عدنان فرزات يكتب.. الكويت الرابعة فجراً

زاوية الكتاب

كتب 460 مشاهدات 0

عدنان فرزات

القبس

الكويت الرابعة فجراً

عدنان فرزات

 

كل شيء تبدؤه من أوله يكون أجمل. الحياة مثل حكاية في فيلم مشوّق، لو تابعته من منتصفه أو نهايته فلن تفهم منه شيئاً ولن تمسك بخيط الحكاية.

حين تكون أنت الأول في حياة شخص ما، فهذا الأجمل، وحين تكون أول من استقبل اليوم من أوله، فهذا أروع مما لو استفقت متأخّراً لتجد نفسك متلاشياً بين الازدحام.. بدايات الأشياء تمنحك تفردّك وتميّزك وتُشعرك بنرجسية الاستباق، استباق الآخرين في نيل الأشياء من بواكيرها.

في أحيان كثيرة، أنهض باكراً على صوت أذان الفجر، حيث العتمة الروحانية تغلف الفضاء بوشاح من خشوع. في هذه الساعة أحب النزول أحياناً إلى العمل، أبدأ اليوم من أوله كي يكون لدي متّسع من الوقت لأقدم شيئاً ما للأرض التي تنتظر منا ما يليق بها.

ربما قليلون جدّاً الذين يشاهدون الكويت عند الساعة الرابعة فجراً، بعض الذاهبين إلى المسجد، وأضواء عدد محدود من البقالات أو المطاعم والمقاهي التي تبقى ساهرةً تلتقط أرزاقها من العابرين في عتمة قبيل بزوغ الشمس. لأن الأشخاص الذين يستيقظون في هذا الوقت قليلون، فهم يصبحون أصدقاء.

في هذا الجو السابح في فضاءات محاطة بالرهبة، ثمة من يزرع فيك الأمان أيضاً، إنهم رجال الأمن في سياراتهم مستيقظون يحرسون المكان من حولك، كأنهم وجدوا في هذه اللحظة لأجلك، يشعرونك كم أن حياتك غالية الروح.

الكويت عند الرابعة فجراً تختلف تماماً عنها في بقية الأوقات، فالازدحام يغيّب جمالية ملامح المدن، لذلك، تظهر روعة الظلال قبل أن يبدأ الضجيج. البيوت الوادعة على أحلام عميقة، تحكي قصة بناة هذا المكان، سواء من أهله أو من المقيمين الذين فسروا الكثير من أحلامهم هنا. هذا وطن المزيج المدهش من كل ثقافات العالم، يتكلمون في النهاية بلسان واحد هو لسان الإنسانية. خلقت الكويت لتكون ملتقى الثقافات والجنسيات والديانات. أكثر ما تشعر بهذا الانسجام عند الرابعة فجراً، فالسكون يوحّد الجميع ولا يفرق الفجر بين أحد.

بدأ الآن قلم الشمس يكتب أول حروفه على صفحة السماء، وبدأت الحياة تستفيق أكثر. والمدينة تغسل نعاس بيوتها وتضيء نوافذها، فلا يفوتكم مشهد الكويت عند الرابعة فجراً.

تمنحك الشوارع التي بدأت تفتح أجفان محالّها بأنك قادر على صنع الحياة من أولها، عليك ألا تكون مجرد رقم في معادلة الحياة. كثيرون قبلك جاؤوا ومضوا ولم يتركوا أثرهم على صفحات الدنيا.. تركوها بيضاء لم يقرأها أحد من ورائهم

 

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك