الإعلام له تأثير جارف يشوه الحقائق ويلبس الحق بالباطل.. كما يرى ناصر المطيري

زاوية الكتاب

كتب 1456 مشاهدات 0


النهار

خارج التغطية- لا تقطع أُذنك!

ناصر المطيري

 

يُروى في الأثر أن أحد الملوك كان عقيما لزمن طويل من عمره وكان متلهفاً للولد الذي يرث عرش مملكته، إلى أن شاءت الأقدار ورزقه الله بولد ففرح بذلك فرحا كبيرا، غير أن ما عكر هذه الفرحة أن المولود جاء مشوهاً بإذن واحدة وليس بأذنين كبقية الناس، فاحتار الملك ماذا يفعل خوفا من أن تسبب هذه الصفة للملك الصغير السخرية وتسمه بالنقص وهو ولي العهد وملك المستقبل، جمع الملك مستشاريه وطلب منهم حلاً لتجاوز أزمة «أذن» ولي العهد..

استقر الرأي الذي أقنع الملك على أن يصدر الملك لكافة الناس في بلده أمراً ملكيا يقضي بقطع أذن واحدة من كل الأطفال الموجودين والأطفال الذين سيولدون حديثا، وذلك حتى لا يشعر ولي العهد بنقص واختلاف عن الآخرين !

وبالفعل نفذ الجميع الأمر الملكي طائعين منصاعين بقطع أذن واحدة من أطفالهم.

بعد أن كبر ولي العهد أصبح أبناء جيله من أهل البلاد جميعهم بأذن واحدة وأصبح ذلك هو المألوف بينهم، وحدث في مرة أن دخل أحد التجار الأجانب إلى داخل أسوار هذه البلدة حاملا بضاعته ليسوقها فالتف حوله شباب البلدة يضحكون ويسخرون منه لأنه مختلف عنهم في خلقته فالرجل له أذنان وليس أذناً واحدة مثلهم، فأخذوا يعيرونه بذلك، وبالفعل تفاجأ عندما رأى كل أهل البلاد بإذن واحدة، وقد تضايق من كثرة سخرية الناس بأذنيه وشعر بأنه شاذ ومشوه وشك في نفسه، ولم يجد وسيلة للخلاص من ذلك إلا أن يقطع أذنه ليتساوى ويتشابه مع أهل البلاد، وبالتالي يتمكن من تسويق تجارته بينهم، ولقد فعل ذلك وقطع إحدى أذنيه ليرضى عنه أهل البلاد ويعتبرونه شخصاً طبيعياً.

ولنا في هذه الرواية عبرة يمكن أن نستفيد منها في واقعنا وحياتنا، حيث نشاهد الكثير من السلوكيات والظواهر السلبية والشاذة التي تتفشى بين الناس وتصبح وكأنها واقع طبيعي لا يستنكرها الأفراد لكثرة انتشارها، ويصبح الانسياق وراءها عاماً فينسى المجتمع سوءها أو خطرها، بل حتى بعض العقلاء من القوم يجدون أنفسهم مضطرين إلى اتباع تلك الظواهر السلبية الشائعة مسايرةً للمجتمع وحتى لا يشعروا بأنهم مختلفون أو متخلفون عن مجتمعهم!

فهؤلاء العقلاء يصبحون مثل صاحبنا الذي اضطر إلى قطع أذنه ليرضى عنه أهل البلدة ولا يسخرون منه..

فالتأثير الإعلامي اليوم عبر كافة الوسائل والوسائط له تأثير جارف، يشوه الحقائق ويلبس الحق بالباطل، ويصبح الناس منقادين تحت تأثير طغيان الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي يقلدون بعضهم دون وعي وتفكير حيث تغيب القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية وتطغى المصالح والمباهاة والفساد المالي والإداري والأخلاقي، فيصبح تقليد الغرب تحضراً، ويسمى الفساد شطارة، ويعتبر التعري انفتاحاً، فتتفشى ثقافة اجتماعية مشوهة لأن أغلب الناس اضطروا إلى قطع أذانهم..!!

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك