كثير من المطالبات الإصلاحية في مجتمعنا والمجتمعات العربية هي مطالبات للمشاركة في السلطة.. كما يرى محمد السداني

زاوية الكتاب

كتب 942 مشاهدات 0

محمد السداني

الراي

سدانيات- ابن الناظر!

محمد السداني

 

كنَّا صغاراً لا تغرينا الحياة بكل ما تحمله من زيف وإغراء كما كانت تغري الكبار. فكان همنا أن نحصل على وقت أطول لنلعب الكرة في ساحة المدرسة، أو نتقاسم لوح الكاكاو بيننا أو نتحدث مع بعضنا أثناء الحصة الدراسية من دون أن نعاقب أو نضرب. أو باختصار كنَّا نتمنى أن نكون جميعا - أبناء للناظر- فهو يستطيع أن يحقق كل أمنياتنا من دون أن تمر في مرحلة الخيال، فهي متحققة لما لوالده من سلطة في المدرسة.

وكبرنا وكبرت الأحلام ولم نكن نعتقد أنَّ - ابن الناظر- سيكون حالة متنقلة بين مراحل الدراسة، فابن الناظر في مدرستنا الابتدائية كان حالة مشابهة لابن الناظر في المرحلة المتوسطة والمرحلة الثانوية، ولسذاجة وبساطة في تفكيرنا كنا نعتقد أنَّ هذه الحالة لن تكون موجودة إلا في إطار الابن والناظر. ومع خروجنا إلى العالم الخارجي ورؤيتنا للحياة السياسية والاجتماعية وجدنا المشهد يتكرر في كل الأحيان، وكأننا موعودون بالناظر وابنه في كل مكان، ولكنَّ الصلة هنا اختلفت وإن تشابهت في المآل، فتجد فلانا بن فلان يحصل على منصب مرموق: لأنَّ أباه كان وزيرا... وهذا يعين في منصب قانوني حساس وبمعدل - جيد - فقط لأنَّ والده مستشار، وبعيدا عن المناصب نجد الأمر نفسه في المناقصات والعقود... وهكذا تمضي الحياة.

لم نكن نعتقد ونحن نلعب الكرة صغاراً، أننا يجب أن نولد لأبٍ يعمل - ناظراً - أو أمٍ تعمل - ناظرة - لكي نحصل على بعض حقوقنا أو أن نعامل كما يعامل هم. ولم أكن أعتقد أننا ونحن كبار يجب أن نولد لأسرة تنتج وزراء ومسؤولين لكي يورثونا هذه المناصب. إنَّ المجتمع بكل فئاته يتمنى أن يكون - ابنا للناظر- لكي يشارك هذا الناظر مكتسباته التي يحصل عليها بناء على منصبه وسلطته، وقد يثير هذا الأمر تساؤلاً كبيرا لدى البعض ممن ينشد الإصلاح، هل الإصلاح أن نكون أبناء لهذا الناظر أم الإصلاح بألا يكون للناظر قدرة على التمييز بين إبنه وقريبه وبين الآخرين؟

أعتقد أنَّ كثيرا من المطالبات الإصلاحية في مجتمعنا والمجتمعات العربية، هي مطالبات للمشاركة في السلطة والحصول على نصيب من لم يأخذ نصيبه في السنوات السابقة. ولعل الشاهد على ذلك أنَّ بعض من نادى بالإصلاح بعد وصوله للسلطة - أيا كان توجهه - ستجده صديقا للسلطة التي كان يخوِّنها ويقول عنها ما لم يقله مالك في الخمر!

حالة من الاندهاش ستصيبك عندما تراجع مواقف الكثير من السياسيين الذين سَخَّروا حياتهم لكي يحاربوا السلطة وفسادها، وهم كانوا قاب قوسين أو أدنى من هذه السلطة، وعند أول فرصة للارتماء في أحضانها تتبدل المواقف وتصبح السلطة شنيعة الأفعال سابقا - لها ما لها وعليها ما عليها.

أعتقد أنَّ هذه الحالة ولدت عندما أصاب الكثير من عشاق السياسة والنضال اليأس من الإصلاح، فسعوا إلى الحصول على منفذ لتقاسم السلطة والنفوذ ليس إلا، وليقينهم أنهم مهما فعلوا لن يغيروا ولا شيئا واحدا في سياسة السلطة وتوجهاتها.

خارج النص:

- أحد الأصدقاء يعمل مدير ثانوية وعندما بدأ بإصلاح ما أفسده - مصلحو التعليم!- الذين كانوا يحققون نسبة نجاح تتعدى 100 في المئة، وأخرج نسبة نجاح وصلت إلى 16 في المئة، قال لي: إنَّ عدد المسؤولين الذين حضروا إلى مكتبي لكي أعدل نتيجة الطلاب بإمكانهم إسقاط حكومة بأكملها! الغريب أنَّهم أمام الميكرفونات يغردون بالإصلاح والعدالة وبعيدا عن الميكرفونات يؤسسون مشروع تقاسم السلطة والنفوذ.

 

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك