حمد الجوعان .. الرجل المدرسة

زاوية الكتاب

زايد الزيد: «أنظف» السياسيين الذين دخلوا المعترك السياسي وخرجوا منه بثوب لم يتسخ

كتب 2480 مشاهدات 0


النهار

الخلاصة- حمد الجوعان.. الرجل المدرسة

زايد الزيد

لا يختلف اثنان على أن الراحل حمد الجوعان يعتبر من «أنظف» السياسيين الذين دخلوا المعترك السياسي وخرجوا منه بثوب نظيف، فعلى مدى ثلاثين عاما لم يتسخ بأوحال العمل الحكومي والعام، كما لم تلوثه السياسة وإغراءاتها، حتى غادرنا إلى رحاب الله عز وجل، تاريخ من النضال السياسي دفع ثمنه الراحل الجوعان غاليا حينما مسّته يد الغدر الآثمة بمحاولة اغتيال جبانة، ارتكبها من اسودت قلوبهم كسواد الدخان المتصاعد جراء حرق آبار النفط والذي كان يملأ سماء الكويت وقت حدوث الجريمة،وان كانت محاولة الاغتيال الآثمة التي تسببت للجوعان بالشلل وأقعدته، ولكنه أبى أن يشلّ ذلك إصراره وعزيمته وإيمانه العميق بأن مواجهة الفساد والفاسدين لها ثمنها كما ان لها جولاتها وصولاتها، وهو ما أثبته الجوعان باستكمال عمله البرلماني من خلال مجلس الأمة 1992.

ولا يمكن لأحد ان يتحدث عن الجوعان في العقود الأربعة الأخيرة إلا ويأتي على ذكر مؤسسة التأمينات الاجتماعية، فهو أبوها ورائدها، أسسها ورعاها ورفعها الى مستوى راقٍ لم تعهد الكويت او المنطقة مثله من حيث الفكرة والأداء والنتائج، ومن المؤسف ان نشهد اليوم ما تعرضت له هذه المؤسسة من تدمير عبر عمليات نهب وسرقة منظمة طالت أصولها واستثماراتها وقدرت بالمليارات.

والحديث عن رجل سياسي له باع طويل في العمل الحكومي والبرلماني محاربا الفساد والمفسدين كالراحل حمد الجوعان، ليس عملا سهلا، وسيرته العطرة لا يمكن ايجازها في مقال. فالراحل كانت له بصمات واضحة من خلال عضويته في مجلس الأمة، فكان أحد مقدمي أقوى الاستجوابات في تاريخ العمل البرلماني مع الراحل أحمد الربعي والنائب الأسبق مبارك الدويلة وهو الاستجواب المقدم لوزير العدل في مجلس 1985 ويتعلق بفساد في إصدار سندات مالية، وانتهى باستقالة الوزير حينها، ولم يقف مشواره عند هذا الحد، فالراحل الجوعان كان بمثابة شوكة في حلوق الفاسدين، ولعل من أهم القضايا قيام الراحل بالتحقيق في شبهات بالتجاوز على المال العام في البنك المركزي، ورغم قيام السلطة بعد ذلك بحل المجلس في العام 1986، عاد الراحل إلى النشاط في الشارع جنبا إلى جنب زملائه الآخرين من النواب ومن المواطنين في ما عرف بـ«دواوين الإثنين»، فكانت له صولات وجولات لرد الشرعية البرلمانية المنتخبة، وصولا لمحاولة اغتياله الآثمة بعد التحرير من الغزو بيومين حينما اقتحم مجهولون بيته ورموه بالرصاص، ولكن العناية الإلهية كتبت له عمرا جديدا، ثم واصل نضاله السياسي بمجلس 1992 بعد استرجاع الشرعية البرلمانية، وكان له السبق- كعادته-  بتشديد عقوبات قانون حماية الأموال العامة ومحاسبة الفاسدين والمتطاولين على المال العام بأحكام سجن تصل إلى المؤبد.

رحل الجوعان، ولكن بقيت مدرسته السياسية التي فيها الكثير والكثير من النظافة والصدق والالتزام، مدرسة فرضت نفسها وتآخت مع الآخرين وأحبها حتى من اختلفوا معه في بعض الأفكار. هذه المدرسة الوطنية الزاخرة بالأفكار الرائدة تعتبر أنموذجا قلما نجده بين سياسيي اليوم ، فحتى من اختلف معهم الجوعان، لم نر منه يوما تطاولا عليهم، كان يضع النقد في محله، ويدافع عن رأيه بكل صلابة دونما تجريح بالخصم، كانت مدرسته رصينة لها هدف محدد بعيدا عن تشابكات ومصالح العمل السياسي، ولم يعرف عن الراحل الجوعان يوما فرضه لآرائه على الآخرين، فكان مستمعا منصتا في حواره واجتماعاته مع الآخرين.

رحيل الجوعان بلا شك خسارة كبيرة لنا وللكويت، وعزاؤنا لأسرته ومحبيه وهم كثر ولانبالغ ان قلنا انهم الكويتيون قاطبة.

رحم الله حمد عبدالله الجوعان وأسكنه فسيح جناته.

 

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك