«عاصفة الحزم» ليست مجرّد عملية عسكرية بل سياسية ايضا .. بوجهة نظر خير الله خير الله

زاوية الكتاب

كتب 446 مشاهدات 0

خير الله خير الله

الراي

أهمّية تحرير المكلّا

خير الله خير الله

 

ليس سرّا من حرّر عدن صيف العام الماضي. كان تحرير عدن واخراجها من تحت سيطرة الحوثيين، اي «انصار الله»، خطوة أولى من اجل قطع الطريق على المشروع الايراني في هذا البلد. تحرّرت عدن استنادا الى خطة عسكرية متكاملة لا تستطيع تنفيذها الّا الجيوش الحديثة التي تتقن التنسيق بين قوات جوية وقوات برّية وعملية انزال بحري. تحرّرت عدن بفضل «عاصفة الحزم» من الجو وجهود اماراتية على الارض. كان الهدف منع سقوط عاصمة الجنوب اليمني في يد قوى معادية في ظلّ استفادة «انصار الله» من الدعم الذي قدّمته لهم القوات التي لا تزال تحت سيطرة الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

مع تحرير المكلّا عاصمة محافظة حضرموت، وهي اكبر المحافظات اليمنية مساحة، يتأكّد انّ «عاصفة الحزم» تمثّل حربا على الارهاب بكل اشكاله من اجل حماية الامن الخليجي. انّها حرب ذات طابع دفاعي، كلّ خطوة فيها مدروسة جيّدا بأدقّ التفاصيل.

لعبت القوات الاماراتية دورا محوريا في تحرير عدن من «انصار الله» بغطاء من سلاح الجوّ التابع لقوى التحالف العربي والاسلامي الذي يخوض معارك «عاصفة الحزم».

 

بعد اقلّ من سنة على معركة عدن، لعبت القوات الخاصة السعودية والاماراتية الدور المطلوب لاستعادة ميناء المكلا من «القاعدة». كلّ ما يمكن قوله، انّه في حالتي عدن والمكلّا، الارهاب واحد.

لا فارق بين ارهاب وآخر، اكان هذا الارهاب مدعوما من ايران، او كان من النوع الذي يمارسه تنظيم «القاعدة» الذي راح ينتشر في انحاء مختلفة من اليمن منذ تسعينات القرن الماضي برعاية من الاخوان المسلمين واجنحة في النظام القائم.

هناك إرهاب مارسه «انصار الله» الذين استغلّوا في سبتمبر 2014 حال الفراغ الناجمة عن سقوط الصيغة التي حكمت اليمن الشمالي انطلاقا من صنعاء منذ عشرات السنين، واليمن كلّه منذ العام 1990 تاريخ تحقيق الوحدة. في 21 سبتمبر 2014، استكمل الحوثيون سيطرتهم على العاصمة. راهن هذا الارهاب الذي مارسوه طويلا على التفريق بين المذهبين الزيدي والشافعي في بلد لم يعرف يوما ايّ تمييز بين المذاهب.

هناك ايضا، ارهاب ذو طابع سنّي راح يتغلغل في كلّ اليمن، خصوصا في مرحلة ما بعد انتهاء حرب الانفصال صيف العام 1994 باستعادة الوحدة وفشل الحزب الاشتراكي في تحقيق هدفه المتمثّل في استعادة دولة الجنوب المستقلّة.

كان الحزب الاشتراكي يشكّل عنصر توازن في اليمن. افتقد اليمن لهذا العنصر في مرحلة ما بعد حرب صيف 1994. الاخطر من ذلك النتائج التي ترتبت على صعود الحركات الاسلامية المتطرفة في غياب الحزب الاشتراكي الذي سعى الى اقامة دولة مدنية بعد تحقيق الوحدة.

ما كشفته عملية تحرير المكلّا انّ هناك وعيا تاما لدى القيادتين في السعودية والامارات للتعقيدات اليمنية، خصوصا بعدما سعت «القاعدة» وما شابهها الى الاستفادة من الفراغ الناجم عن ضعف الشرعية اليمنية من جهة، ومن شبكة العلاقات التي اقامتها في المحافظات الجنوبية والوسطى في البلد من جهة اخرى.

لم يكن وصول تنظيم «القاعدة» الى المكلّا وسيطرته على المدينة قبل عام تطورا مفاجئا. هذا التنظيم الارهابي موجود في حضرموت منذ سنوات عدّة، كما هو موجود في شبوه وابين وعدن.

كانت هناك قوى مشاركة في السلطة او في الاجهزة الامنية متواطئة مع «القاعدة» في عهد علي عبدالله صالح. كان هناك طوال السنوات الخمس عشرة الاخيرة من عهد الرئيس السابق صراع بين مؤيدي المعاهد الدينية، بكلّ ما تمثّله من تخلّف، ومعارضيها. كان هناك حتّى خلاف بين الحكومة والاخوان المسلمين في شأن مستقبل «جامعة الايمان» في صنعاء. شكا العالم من هذه الجامعة التي كانت تخرّج متطرّفين من كلّ الجنسيات والتي كان على رأسها الشيخ عبد المجيد الزنداني الذي روّج لخرافات عدة صدّقها كثيرون. كان من بين تلك الخرافات النجاح في انتاج دواء لمرض فقدان المناعة (ايدز) وآخر للسرطان!

زادت نقمة العالم على «جامعة الايمان» بعد تفجير المدمرة الاميركية «كول» في ميناء عدن في اكتوبر 2000. تبيّن لاحقا كم هو كبير حجم اختراق «القاعدة» للاجهزة الامنية اليمنية، خصوصا ان التفجير كان بأوامر مباشرة من اسامة بن لادن، في رسالة موثّقة ارسلها الى شخص معيّن. كان هناك ايضا اشخاص متهمون بالارهاب، شاركوا في عملية «كول» بعدما وجدوا من يطلقهم من السجن في ظروف غامضة، وذلك قبل اسابيع من تفجير المدمّرة.

تعني استعادة المكلّا امرين. الاوّل انّ هناك جيوشا معدّة جيدا للحرب تشارك في «عملية الحزم». هناك جيش اماراتي محترف يستطيع تنفيذ عمليات عسكرية في غاية التعقيد. هناك بكلّ بساطة مؤسسة عسكرية بكلّ معنى الكلمة لا تخشى تقديم تضحيات، كما في ايّ دولة حديثة. هناك دولة عصرية مختلفة تعرف تماما ان الجيوش الحقيقية، هي تلك التي لا تكتفي بتقديم عروض عسكرية في مناسبات معيّنة، لا تبنى الجيوش المحترفة بين ليلة وضحاها، بل انّ انشاء مثل هذه الجيوش يحتاج الى جهود دؤوبة بشكل يومي.

الامر الثاني انّ «عاصفة الحزم» ليست مجرّد عملية عسكرية. بل هي عملية سياسية ايضا تأخذ في الاعتبار ان الارهاب في اليمن ليس مقتصرا على ممارسات الحوثيين الطامحين الى السلطة بأيّ ثمن كان. هناك ايضا «القاعدة» التي ضربت في عدن وفي ابين وحضرموت وشبوه ومأرب وفي اماكن عدّة اخرى، كما سيطرت لمدّة سنة سيطرة كاملة على المكلّا حيث مطار وميناء.

تدور هذه الاحداث في وقت هناك عملية سياسية في الكويت تشرف عليها الامم المتّحدة. هذه العملية لا يمكن ان تنجح بمعزل عن متابعة الحرب على «القاعدة» ووضع «انصار الله» في حجمهم الحقيقي. وقد بدأوا في اخذ حجمهم الحقيقي منذ اليوم الذي خرجوا فيه من عدن ولم يعد في امكانهم السيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي. كذلك، اخذ الوضع الداخلي في اليمن بعدا جديدا بعد التظاهرة الحاشدة التي نظّمها علي عبدالله صالح في صنعاء في 26 مارس الماضي، مثبتا ان صنعاء ليست تحت سيطرة الحوثيين بأي شكل من الاشكال.

لم تسدّ «عاصفة الحزم» المستمرّة الطريق على الحلول السياسية في اليمن. على العكس من ذلك، اعطت هذه الحلول بعدا جديدا خلاصته ان اليمن في حاجة الى صيغة جديدة تتضمن احتواء لمطامح الحوثيين في الشمال وللخطر الذي تمثّله «القاعدة» في الوسط والجنوب. لا هوادة في الحرب على «القاعدة»، لكن هناك استعدادا لاخذ الظلم التاريخي الذي تعرّض له الحوثيون في الاعتبار. لا يختلف اثنان على ان الحوثيين مكون من مكونات اليمن، لكنّهم ليسوا الميليشيا الايرانية التي تسيطر على كلّ اليمن.

جاء تحرير المكلّا، وهو تطوّر في غاية الاهمّية، ليؤكد ان «عاصفة الحزم» ليست مجرّد حدث عابر بمقدار ما انّها حرب على الارهاب بكلّ انواعه. ليس اليمن، ولا يمكن ان يكون، قاعدة لـ«القاعدة». وليس اليمن ايضا مستعمرة ايرانية، ولا يمكن ان يكون ذلك، لا اكثر ولا اقلّ.

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك