية بحتة، بل تمتد المسؤولية الى الولة والقطاع الخاص وجهات كثيرة اخرى.
حجم الانفاق على البحث العلمي في الوطن العربي، يقول د.المناعي، لم يتجاوز %0.5 من الدخل الوطني: «ان مقارنة بسيطة بين الدول العربية واسرائيل في ميدان البحث العلمي، تكشف عن وجود 363 باحثاً في العالم العربي تقريبا لكل مليون نسمة. بينما يبلغ عدد الباحثين في اسرائيل 25 الفاً، بمعدل خمسة آلاف باحث لكل مليون نسمة». ويذكر الباحث «ان عدد مراكز البحث في العالم العربي كله لا يتعدى 600 مركز، وعدد الباحثين لا يتجاوز 19 ألف مقارنة بفرنسا وحدها التي بها 1500 مركز بحثي يعمل فيها 31 الف باحث. وبينما تصرف كبرى الجامعات الامريكية ما يقرب من %40 من ميزانياتها على البحث العلمي، لا تنفق الجامعات العربية سواء %1 من ميزانياتها في هذا المجال».
الجامعات العربية اذن، مشلولة عن الحركة، كما يراها د.المناعي، محرومة من المبادرة النهضوية الريادية.
يقول: «لا تزال الجامعة في موقع التابع لا المتبوع، المسيَّر لا المخيَّر. ولعل اهم جوانب هذا الواقع، هو المناخ الاكاديمي السائد في الجامعة، حيث تتأصل فيه مجموعة من قيم الطاعة والولاء والانصياع لمتخذي القرار وقيم الاحترام السلبي للكبير وتوقيره، سواء عند الاستاذ او الطالب، كما ان الاجراءات الادارية تقيد حرية الباحث وابداعه، وتحد نشاطه».
ولكن ثمة الكثير من البحوث والدراسات الجارية في هذه الجامعات والصادرة عنها! وهذه في رأي د.المناعي، «لا تخدم خطط التنمية في المجتمع، وغير مرتبطة بمشكلاته»!
كيف يدرس المسؤولون هذا الواقع التعليمي المتأزم؟
كالعادة، بتشكيل «لجنة اكاديمية رفيعة من اساتذة الجامعة» لدراسة المشكلة، و«وضع الحلول الكفيلة بانهائها».
تقول احدى الطرف ان طبيب العيون قال لشخص لا يبصر قبل اجراء عملية لاعادة بصره: «انت لازم تثق بي تماماً».
فأجاب المريض: «ما انا من زمان ثقتي فيك عمياء»!

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك