يكتب خليل حيدر عن الوحوش التي التهمت الربيع العربي

زاوية الكتاب

كتب 620 مشاهدات 0


الوطن

طرف الخيط  /  الوحوش التي التهمت.. ربيع العرب!

خليل علي حيدر

 

الشرق الأوسط عام 2015، بعد أربع سنوات حافلة بالثورة والتغيير، سيبقى في تقدير الاستخبارات الاسرائيلية، «منطقة خطيرة وغير مستقرة، لاسيما وأن بعض دوله ستتفكك، وتلجأ الأطراف المتعادية لاستخدام تكتيكات عنيفة».
ويضيف مقال في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الاسرائيلية، ان جهاز الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، عندما يتطلع عبر الحدود الى ايران والعراق والأردن وسورية ومصر واليمن والمملكة العربية السعودية وشمال أفريقيا، «يرى عالماً متدهوراً اجتماعياً، متفتتاً سياسياً، وفقيراً على نحو متزايد اقتصادياً ومعيشياً».(الوطن الكويتية، 2014/12/31).
«الأرامل السوريات يزددن مع مقتل الثوار».
«تجلس أحلام وهي منحنية نحو الأمام كما لو أنها توشك ان تنطوي على ذاتها، متحدثةً عن علاقتها بزوجها.ترددت في البداية في قبول عرضه لأنه كان مقاتلاً من الثوار».
ولكن بينما راحا يتحادثان ويمضيان الوقت معاً، وقعت في حبه وتزوجا الصيف الماضي.طوال الثمانية أشهر التالية، وزع وقته بين المنزل وعروسه الجديدة والجبهة.في كل مرة كان يتوجه فيها الى الجبهة، كانت أحلام (23 سنة) تتصل به باستمرار لتتأكد من أنه بخير.
وفي أحد أيام شهر مارس، كانت تفكر فيه النهار كله ولم تستطع التركيز على أعمالها.
لذلك راحت تتصل به بشكل متواصل، الى ان أجاب أخيراً.تخبر: (قلت له ان عليه الاعتناء بنفسه)، فأجابني: (سامحيني ان وقع خطب ما).بعيد اتصالهما الهاتفي، قُتل في المعركة.(2015/2/12).
بعد مرور نحو 4 سنوات، يقول تقرير بقلم عبد الستار حتيتة، (أصبح عدة آلاف من العرب غالبيتهم ممن تزعموا وشاركوا في اطلاق ما يعرف باسم «ثورات الربيع العربي» في مطلع 2011، يشعرون بالمرارة وهم يتابعون الأخبار الفاجعة عن بلدانهم من مقار اقاماتهم الجديدة بعيداً عن أوطانهم، ويتركز أكثر هؤلاء في مصر).
بين هؤلاء الكثير من السوريين والليبيين المقتدرين مالياً، ثم لحقهم اليمنيون بعد اجتياح «الحوثيون» صنعاء.
أحد الذين تحمسوا للثورة الليبية يقول: «ما يحزنني أنني كنت أعتقد أنهم قادرون على اصلاح حال ليبيا اذا تخلصنا من القذافي حين بدأت الثورة لم أبخل عليهم، خصصت للثوار مع عائلتي، خمس سيارات دفع رباعي، وخصصنا لهم، عبر شهور على الجبهة الشرقية لبنغازي، أطناناً من المؤن الغذائية ومياه الشرب».
الكثير من هؤلاء كانوا من المتشددين بعد عودتهم من القتال في أفغانستان والشيشان والعراق.. الى «درنة».كل هذا، يضيف اللاجئ الليبي، «تبخّر».. وقالوا الديموقراطية كفر».(2015/1/29).
من الواضح ان «سورية الكبرى»، يقول التقرير الاسرائيلي، لم تعد موجودة في شكلها السابق، «الاصطلاح الذي يتردد على نحو مقبول هذه الأيام هو سورية الأسد الصغيرة، التي تسيطر على ما نسبته من 20 الى %30 من البلد».
ويضيف: «الروس الذين هبوا لمساعدة نظام دمشق ضد الثوار، لا يخفون اليوم يأسهم من جيشه.الجيش السوري النظامي لن يستطيع تحقيق النتائج المطلوبة، لذا يحاول الروس اليوم، بموافقة أمريكية، العمل من أجل التوصل لحل وسط بين الثوار ونظام بشار الأسد، يؤدي الى تقاسم السلطة في البلاد».
غالبية السوريين اللاجئين الى مصر من ذوي التوجهات الراديكالية.وهؤلاء، يقول تقرير الشرق الأوسط: «تدفقوا بشكل كبير الى هنا أثناء حكم جماعة «الاخوان» لمصر، حيث عاشوا على مساعدات الجمعيات الخيرية «الاخوانية»، كما ان «اخوان» مصر هم من ابتدعوا تزويج اللاجئين السوريةت لمصريين.ووفقاً للمعلومات الأمنية، كان الزواج في الأغلب من عناصر جماعة الاخوان نفسها».غير ان العبقرية السورية - اللبنانية التجارية سرعان ما برزت حتى في هذا الظرف الحالك! ف«السوريون تمكنوا سريعاً من التكيف في المجتمع المصري، ولا تخلو منطقة من قلب القاهرة والاسكندرية من مطاعم الشاورما والمأكولات الشامية».
