تفاعل اللغة مع الحياة واحتياجات البشر!.. يكتب صالح الشايجي

زاوية الكتاب

كتب 449 مشاهدات 0


الأنباء

بلا قناع  /  'دنانير' و'بكره السفر'

صالح الشايجي

 

لفت نظري وأنا أشاهد فيلم «دنانير» الذي يقدم قصة حياة هذه المغنّية والجارية في العصر العباسي وأثناء خلافة «هارون الرشيد»، أنّ «أم كلثوم» التي أدت دور «دنانير» قد غنّت أغنيتها الشهيرة «بكره السفر» في هذا الفيلم، وهي أغنية بالعامية المصرية، رغم أن حوارات الفيلم كلها باللغة العربية الفصحى وكذلك ما رأيته وسمعته من أغنيات الفيلم.

اللغات واللهجات عامة، كائنات حية تتطور وتتغير وتتبدل وليس من لغة ثبتت على ما هي عليه، ولنا في لغتنا العربية أو لهجاتنا المحكية خير مثال، فهناك ـ لا أقول مفردات أو كلمات ـ بل ربما لغة بأكملها طمست وديست بأقدام الأزمنة المتعاقبة عليها، فهل لو سمع أحدنا كلمات مثل «مزاربة» «جحاجح» «دعموص» «السراطمة» «الخلاجمة» «الملاوثة» «المناجح» «بلادح»، مثلا، سوف يفهمها أو يجرؤ على استخدامها في قصيدة أو خطبة أو كتابة إنشائية؟! وهي كلمات من عين الفصحى ومن قلبها، وانتقيتها من أبيات في قصيدة واحدة ولو جمعت ما في تلك القصيدة من غرائب الكلام ووحشيته لما كفتني مساحة هذه المقالة، فكيف لو تبحرت في قصائد أخرى؟!

قصدت من ذلك التدليل على حيوية اللغة وتفاعلها مع الحياة ومع احتياجات البشر.

وفي لهجاتنا المحلية أيضا كلمات متوالدة بحكم الزمن وتغيّراته وتطوّراته، فما أفهمه أنا من مفردات كويتية لا يفهمها ابني، ولغتي المحكية الكويتية تختلف عن لسان أبي وهكذا.

وعودٌ على ما بدأت به هذه المقالة فإنني أراه خطأ تضمين أغنية مكتوبة بلهجة القرن العشرين المصرية على لسان جارية عباسية، لأنه وبمنتهى البساطة، فإن هذه اللهجة المصرية «القرعشرينية» لم تكن موجودة في العصر العباسي وكانت مصر حينها جديدة عهد باللسان العربي، وكان لها لغتها قبل الدهم العربي لها.

واللهجة المصرية هي «اللغة العربية الثابية» وهي لهجة امتدت الى الأذن العربية ودرجت على اللسان العربي، ومن عدة عوامل هيّأت لهذا الامتداد سأختار عاملا واحدا، وهو بسبب تطورها السريع وتفاعلها وتناميها، فضلا عن توافر أجهزة نشرها.

اللهجة المصرية الحالية هي ليست تلك السائدة أيام «محمد علي» مثلا والسائدة أيام «محمد علي» ما كانت على أيام دخول المماليك وهكذا، فكيف سيقتنع عاقل أن كلمات أغنية «بكره السفر» كانت مما يحكيه المصريون أيام العباسيين؟! وإذا افترضنا جدلا وجودها آنذاك فما الذي أجراها الى بغداد لتستقر على لسان «دنانير»؟!

المخرج «عايز كده»!

الأنباء

تعليقات

اكتب تعليقك