مستقبل الجغرافيا الخليجية يكتب د. علي الطراح

زاوية الكتاب

كتب 1045 مشاهدات 0


لقد تعلمنا من تجارب التاريخ العربي وثوراته أنها كانت تسير في طريق الوهم، وأن الأزمة العربية بكاملها لم تكن محصورة في السلطة بقدر ما كانت تشاركها الثقافة لأنها تفرز القيم التي تحكم العقل والسلوك.

والصراع كان في الغالب محتدماً حول الإمساك بمقاليد السلطة دون تقديم بدائل عقلانية لإحداث التغيير المنظم المتجه نحو أهداف متفق عليها، وهذا ما سبب الانتكاسات العربية، فالصراع القابل لأن يجد مخارج عقلانية، وليست دموية، هو ما تحتاجه بعض الدول العربية غير المستقرة في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخها.

والغرب بقيادة أميركا يتحول في سياساته تجاه مصادر التحديات في المنطقة، فهو اليوم ينتهج سياسة الاحتواء بدلاً من المواجهة.

وفي المنطقة العربية نجد أن تطرف جماعات الإسلام السياسي فرضت على العديد من الأنظمة والشعوب المواجهة، وفشلت تلك الجماعات في فهم طبيعة الصراع وحدوده.

فالسلطة قد ترى المواجهة وسيلة لإنهاء الصراع، بينما الطرف الآخر، أي جماعات التطرف، تتحدى النظام الاجتماعي وتهدد الاستقرار، وتقف على الجانب الخاطئ بمنطق التاريخ، فهي ما زالت تعمل في عقليتها الكلاسيكية التي ترفض الاندماج، وترفع شعار «الإسلام هو الحل» دون ديناميكية في فهم المتغيرات.

وهكذا يتفاقم الصراع، وترفض الأطراف المتصارعة تقديم التنازلات العقلانية التي تقود الأمة نحو الأمام، ومن ثمّ ينحصر الحل في جانب منطق القوة، دون مراعاة استراتيجية مواجهة الفكر، وكيفية التعامل معه.

إن جماعات الإسلام السياسي تغيّب الزمان والمكان، وترفض الاعتراف بمتغيرات العصر وأنه لا يمكن للمجتمع أن يعود إلى الوراء ولا يمكن لحقبة تاريخية من الماضي أن تعود بتفاصيلها كوسيلة لإنقاذ الأمة.

وبما أن دول الخليج العربي تواجه سياقاً إقليمياً مضطرباً بمشكلات سياسية متفاقمة في العالم العربي، فهي تتميز بأن نظمها السياسية جاءت عبر التوافق وقاعدة العقد الاجتماعي، وهي نظم سياسية راسخة تستند إلى أقوى وأهم ركائز الأمن الاجتماعي، فالقاعدة الاجتماعية يجب أن تشكل لنا خريطة مستقبل في التعامل.

والاستثمار في قاعدة العقد الاجتماعي هو المخرج، وهو الذي ينبغي أن يشكل لنا ملامح الطريق.

والمرحلة تفرض علينا فهم الاختلاف والتنوع الفكري، والعمل على تعزيز التنوع للمصلحة العامة، وليس أية مصلحة أخرى.

والراهن أن المرحلة حرجة، وتحتاج الى عقول ديناميكية تدرك طبيعة المخاطر والمتغيرات، وتعمل على إيجاد أرضية مشتركة للخروج من الأزمة، فالفوضى التي تعيشها المنطقة قد تقود إلى التدمير وضياع الأوطان، والحروب الأهلية والصراعات الداخلية لا تقود إلا إلى مزيد من الدمار، وخصوصاً أننا نعيش مرحلة تحولات عالمية تسعى إلى فرض جغرافيا سياسية جديدة دون أن نكون كعرب فاعلين في الهندسة الجغرافية التي يمكن أن تفرض على بعض الدول العربية غير المستقرة.

إن دول الخليج العربي تملك المقومات والنماذج الحية في إحداث التطور، وتملك مقومات التراضي والتوافق والإجماع، وهذا ما يجعلها قادرة على استيعاب طبيعة المرحلة وكيفية الخروج من الأزمة التي يمر بها النظام الإقليمي العربي ككل.

فالفعل العربي كثيراً ما يكون متأخراً، ولا يحيا على المبادرة، ومن ثم فإن مواجهة نتائج الفعل قد تأتي متأخرة، وهذا ما يقلقنا في تعاملنا العربي مع الأحداث.

واليمن مثلاً يتجه نحو تغير القاعدة الاجتماعية التي قد تقود إلى المزيد من التمزق والتمدد لأطراف ينتعش نفوذها على حالة التفكك، وهذا ما يستوجب إعادة تقييم السياسات السابقة.

واليمن يقع في الجغرافيا الخليجية، وفي جزيرة العرب، وقد جاءت ردود الفعل ببطء، مما قد يجعلنا دائماً نواجه الحدث في مرحلة متأخرة.

الآن - الاتحاد الإماراتية

تعليقات

اكتب تعليقك