اللباس الشتوي.. وذوق زرياب

منوعات

خصص ملابس لكل فصل من فصول السنة الأربعة

4895 مشاهدات 0


عُرف اللباس العربي منذ القدم بأنّه 'فضفاض' متماشٍ مع الظروف المناخية والبيئية في جزيرة العرب، وساير قيام الحضارات العربية القديمة في الجزيرة وأطراف الشام والعراق، ولا أدل على ذلك إلاّ ما نقلته لنا الروايات والأخبار حتى القصائد والأشعار عن حال العرب في الممالك والحواضر والبوادي.

وعلى الرغم من تعدد الأقاليم والظروف المناخية والجغرافية في كافة أقاليم الجزيرة العربية، إلاّ أنّ معظم المنقولات والروايات التي تتحدث عن الزي العربي تكاد تُجمع على أنّ 'العمامة' و'القميص' و'الإزار' و'البردة' لباس عرفه العرب القدماء على اختلاف مشاربهم وتعدد قبائلهم ومناطق سكنهم، وقد دار حول لبس العمامة حديث طويل بين علماء القرنين المنصرمين.

العرب في حضارتهم

وبعد توسع الحضارة الإسلامية في بلاد فارس والروم وصلت طلائع خيل المسلمين إلى بلاد ما وراء النهر 'سيحون' و'جيحون'، ودخل 'البربر' و'الأحباش' و'الترك' و'الصقالبة' إلى حضارة الإسلام، وتشارك العرب مع غيرهم من الأعراق والحضارات الجديدة، وعرفوا أنواعاً من الأقمشة والأزياء والملابس التي تتماشى مع الأقاليم التي نزلوها، حتى عُرف عن الخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز في شبابه أنّه كان كثير الإسراف في لباسه وعطوره؛ لدرجة أنّ الناس يعرفون أنّه مر بهذا الطريق أو ذاك؛ لما يجدونه من أريج عطره الفواح، كما كان الخلفاء من بني أمية وبني العباس يُعرفون بملابسهم وأزيائهم الفاخرة، ولم يكن ذلك معروفاً في زمن الخلفاء الراشدين - رضوان الله عليهم - وهم الذين كانوا في لباسهم وزيهم كحال عامة الناس في المدينة، بل كانوا يلبسون الثوب الواحد مراراً ويرقعون نعلهم ومآزرهم، حتى لقد وصل عمر الفاروق - رضي الله عنه - بيت المقدس، وفي ثوبه ما يقارب من سبع عشرة رقعة، وكذا كان أبو الحسن علي - رضي الله عنهما - لا تفرق بينه وبين عامة الناس بهندامه وتواضعه.

'القلانس' الطوال

وعُرف العباسيون باللباس الأسود توائماً مع راياتهم السود، وقد ذكر المؤرخون أن 'أبا العباس السفاح' - أول خلفاء بني العباس - ترك حين وفاته عدداً من 'الجُبب' و'البرد'، وفصَّل بعضهم في ذلك - حتى في ملابسه الداخلية - في حين كان 'أبو جعفر المنصور' - ثاني الخلفاء العباسيين - يلبس 'القلانس' الطوال، وينام على فراش الحرير؛ بغية تخفيف وطأة حرارة الصيف، وكان رغم تقشفه وبخله يأمر كافة أفراد جيشه أن يلبسوا 'القلانس' الطوال حتى لقد هجاه الشاعر 'أبو دلامة' بقوله:

وكنا نرجي من إمامٍ زيادة

فجاد بطول زيادة القلانس

تراها على هام الرجال كأنّها

دنان يهود حللت بالبرانس

وقيل: إنّ 'هارون الرشيد' - حفيد أبي جعفر - هو أول من لبس 'القلنسوة' المعروفة ب 'الطويلة الرصافية'؛ نسبة إلى الرصافة أحد أحياء 'بغداد'، كما تبعه أبناؤه 'الأمين' و'المأمون'، ويذكر المؤرخون قصة طريفة حدثت ل 'الأصمعي' في مجلس الرشيد، وذلك حين كان يحدثه عن الأقوام السابقة وعاداتهم وأعرافهم، وعرج في حديثه عن بني أمية، وذكر أنّ 'سليمان بن عبدالملك' كان نهماً أكولاً، وكان يخبئ الدجاج المشوي في كمه - جيبه -، فتعجب 'هارون الرشيد' من هذه المعلومة وأمر خازن الدار أن يبحث في مخازن دار الخلافة عن لباس سليمان بن عبدالملك، وكان في مخازن القصور العباسية بعض مقتنيات وملابس وأواني بني أمية، فلما أحضرها الخازن وجد الرشيد آثار الدهن في أكمام ملابس سليمان بن عبدالملك، فتعجب من ذلك وأمر الخازن أن يسلمها ل 'الأصمعي' هدية له، فكان يزهو بها في شوارع 'بغداد'، وإن سئل عنها قال عبارته الشهيرة: 'هذه ثياب سليمان بن عبدالملك التي أهدانيها هارون الرشيد'.

شخصية 'الكوبرا'

وفي منتصف القرن الهجري الثالث أحدث 'المستعين بالله' - الخليفة العباسي - تحولاً جذرياً في أزياء ذلك الزمان؛ إذ عمد إلى تقصير 'القلانس' وتصغيرها وتوسيع الأكمام، فقلّده بذلك بطانته وحاشيته - وهذا النوع من اللباس هو ما يصوّر لنا الآن في عموم الأعمال الدرامية -، وبعدها تبعته العامة من أهالي 'العراق' فلبسوا ما لبسه الخليفة، حتى ظهر الناس في متوسط العصر العباسي بأزياء فاخرة وأقمشة نادرة، لا سيما رجال السلطان وموظفي البلاط والولاة وكبار القادة والسلاطين، وهو ما دفع 'ابن المرزبان' - من علماء القرن الثالث الهجري - أن يضع كتابه المشهور 'فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب' وهو يصف أهل زمانه فما بالك بأهل زماننا هذا، في حين كان وصف 'الجاحظ' ملابس رجال البلاط وصفاً دقيقاً، بعد أن سخر من نرجسيتهم وتعاليهم على عامة الناس حين سماهم 'الطواويس'؛ لأنّهم كانوا يختالون في مشيهم وينفشون ملابسهم، كما ينفش الطاووس ريشه، وهو ما يحاكي في زمننا هذا التشخيص ب 'الكوبرا' عند شباب التسعينات الميلادية.

'مصاصة' العرق

كانت 'القلانس' لباساً معتمداً في معظم أقاليم البلاد الإسلامية إبان حضارة الإسلام المجيدة، حتى إنّ 'أحمد بن طولون' - مؤسس الدولة الطولونية بمصر - أعاد أهالي مصر والشام إلى لباس 'القلانس' الطويلة بعد أن كان الخليفة 'المستعين بالله' قد نشر 'موضة القلانس القصيرة' والأكمام الواسعة.

ويذكر المؤرخ 'البلاذري' أنّ 'القلانس' دخلت من 'الهند' عن طريق القائد العربي المسلم 'عباد بن زياد'، فسميت 'العبادية'، وكان 'الحجاج بن يوسف' يجلس للناس ويلبس 'القلانس' الطوال، كما ذكر 'د. عبدالعزيز بن حميد' في كتابه 'ملابس الخلفاء والآثار الإسلامية' أنّ العمائم كانت تشد ب 'الشاشية' أو 'العرقية' لحماية العمامة من الاتساخ وتسمى في إيران 'العرقجين' وتعريبها 'مصاصة العرق'؛ وهي ما نسمّيه في زماننا هذا 'الطاقية'.

تعليمات و'بروتكولات'

المغني 'زرياب' - الذي عاش في القرن الرابع الهجري - هاجر من 'بغداد' إلى 'قرطبة' بالأندلس وهناك ذاع صيته وسطع نجمة حتى بات نديماً للسلاطين وعشيراً لذوي المال واليسار؛ ما دفعه لأن يرسم لنفسه 'بروتكولات' خاصة في المطعم والملبس، وهو ما سماه الفرنسيون فيما بعد ب 'الإتكيت'، وقد تبناه الإمبراطور الفرنسي 'لويس الرابع عشر' في القرن الثاني عشر الهجري، الذي كان يأمر بتوزيع بطاقة أو 'تذكرة صغيرة' تبرز فيها التعليمات الخاصة بالاحتفالات التي تقام في قصر 'فرساي' بباريس.

أثر زرياب في ملابس أهل الأندلس ووضع لها نظاماً وخصص ملابس لكل فصل من فصول السنة الأربعة، ملابس للربيع وهي ملونة من الخز والدراريع التي لا باطن لها، وأخرى للخريف قريبة الشبه بملابس الربيع إلا أنها مبطنه، أما ملابس الصيف فبيضاء خفيفة، وأما ملابس الشتاء فثخينة داكنة وإذا اشتد البرد ألبسهم الفراء.

الآن - الرياض- تقرير

تعليقات

اكتب تعليقك