لقد كانت العراق والشام محضن ومفرخ التيار القومي الوحدوي، فلماذا انهار البلدان وتفتتا، وسلمت مصر وتونس وحتى ليبيا، بل هل كان البلدان من الداخل، حتى قبل سايكس بيكو، كيانات صلبة متحدة؟ «قبل الاستعمار»، يقول الكاتب حازم الأمين في صحيفة الحياة، «لم يكن العراق عراقاً، ولم تكن سورية نفسها، ثمة مرحلة انقضت من الفشل، فشل في العلاقة بين الجماعات، وفشل في التنمية، وفي بناء الدولة، وفي صوغ أي تصور عن المستقبل.والأهم من هذا كله، فشل في تحويل التجزئة المصطنعة والمفروضة الى واقع ممكن والى آفق قابل للبقاء وللتطور».
ماذا كان يفعل حزب البعث في العراق وسورية اذن؟ كان هذا الحزب، يقول الأمين، «قناعاً لعصبيتين أهليتين أقلويتين، تحولتا مع الوقت عصيبتين مناطقيتين ثم عائلتين، وتسلحتا بخرافة الوحدة من دون ان يُبنى اي صرح فعلي لهذه الوحدة، اننا حيال سورية اصغر من تلك التي منحها سايكس بيكو للسوريين، وحيال عراق بلا كردستان وبلا الموصل والانبار، هذا على اقل تقدير، وهذا ما يقوله كثيرون من السياسيين وما باشره بعضهم (الحياة، 2015/2/1).
لماذا نجح كيان مصطنع، ودولة مركبة من عناصر قومية كثيرة، مثل اسرائيل، في بناء دولة عصرية حديثة لليهود، على الرغم من الحصار والحروب والمقاطعة العربية والتعبئة العسكرية، فلم تعرف الدولة الانقلابات وحل المجالس وملاحقة المعارضة والسجون والتعذيب ضد رجال الدولة والمثقفين وزعماء الاحزاب، وعرف العراقيون والسوريون وسكان «شرق المتوسط»، كل هذا وزيادة؟!
ماذا عن نصف المجتمع في العالم العربي.. المرأة؟
لم يتغير الكثير في وضعها عندما وقعت الدول العربية قبل سنوات على الاتفاقية الدولية حول «الغاء كافة اشكال التمييز ضد المرأة»، فالعديد من مثل هذه التوقيعات ومنها حقوق المرأة، كما تفسره د.فاطمة الرئيسي المغربية، «لا يتعدى التأكيد على الحداثة عبر التوقيع العلني امام شاشات التلفزيون»، ولم يتغير شيء بعد اغتصاب نحو 200 امرأة سودانية في دارفور ورفضت حكومة البشير ادخال الامم المتحدة من اجل فتح تحقيق.
وقد استطاعت المرأة في ظل «الربيع العربي» ان تنحت منذ البداية مساحة في الواقع السياسي والاجتماعي، تقول د.شيرين أبو النجا «لم ولن تختفي مطلقاً، كل ما في الأمر أنها تمر بصعود وهبوط».
فما ان تمت الاستفادة من دورها في اسقاط الأنظمة في مصر وليبيا، حتى تزايدت قصص وممارسات الاغتصاب والتحرش ومصادرة الحقوق والتصريح الذكوري علناً «ان وجود النساء في المجال العام لم يعد أمراً مرغوباً».(انظر: مجلة الديموقراطية، يناير 2015، ص 44 – 46).
وتعرضت الأقليات للتهديد والتصفية، مع حقوق المرأة والحريات.وكانت مشاركة المسيحيين في الثورة على «مبارك» مشاركة واضحة تقول الباحثة د.مي مجيب في نفس المجلة المصرية.
«ولكن لم يكد يمر شهر على الثورة، حتى انفجرت العديد من الحوادث الطائفية».ان علل «الربيع العربي» ليست من نوع واحد.
فمنها ما سببه الهيمنة الطويلة لنظم الاستبداد وحكم الفرد ومصادرة كل الحقوق والحريات.ومنها، التعصب الديني والقومي وغياب التسامح، وتفشي أمراض التخلف.. ومنها، تدخل القوى والدول الخارجية والأحزاب التي تحركها كما رأينا في الدور الروسي والايراني و«حزب الله».ومنها، تفجر الأمراض السياسية والاجتماعية والسكانية من كل لون.لا أحد يعلم ماذا سيحدث لنا بعد أربع سنوات أخرى.
ولكن الكثير مما جرى ويجري، تقوم به وحوش كنا نراها تنمو وتتغلغل في منازلنا ومدارسنا ومساجدنا وحكوماتنا.. ونسكت!

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك