ميزة الإنسان .. الإرادة الحُـرّة - بقلم مشعان البراق

زاوية الكتاب

كتب 1883 مشاهدات 0

مشعان البراق

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الكريم ..

فضّل الله الإنسان على جميع خلقه ، وجعله في الأرض خليفة وجهّزه لهذه المُهمّة بنعمة العقل ، ولكن ما الذي يُميّز الإنسان عن جميع خلق الله ؟ يُجيب من تسأله بـ ( العقل ) وليس ذلك بالجواب الصحيح ، فالملائكة لها عقل وليس لها شهوة تتغلّب على عقلها بعكس ما عليه الإنسان الذي له عقل وشهوة قد تغلب تلك هذا ، ويقع في معصية الله ، ومع ذلك فالإنسان أفضل من الملائكة رُغم أن الملائكة لا تُخطئ ، يأمرها الله فتُطيع ، والإنسان يقع في مُخالفة طاعة الله كثيراً ، فكيف يكون أفضل خلق الله !؟

ـ ( عرض الله تعالى طاعته وفرائضه وحدوده على السمٰوات والأرض والجبال على أنّها إن أحسنت أُثيبت وجوزيت ، وإن ضيّعت عوقبت ، فأبت حملها إشفاقاً منها أن لا تقوم بالواجب عليها ، وحملها الإنسان ، إنه كان ظلوماً جهولا . ) ـ

قال عز وجل : { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } الأحزاب .

وفي ذلك ما يجعل الإنسان الأفضل ، رُغم وصف الله له بـ'الظلوم الجهول' ، وذلك الشيء هو الذي تركه الله سبحانه للإنسان ، فتميّز به عن جميع الخلق ، وهو ( الإرادة الحُرّة ) وحق تقرير المصير وإن كان لغير صلاح ، لم يفرض على الإنسان ، بل تركه يُقرّر بإرادته .

من هُنا أبدأ بما أُريد قوله ، وهو أن الله بعزّته وجلاله أعطى الإنسان ( الإرادة الحُرّة ) التي يُريد بعض شيوخ الدين جعلها تحت تصرّف الحاكم الذي ليس فيه ما يجعله مُختلفاً عن سائر البشر سوى لقبه ، أي أنّه لا يملك صفةً تجعله أعلى قدراً من البشر ليكون بمرتبة قريبة لمرتبة إلـٰـه على البشر ، وأعطوا الحاكم حق سلب تلك ( الإرادة الحُرّة ) من الناس ، هذا الحق الذي أعطاه الله للإنسان ، وأعطوا الحاكم حق فرض ما يُريد على الناس ، وذلك بإسم الله الذي رُغم أنّه يعلم بأن الإنسان 'ظلوماً' أي أنّه في عدم الوفاء بالأمانة ، و 'جهولاً' أي أنّه في عدم تقدير الأمانة ، ومع ذلك ترك للإنسان حق تقرير مصيره بإرادته الحُرّة التي تُميّزه عن جميع الخلق ولم يفرض عليه حملها أو تركها ولم يسلب منْه إرادته ويمنعه من حق تقرير مصيره .

كيف لمن يملك العلم بدين الله أن ينتزع هذا الحق من الناس بإسم الدين !؟ كيف له أن يجعل حق تقرير المصير بإرادة الحاكم 'الفرد' التي يُقوّيها على إرادة 'جميع' الناس !؟

الناس لهم حق تقرير مصيرهم بإرادتهم الحُرّة ، ولا يملك الحاكم هذا الحق وحده ليُقرّر مصير الناس ويسلب إرادتهم الحُرّة ويدّعي أن ذلك أمر الله ، فالله نفسه لم يحرم الناس من حقّهم بتقرير مصيرهم وجعلهم يُقرّرون بإرادتهم الحُرّة ولم يفرض عليهم حمل الأمانة التي منها بدأ كُل شيء ، ولذلك سيُحاسب الله الناس على أعمالهم التي قرّروا أن يقومون بها ، فلا عُذر لهم وهُم من إختاروا بإرادتهم حملها ، وفي يوم الحساب يُذكّر الله الإنسان باليوم الذي إختار فيه وبكامل إرادته أن يحمل الأمانة .

لو تركنا للحاكم كل شيء ليختار لنا ما نكون عليه وما نقوم به ، ليعذرنا إن لم نلتزم بما تم إختياره لنا وإن لم نُخلص بما فُرض علينا ، ونُلغي 'المُحاسبة' لأنّها مُرتبطة بإختيارنا ما نكون عليه وبقبولنا بما نقوم به ، فمن قرّر وبإرادته فليتحمّل ، ومن لم يُقرّر بإرادته فلا ذنب عليه ، فالله بعظمته جعل هذا نظاماً لا يجب أن يتغيّر لكي لا يتسبّب تغيير ذلك النظام بالدمار والفوضى ، فمن يكون الحاكم الإنسان الذي خلقه الله ليجعل هُناك نظاماً مُخالفاً للنظام الذي فرضه الله بدايةً !.

ويجب أن أُوضّح أن ذلك لا يسلب من الحاكم جميع صلاحياته ، بل له صلاحية إدارة ما يختاره الناس وتطبيقه ، ومُحاسبة من يُخالف ما إرتضاه الناس بإرادتهم وتقويم وردع من ينحرف ، فالحاكم عبارة عن خادم للأُمّـة يأتمر بالأمر الذي إجتمعت عليه الأُمّـة وتراه مُناسباً لها ويُحقّق ما تُريده وترضاه ، فوصف الحاكم بـ( ولي الأمر ) يعني أنّه يتولّى أمر الناس الذي إختاروه ولا يعني أنّه يفرض على الناس أمراً لا يرضون به ، 'الأُمّـة مصدر السُلطات جميعاً' نص دستوري مُطابقاً لما تحمله النصوص الشرعية ، والمصدر هو مرجع كُل سُلطة ومن ضمن السُلطات سُلطة الحاكم ، والمرجع هو أن يكون الأمر راجعاً للأُمّة ، تُقرّره فيُشرف الحاكم على تطبيقه والذود عنْه .

ختاماً / نحن لنا ما أعطانا الله ولا لأحد تصريح بسلبه ، وهو حق تقرير مصيرنا وبإرادتنا الحُرّة التي لا لحاكم أو غيره سُلطة عليها تُقيّدها ، وهذا مبدأ يدفعنا للتحرّك نحو تغيير ما نراه لا يُناسبنا ويُخالف ما نُريده ونرضاه .
مشعان البراق

الآن - رأي: مشعان البراق

تعليقات

اكتب تعليقك