نشاط ثقافي لقسم النقد بترجمة نص 'الاحتمالات'

منوعات

1510 مشاهدات 0


ضمن فعاليات الأنشطة الثقافية لقسم النقد والأدب المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية، أقيمت ندوة حاضر فيها الناقد د. علي العنزي حول ترجمته لنص الاحتمالات The Possibilities للكاتب الإنجليزي هوارد باركر، وكانت الاحتمالات قد صدرت عن دار مسعى بمقدمة واسعة أوضح العنزي خلالها ماهية مسرح الكارثة Theatre of Catastrophe، الذي نظر له باركر.

أدار الندوة عضو هيئة التدريس بقسم النقد د. سكينة مراد، حيث استهلت الندوة بتقديم الشكر لإدارة المعهد ممثله بعميد المعهد د. فهد الهاجري على تجاوبه مع المقترح المقدّم له من قسم النقد في إقامة نشاط ثقافي موسمي، الذي سيستمر خلال السنة الدراسية عبر سلسلة من الندوات العلمية في حقل الأدب والفن بشكل عام.

وأثنت د. سكينة على تجربة الزميل د. علي العنزي في ترجمة النص المسرحي (الاحتمالات)، بأنه أعطى لهذا النص حياة جديدة عبر هذه الترجمة، كما أنه أتاح لنا فرصة التعرف على كاتب مسرحي جديد.

وأكدّت على أهمية الترجمة في نقل الثقافات بين المجتمعات، ورأت بأن الترجمة لا تقتصر على نقل النص المترجم من لغة إلى أخرى، بل أنها تحتاج أيضاً إلى التخصص، لأنه يزيد من أهمية ودقة النقل في الأسلوب والأفكار المطروحة في نص الكاتب.


قال العنزي في مستهل الندوة أن هاوارد باركر Howard Barker ولد في عاصمة الضباب في العام 1946، في ظل حياة لم تقدم له أدنى قدر من البحبوحة، حيث تجرع طعم الحرمان كأغلب الأوروبيين المنتمين إلى طبقة البروليتاريا في منتصف القرن الــ 20، ورغم أنه ولد من رحم المعاناة، فإن خواء البطن هذا، لم يعن بالنسبة له خواء العقل.

 وأوضح إنه ليس من المماراة في شيء القول، إنه لكي يزداد فهم الاحتمالات، فإنه يجدر بنا أن نلم على الوجه الأكمل بمسرح الكارثة Theatre of Catastrophe، الذي مارس باركر من خلاله أفكاره المسرحية، وذلك من حيث مرامي مسرح الكارثة وبذوره المصطلحية، وما يكتنزه من مفاهيم، ولهذا السبب فقد صدرت الكتاب بمقدمة شاملة تشرح هذا الضرب الفني.


ومضى العنزي يقول، ولا نبالغ إذا أكدنا أن باركر برهن منذ بداياته الأولى، على أنه مشروع كاتب خارق للقيم الفنية السائدة، حيث انتقلت كتاباته بسرعة منذ بداياته الأولى، من مرحلة (التجريب في الواقعية الاجتماعية، التي تغلفها السخرية الندية...الخ) إلى عقيدة فنية خاصة عبر نص الاحتمالات، مؤمنة بقدرة أحد أهم الجنسين في الفن الدرامي، وهي نهضة «المسرحية المأسوية» المعاصرة، على إثارة أسئلة ذات طابع استكناهي هام وعميق.

وذكر العنزي: «أن باركر يعد علامة فارقة في مسرح إنجلترا ما بعد الحداثة»، مبيناً أنه بالرغم من قيمته الأدبية في العالم الغربي، إلا أنه لم ينل حظه من الترجمة إلى العربية، لا كاتبا ولا منظراً، رغم قيمته الدرامية الكبيرة؛ وفرادة تقنياته الكتابية وطرائقه المسرحية التي لم يسبقه إلى صنيعها أحد.


وقال العنزي ان الاحتمالات نص متحرر؛ مقسم إلى 10 مشاهد لكل منها قصته، وكأننا في حضرة مجموعة قصصية، مشيراً إلى أننا في هذه المسرحية «نقف أمام حلية مهمة من حلي هوارد باركر على مستوى البناء؛ حيث تبدو المسرحية مقطعية، وكأنها أنثولوجي لمجموعة نصوص قصيرة كتبها مؤلف واحد، مبيناً أن للمؤلف منهجاً ورؤية إبداعية خاصة، من المفيد الوقوف عند صيرورتها التاريخية.  

وأوضح أستاذ النقد في معهد المسرح إننا أمام الكثير من المناقشات التي تدور حول دور الثقافة وعلاقتها بالواقع، مضطرون، لتمثل معارف الحضارات الأخرى، التي أحرزت خلال القرنين الماضيين مخزونا معرفياً وعلمياً هائلاً، تمكنت بفضله لأن تصبح إمبراطوريات لا تغيب عنها الشمس. وأكد العنزي أن همه منذ أن بدأت فكرة الترجمة، تمثلت في القول بأننا معوزون لكي نبني تقدمنا الخاص إلى استيعاب معارف الأمم المتقدمة، لا من منطلق نسخ الحضارات وإنما تأملها، سعياً لإنجاز تقدمنا المستقل.

وأكد العنزي أن هاجسه خلال رحلة الترجمة، كان ألا يكون متماهياً مع هاورد باركر، وهو يكتب مقدمة عنه، ولا مفتوناً بالنص وهو يحلله، باعتبار أن فرصة التعلم من الآخر – من وجهة نظره – تنتفي حينما يقع في فخ الافتتان.

 قال: كانت الاحتمالات كالنهر الطافح أو الفيضان الجسور الفائض رغبة في تفحص عالم السلطة، تحت عنوان عريض هو 'الشهوة الخاطئة للسلطة والتسلط'؛ و'الشهوة الخاطئة في عرف باركر، تتمثل في شهوة الجسد، وشهوة المال، وشهوة الانتقام، وأخيراً وبمقدار وافر شهوة الساسة لبريق الحكم وغواية مقامه الرفيع'.

وأضاف: كانت الاحتمالات كالنهر الطافح أيضا، بفضل لغتها، التي تتضمن تحديا ومبارزة ونزالا للعقل، مبينا أنه ولهذا السبب، فإن أحدا لم يجرؤ على تجاهل أعمال باركر في كبريات الدول الأوروبية، حيث اعتبر كأحد أعمدة المسرح الأوروبي المعاصر، إذ قدمت 27 مسرحية من مسرحياته خلال الــ 4 سنوات الماضية بست لغات مختلفة في أكثر من 17 دولة من ضمنها فرنسا، ألمانيا وإيطاليا، كما وعبرت أعماله البحار لتصل إلى كندا ونيوزيلندا في مشارق الأرض ومغاربها، وعموما – بحسب العنزي – فهناك انبهار شديد بأعمال باركر في أميركا وفرنسا بالذات، حيث قدم الأوديون 4 من أعماله في ربيع واحد، فيما قدم له مطلع العام عملين في نيويورك.

وأكد العنزي أن باركر يُعد في بريطانيا، قطب ثقافي درامسرحي هام، تجاوز مقامه هضاب الجزيرة البريطانية، وإذا كانت نخبوية أعماله جعلته مجهولاً لدى الغارقين في مجريات الحياة العامة، فمن البدهي لدى الوسط الثقافي هناك أنه من أعلام الأدب البريطاني الحديث؛ بفضل نصوصه الحاضرة باستمرار على الخشبات البريطانية والأوروبية والأميركية، وكتبه الدرامسرحية القيمة التي نَظَّرَ خلالها للمسرح، وليس من ريب، في أن أعمال باركر تظل عصية على الفهم لدى البعض، ولهذا السبب فمن الصعب أن تجد من يزكيها لأولئك الذين يبحثون عن سهرة لطيفة خارج أسوار المنزل.

 
وكشف العنزي أن باركر- كان وما زال - يجمع بين نظم الشعر والتأليف المسرحي، وبفضل نتاجه الأدبي الخصب، فرض نفسه بقوة في ساحة القلم؛ ناظماً 5 دواوين شعرية، لم يتقيد فيها بوزن أو قافية، ومؤلفاً لـــ 83 مسرحية (أغلبها مأساوية) منها 7 للراديو و 13 للتلفزيون، وكانت لباركر وجهات نظر نقدية مختلفة، إلا أن أكثر ما يلفت الانتباه، عداؤه ومعارضته الشديدة لهيمنة الكوميديا على الثقافة والآداب والفنون، معتبراً الملهاة جنساً أدبياً رديئًا يتسم على الضحك والفكاهة فقط، بهدف إثارة الغبطة والابتسام فقط، حيث يقول باركر في كتابه Arguments for a Theatre أن المأساة المليئة بالمشاهد الكارثية المفجعة - كما هو الحال في مسرحية الاحتمالات هي الجنس الأدبي الأنسب لمساعدة الشعوب على تفهم وتقبل الآخر، تكريساً لمبادئ الحضارة والتمدن، باعتبارها تخاطب الجانب الجدي العميق من الإنسان.


وذكر العنزي أن باركر، كان قد اكتشف منذ صباه الإشكالات التي تحف بالمسرح الإنجليزي، بسبب عاصفة الاستهلاك التي تهز البنى الاجتماعية وأنماطها التفكيرية، معززة المطامنة السلبية وفساد الذائقة المسرحية، فقال في مدح العوالم الجحيمية للمأساة/ الحل: (يستحيل، وبعد انقضاء هذا الشوط من رحلة ثقافة الإنسان الطويلة، أن نتجنب الآن الشعور بأن الألم ضرورة، وأنه ليس حادثة ولا تشوها، ولا تعمد أذى، ولا سوء فهم، بقدر ما هو جزء مكمل لا يتجزأ من شخصية الإنسان سواء في بلائه أو معاناته. المأساة وحدها تمكنت من التعبير عن هذا الشعور المرير بوضوح، وسوف تستمر في التعبير عنه بوضوح، وخلال قيامها بذلك، فإنها تصنع الجمال).


مؤكدا العنزي: 'نعم... كانت طفولة باركر تعيسة ومغلفة بالحزن، ولكن المخاض الإبداعي والعقل المتوقد، تولد فيها من رحم المعاناة والانسحاق، كانساً بأصالته كل الفنون المتكلفة، وباثاً الروح في شرايين الجمهور المنشى، والمسرح المتكلس، نتيجة ولادة المأساة ولادةً ثانيةً تجدد روحها وتستنهضها وتبعثها وتستنبتها من جديد، من خلال ما اصطلح على تسميته بـ 'النهضة المأساوية'، التي سوف تعيد الجمال والشاعرية إلى الخشبة، و«تحرر اللغة من التفاهة والتسطيح، ويعود الشعر والشاعرية إلى الحوار».

الآن - فن وثقافة

تعليقات

اكتب تعليقك