حسن الراوي: صلاح السعدني... الظلم والعزلة والنجاح

زاوية الكتاب

كتب حسين الراوي 461 مشاهدات 0


كل الشخصيات اللطيفة التي عرفناها منذ طفولتنا، ولازمتنا في مراحل متعاقبة من حياتنا، وصافحتنا روحياً وفكرياً، وكبرنا على القرب منها إعلامياً، من الطبيعي أن تنجح في إيجاد حيز لها في داخل عقولنا وقلوبنا وتاريخنا.

«كراكيب فيلم دراما، عائلي، كوميدي، مصري، للمخرج عمر عبدالعزيز، عام 1989، كتب القصة والسيناريو والحوار بهجت قمر. الفيلم من بطولة صلاح السعدني وآثار الحكيم وعبدالله فرغلي، وتدور الأحداث حول زوج وزوجة من الموظفين البسطاء ومحاولتهم الثراء بعمل بوليصة للتأمين على الحياة». ويكيبيديا.

أول دخول لي إلى السينما كان في عام 1998، لمشاهدة فيلم (كراكيب)، وذلك عندما كنت برفقة شقيقي الأكبر الذي يعشق أفلام (صلاح السعدني). حينها كنت صغيراً ولست مهتماً بعالم السينما والأفلام، لكن رغبة شقيقي المفاجئة لمشاهدة «كراكيب» كانت قد ولدت مباشرة عندما شاهد أفيش الفيلم مُعلّقاً كدعاية على واجهة ذلك المطعم الذي كان في ذات المبنى الذي يضم سينما الجهراء.

أذكر أني في تلك الليلة كنت مُندهشاً مما رأيت في داخل السينما، بسبب اتساع مساحتها والعدد الكبير لمقاعدها وحجم شاشتها وبسبب الصوت الضخم الصادر من سماعاتها! وأذكر أيضاً أنني ضحكت كثيراً في تلك الليلة ومُستمتعاً بشكل كبير بأحداث الفيلم.

الراحل صلاح السعدني، كان ضمن فرقة المتحدين المسرحية، التي تضم أصدقاءه عادل إمام وسعيد صالح، وكان صلاح يتفوق على عادل وسعيد، وباقي زملائه في الفرقة بالنجومية والشهرة، لكن علاقة شقيقه الكبير الكاتب محمود السعدني، كانت سيئة جداً بالرئيس أنور السادات، الأمر الذي جعل جميع المنتجين والمخرجين والكثير من الممثلين يتوقفون عن العمل مع صلاح السعدني، خوفاً من غضب السادات وسلطته، الأمر الذي جعل صلاح السعدني، يختفي لسنوات عديدة عن الظهور الفني والتأخر في منافسة باقي زملائه الممثلين إلى أن تم قتل السادات بمدينة نصر بالقاهرة في 6 أكتوبر 1981 أثناء احتفال عسكري.

وعلى ذِكر الكاتب محمود السعدني (الواد الشقي) فهو كاتب عظيم، أحببت كتاباته كثيراً بسبب عمقها وحسها الاجتماعي والسياسي الساخر.

ولقد قام محمود السعدني، بتأليف 28 كتاباً قرأتها كلها بشغف ولذة، وذلك في فترة انتشار فايروس كورونا، حيث حُبسنا في بيوتنا بلا شغل وبلا ارتباطات وبلا أي مواعيد مع الآخرين.

ولمحمود السعدني كتاب بعنوان (المضحكون)، تم نشره في عام 1967، تناول فيه شخصيات كوميدية عدة، وكان من ضمنها عادل إمام وسعيد صالح وصلاح السعدني. ولقد قال عنهم: «أكثرهم موهبة سعيد، وأكثرهم ثقافة صلاح، وأكثرهم ذكاءً عادل».

يحكي الكاتب محمود السعدني عن شقيقه صلاح في كتابه (المضحكون) وهو يتطرق لعلاقته السيئة مع الرئيس السادات التي امتدت للضرر بشقيقه: «ورث صلاح السعدني عداء كل السينمائيين بسببي، وأسدلوا عليه ستاراً من الإهمال والنسيان انتقاماً مني، ثم حالة الصياعة والضياعة التي يعيشها باختياره، وشلل الأنس التي تجري خلفه أو يجرها خلفه، ثم أزمته الشخصية بسبب الهوة السحيقة بين ثقافته الفنية والأعمال التافهة التي يقوم بها لدواعي أكل العيش، والتي جعلته يقف محلك سِر، ولكنه أيضاً معبود الشباب بين شلة المضحكين، وأكثرهم قدرة على تجسيد أي دور مثلما حدث في الضحية والرحيل».

ولد صلاح السعدني في 23 أكتوبر عام 1943، بمحافظة المنوفية بمصر، وكان تاريخ الوفاة في 19 أبريل 2024 عن عُمر (80 سنة).

بدأ صلاح السعدني رحلته الفنية عام 1960، بدوره في مسلسل الرحيل، ثم شارك بمسلسل الضحية عام 1964، ثم توالت نجاحاته الفنية الكبيرة وبالأخص عبر المسلسلات التلفزيونية، منها: ليالي الحلمية، النوّة، أرابيسك، صيام صيام، أبنائي الأعزاء شكراً، حلم الجنوبي، رجل في زمن العولمة، الأصدقاء، أوراق مصرية، وغيرها.

أنصح بمشاهدة حلقات «حكايات السعدني» في اليوتيوب، وهي تقريباً فيها ملخص حياة محمود السعدني، الحافلة بالمحطات المختلفة، والمملوءة بالأحداث المضحكة والحزينة والمجنونة وقوة الطموح.

أثبت صلاح السعدني للناس من خلال ما تعرض له في مسيرته الفنية أن الثقة بالنفس والشخصية الواثقة تجعلان الإنسان يتفوّق على الأعداء والعزلة والظلم.

رحم الله الأخوين صلاح ومحمود السعدني.

تعليقات

اكتب تعليقك