في ذكرى الإحتلال، يكتب محمد الدلال:

زاوية الكتاب

التاريخ يعيد نفسه باستمرار ذات العقلية في الإدارة

كتب 2084 مشاهدات 0

محمد الدلال

 'ذكرى احتلال الكويت'

المحامي محمد الدلال
 

كنا طلبة في جامعة الكويت في منتصف الثمانيينات نرفع راية العروبة ونتعاطف مع العراق في الحرب المستمرة منذ سنوات مع ايران، فالبوابة الشرقية يجب ان لا تُخترق، ونظام ايران يجب ان لا يحقق أهدافه بالوصول الى ارض الجزيرة، وكان صدام حسين في نظر الاعلام الخليجى والكويتى تحديدا هو المنقذ على الرغم من استبداده وظلمه وقتله لشعبه، ظننا حينها - ونحن شباب صغار ملكته العاطفة - ان موقفنا صحيح وكنا نعتقد ان قيادتنا ومسئولى الدولة اكثر فهما ودراية وحنكة سياسية بما يدور، وان قراراتهم ستعود على الكويت بالخير والامن والأمان، ولكن اكتشفنا مؤخرا ان قيادة بلدنا اكثر عاطفة منا، واقل استعدادا، وأضعف من ان تتنبأ بخطر الأصدقاء قبل الأعداء.. فحدثت الماسأة، واحتلت الكويت من الجار الجائر فعاث فيها الفساد بالقتل والاسر والخراب والدمار.

ان الدول المتقدمة لا تتعامل مع الاحداث الداخلية او الخارجية بمنطق العاطفة او الثقة او بموجب العلاقات الشخصية فقط وان كانت هذه عوامل مساعدة في الشئون والعلاقات السياسية والدبلوماسية، بل إن الدول المتقدمة تعتمد في مواقفها و إدارتها للأحداث على النهج المؤسسى والدعم البرلماني الشعبى ومراكز المعلومات والدراسات الاستراتيجية، ودراسة البدائل والسناريوهات المختلفة بما فيها الاحتمالات السلبية او السوداء على حد قول العامة، فالجوار والصداقة بين الدول، والعوامل المشتركة بين الشعوب امر جميل ولكن لا يعوّل عليه في العلاقات بين الدول، ولعل تاريخ الخليج والإقليم شاهد على ذلك.

الكويت كدولة وعلى الرغم من جراحات الغزو العراقى الغاشم - والذى لا يزال غائرا في القلوب - لم تتطور كثيرا في إدارة الدولة بشكل عام وإدارة المخاطر بشكل خاص ، بل ما زالت مؤسسة الحكم تتعامل بفردية في علاقاتها السياسية الداخلية والخارجية. فالبرلمان الكويتى أصبح لا حول له ولا قوة بفعل إرادة منفردة غيّبت فيها شريحة كبيرة من الشعب الكويتى عن المشاركة في القرار، والسياسة الخارجية تعتمد بشكل رئيسي على اشخاص وافراد ، وبافتراض حسن تصرفهم مرحليا، الا انه في حال غياب تلك الشخصيات ومع غياب الدور والنهج المؤسسى في إدارة الدولة وإدارة شئونها الداخلية والخارجية فإنه من المتوقع أن تكون الدولة ضحية لمخاطر مستقبلية .

لقد كان الدرس الأول من الغزو الاثم والذى نجد اننا كدولة وكشعب قد اخفقنا في استيعابه وتحقيقه، هو أهمية تلاحم الكويتيين حكام ومحكومين في بناء الدولة على أسس صلبة، ومواجهة الاخطار والتحديات بروح الفريق الواحد، وهو ما يستلزم معه ترجمة هذا التلاحم بعد ذلك الى برامج مؤسسية يتم فيها تعزيز أواصر الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعى لا التلاعب بمكوناتها وتمزيق تماسك المجتمع، وأن أي إصلاح سياسي جاد يتطلب تطوير المشاركة الشعبية بتعديلات دستورية وتشريعية وتعزيز الحريات لا ان ينتقص حق الشعب في اختيار ممثليه بحجج واهية ومن ثم إضعاف دورهم في المراقبة والتشريع اضافة الي تكميم الحريات العامة ، وإن أي تنمية حقيقية جادة يتطلب معها تطوير آلية اختيار القيادات، وآلية اتخاذ القرارعلي أسس منهجية ومعايير مؤسسية،ج لا الاستمرار في ذات النهج من المحاصصة والمزاجية والمحسبوية في اختيار القيادات وانفراد في اتخاذ القرار ، إن الاصلاح الحقيقي يتطلب العمل علي مواجهة الفساد المالي والسياسى الذى انحدر بالبلاد لا رعايته والولوغ به والتستر علي مؤسساته وافراده !

لقد قدم المئات من نساء ورجال الكويت آرواحهم فداءً لهذا الوطن، وأُسر الكثير منهم، وعذب من عذب في سبيل الله ومن اجل الكويت وشعبها، ومن اجل عودة الكويت افضل مما كانت ، إن تضحيات الكويتيين الكبيرة وآمالهم  بغدٍ افضل كانت اعظم، إلا أن الوعود – للأسف - لم تحقق فالتاريخ يعيد نفسه باستمرار ذات العقلية في الادارة وهو امر خطير ، الا انه  وعلى الرغم من الصعاب والاخفاقات الا اننا على يقين بان الشعب الكويتى سيستمر في رحلة الإصلاح والتطوير ومواجهة الفساد لانه يعتبر ذلك دين في رقابنا جميعا سلمه لنا الأجداد والاباء، وسال من أجله دماء شريفه من الشهداء ، ومسئولية كبيرة من اجل غد كويتي أفضل .. اللهم بارك في الكويت وشعبها .


المحامى محمد الدلال

الكويت 2 أغسطس 2014


 

كتب: المحامي محمد الدلال

تعليقات

اكتب تعليقك