بقدر الصراخ غياب العقول…؟!!‎ بقلم عبدالكريم الشمري

زاوية الكتاب

كتب عبدالكريم الشمري 1396 مشاهدات 0


جاء في تاريخ الإسلام للمؤرخ الذهبي:

'قال إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل: خرجت مع أبي إلى دمشق، فإذا كنيسة، وإذا الأخطل في ناحيتها، فسأل عني فأخبر، فقال: يا فتى إن لك شرفا وموضعا، وإن الأسقف قد حبسني، فأنا أحب أن تأتيه وتكلمه في إطلاقي، قلت: نعم، فذهبت إلى الأسقف، فقال لي: مهلا، أعيذك بالله أن تكلم في مثل هذا، فإنه ظالم يشتم الناس ويهجوهم، فلم أزل به حتى قام معي، فدخل الكنيسة فجعل يتوعده ويرفع عليه العصا، ويقول: تعود؟ وهو يتضرع إليه ويقول: لا، قال: فقلت: يا أبا مالك، تهابك الملوك وتكرمك الخلفاء، وذكرك في الناس! فقال: إنه الدين، إنه الدين!'.

من يطلع على سيرة الشاعر الأخطل المليئة بالفجور بشتى أنواعه وصوره من فجور فكري وأخلاقي وغير ذلك…يستغرب كما استغرب الراوي من خضوعه لتعاليم دينه وتسليمه للأسقف الذي ينكل به…!ولكن من يعرف طبيعة النفس البشرية وحاجتها إلى الدين يزول عنه جزءًا كبيرا من استغرابه…ولا يبقى له من الإستغراب سوى القليل وهو الإستغراب من خضرعه لدين محرف بهذا الشكل…؟!

الحقيقة أن الناظر في الأديان المحرفة والطوائف الضالة سواء كانت منتسبة للإسلام أو غير ذلك…يجد بأن ساسة هذه الأديان والطوائف تستعيض عن الحجج الشرعية والعقلية في اقناع مريديها والسيطرة على عقولهم باللعب على المشترك الإنساني'العواطف'…فتجد النصارى ‎جُل دينها يقوم على الترانيم والأصوات المشجية؛لأن هذه الأصوات تحرّك العواطف في النفوس الطبيعية وتوهم أتباعها بأن تحرك عواطفهم وبكاؤهم سببه السلطة الروحانية للدين وأنها دليل على صحة دينهم ولو لم تكن صحيحة لما حرّكت النفوس واستحثت العيون على البكاء!.

ولو أن هؤلاء الساسة تركوا لمريديهم مجالا للنقاش العقلي ودعتهم إلى التفكر والنظر في أديان غيرهم لعلموا بأن كل الأديان والطوائف التي تقوم طقوسها على الترانيم والتباكي تحقق نفس نسبة التأثير على مريدها ونفس كمية الراحة النفسية التي يستشعرونها…لأن التأثر ناتج عن عاطفة مشتركة بين الناس…والراحة النفسية تأتي تبعا لهذا التأثر الذي يُصوّر بأنه دليل قطعي على صحة تعاليم الدين أو الطائفة!

أضف إلى ذلك كيد الشيطان!…فعندما قيل لابن عباس رضي الله عنه بأن اليهود تزعم بأنها لا توسوس في صلاتها…قال:'وما يفعل الشيطان في بيت خرب'…!

فقد يتحقق للضال قدر من الراحة النفسية نتيجة للعوامل المذكورة كلها أو بعضها!.

ومن أساليب بعض ساسة الطوائف المنتسبة للإسلام في تطويع عقول مريدهم المبالغة في شيطنة المخالف…فتجد جُل طقوسهم صراخ وتباكي وطعن في المخالف…؛لأن شيطنة المخالف تحت سطوة هذه العواطف الجيّاشة لها بُعد قوي ومتجذّر في النفوس…وتجعل المريد لا يطيق النظر لوجه المخالف فضلا عن الحواره معه فضلا عن قبول كلامه في نقد أساليبه وخزعبلاته التي تُمارس في طقوسهم…لأنهم استطاعوا خلق سياج نفسي متين بين مريديهم ومخالفيهم…وهذا الحاجز النفسي يصعّب مهمة الداعية في اقناعهم بضلالهم وسوء حالهم ومعتقدهم لأنهم لن يصغوا ابتداءً وإن اضطر أحدهم للإصغاء فإصغاءه لن يكون إلا إصغاء الحذر المتوجس ومثل هذا الإصغاء لا يقف عند الحجج الشرعية والعقلية ليناقشها ويتفكر بها وإنما يصب كل جهده على تصيد واستثمار الأخطاء في كلام المخالف…!

ولهذا من العبث والجهل ما يقوم به بعض الغيورين على دينهم من تأجيج الأجواء والمناخ العام بالطائفية بحجة الرد على المخالف…فتأجج الأجواء يقوي حضور العواطف وغياب العقول…وحضور العواطف وغياب العقول أنسب مناخ يحتاجه ساسة الأديان والطوائف المنحرفة للحفاظ على مريديهم…وأسوأ مناخ يبتلى بها صاحب الحق الذي بنى عقائده على الأدلة الشرعية التي أكدتها العقول السليمة والفطر القويمة!.

عبدالكريم دوخي الشمري

الآن - رأي: عبدالكريم الشمري

تعليقات

اكتب تعليقك